التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 29, 2024

الهند والصین: إتفاقٌ استراتیجیٌ سیاسی، ظاهره إقتصادی 

إن القول بأن الزمن المقبل قد يكون لآسيا، هو من الأمور التي قد يؤكدها الحراك الكبير الحاصل في المنطقة، لا سيما حراك الأقطاب. وهنا يأتي الحديث عن الصين وروسيا وأمريكا. فصحيحٌ أن لكل بلدٍ من هذه البلدان، مصالح خاصة، لكن لا يجب غض النظر عن القوة الحقيقية لكل منهم. إذ لا يمكن تجاهل قوة الصين المسيطرة وكذلك روسيا الطامحة في تلك المنطقة، كما أنه لا يمكن تجاهل أمريكا الساعية لتأسيس نفوذٍ لها. لكن يبقى الطرف الصيني صاحب الحيثية الأقوى. وهنا تأتي أهمية زيارة رئيس الوزراء الهندي الى الصين وما لها من دلالات. فماذا في هذه الزيارة؟ وكيف يمكن قراءتها؟

 

في زيارة هامة يعتقد أن التعاون على الصعيدين التجاري والإقتصادي غدا محورها، قام رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بزيارة رسمية إلى الصين في الفترة من ١٤ إلى ١٦ مايو الجاري. وأتت زيارة مودي، التي تعد الأولى منذ توليه مهام منصبه، في الوقت الذي يسعى فيه الجانب الصيني إلى دعم الهند لدفع بناء الممر الإقتصادي الذي يربط الهند وبنغلادش وميانمار والصين، وكذا دفع مبادرة “الحزام والطريق” والبنك الآسيوي للإستثمار في البنية التحتية. وفي حديثه قبيل الزيارة، قال له يوي تشنغ سفير الصين لدى الهند مؤخراً، إن شركات صينية وهندية تعكف الآن على القيام بأعمال تحضيرية لزيارة مودي، وتجري أيضا مفاوضات حول سلسلة من المشاريع التعاونية الواقعية، حيث من المتوقع ألا تقل قيمة العقود التجارية والإقتصادية المنتظر توقيعها بين أكبر دولتين ناميتين في آسيا خلال الزيارة عن عشرة مليارات دولار أمريكي.

ووقعت الهند والصين السبت في شنغهاي ٢١ اتفاقاً في مجالي التجارة والتعاون بقيمة اجمالية قدرها ٢٢ مليار دولار بحضور رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي. وقال مودي الذي يقوم بزيارته الرسمية الأولى إلى الصين سعياً إلى تمويل لتحسين البنى التحتية في الهند “لنعمل معا في سبيل مصلحتنا المشتركة” مؤكدا أن “الهند على استعداد لعقد صفقات” مع الصين. وتتعلق الإتفاقات الموقعة السبت بصورة خاصة بالقطاع المصرفي وقطاعات الإتصالات والطاقة الشمسية والتعدين والمرافئ والسينما والتنمية الصناعية وكذلك بناء محطة حرارية. وعمليا يتعلق الأمر بشكل رئيسي بتمويل مشاريع في الهند من خلال المصارف الصينية. وقال مودي: “أعتقد جازماً أن هذا القرن سيكون لآسيا” مشيراً إلى الروابط التاريخية التي تجمع البلدين المتنافسين على زعامة القارة. ووصل مودي الخميس إلى الصين وفي تكريم نادر استقبله الرئيس الصيني شي جينبينغ في شيان عاصمة مقاطعة شنشي حيث مسقط رأسه. كما خص رئيس الوزراء لي كه تشيانغ نظيره الهندي باستقبال احتفالي في بكين. ودشن مودي السبت مركز الدراسات الهندية و”الغاندية” في جامعة فودان الشهيرة. 

وهنا لا بد من تسليط الضوء على بعد الدلالات التي يمكن استنباطها من الزيارة:

–        إن اختيار مودي لمدينة شيآن كمحطة أولى من زيارته للصين يحمل في طياته دلالة رمزية لأن هذه المدينة تمثل في الواقع نقطة بداية طريق الحرير القديم. وهو ما يدل على أن الطريق هذه شكلت موضوعاً هاماً خلال زيارة مودي، حيث أن الرئيس شي جين بينغ، كان قد اقترح أن يجري الطرفان تعاوناً تحت أطر مثل مبادرة “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الـ٢١”، وهو ما يدل على أولوية تعزيز التكامل الإقتصادي والترابط الإقليميين.

–         إن الموقع الجغرافي المتميز للهند هو السبب الحقيقي لإنفتاح الصين عليها، كما أنه يحمل أهمية كبيرة بالنسبة لهذه المبادرة أي، “الحزام والطريق”، ويجعل من الهند شريكاً تعاونياً طبيعياً وهاماً للصين في دفع تنفيذ مبادرة “الحزام والطريق” التي تهدف إلى تحقيق تعاون إقتصادي مفتوح وشامل يعود بالفائدة على الجميع. مما قد يدفع الهند لتكون دولة على مستوى العالم وليس المنطقة فقط.

–         لا يمكن تجاهل ما تعتبره أمريكا، وهو أن الهند سوق واسعة وقوة مضادة محتملة للتواجد الصيني القوي في آسيا. وهذا ما أكدته زيارة الرئيس الأمريكي مطلع العام الجاري للهند حيث حاول تمتين علاقته بالأخيرة، من أجل رفعها وجعلها مقابل الصين. لكن الواضح أن الطرف الصيني قد يكون الأقوى في علاقته بالجار الهندي، بسبب عدم وجود ثقة قوية بين الهند وأمريكا، سببها الموقف الأمريكي من باكستان، وهو ما تود الهند أن تراه بشكلٍ أوضح.

لا شك أن الصين استطاعت جذب الطرف الهندي لأسبابٍ قد تكون أقوى من تلك التي تملكها أمريكا. فالهند تدرك جيداً أن تسوية أمورها مع جارها أفضل بكثيرٍ من القبول بأمريكا كحاضنٍ، وهي الدولة التي لا تعرف غير مصالحها. الى جانب أن المصلحة الهندية الصينية، تتساوى في الربح والخسارة. بينما المصلحة الأمريكية مع الهند، لا تتعدى سوى كون أمريكا تريد استخدامها، كورقة ضد الصين. وهو ما تعرفه الهند جيداً. فهل ستكون العلاقات الهندية الصينية، ضربةً أخرى لمحاولات بسط النفوذ الامريكية في المنطقة؟

 

 

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق