العدوان السعودي علي اليمن: من إخفاقٍ في القرار الي إخفاقٍ في النتائج
إن تقييم الإنجازات والإخفاقات يعتبر من الأمور المهمة فيما يتعلق بتقييم مسار الصراعات. ولعل العدوان السعودي على اليمن هو من الأمور التي يجب تقييمها بموضوعية، لما شكله العدوان من خلطٍ للأوراق على الساحة الإقليمية والدولية. وإن كان الجميع متفقٍ على أن هذا العدوان لم يأتي للسعودية إلا بالويلات. فكيف يمكن تقييم الحرب السعودية على اليمن؟
يمكن القول أن حرب اليمن شكلت نموذجاً جديداً للحرب التي تُخاض دون تحقيق أهداف تذكر. ولعل هذا الوصف الذي أطلقه العديد من المحللين، بغض النظر عن توجهاتهم المؤيدة أو المعارضة للحرب، يتفق ويُذكِّر بالوصف الذي طالما كان يُطلق على العدوان الإسرائيلي على لبنان وفلسطين. فالحرب دائماً ما تكون نتيجيةً أو ردة فعلٍ يهدف الطرف الذي يقوم بها، الى تحقيق أهداف معينة إقتنع انه لن يصل إليها إلا بالعمل العسكري. وهكذا يمكن توصيف السبب الأساسي لقيام أي دولةٍ بالحرب. لكن المراقب للعدوان السعودي يدرك تماماً أن الحرب لم تغير أياً من الأوضاع التي كانت موجودة قبل الحرب، بل زادت الأمور تعقيداً وسوءاً. مما يعني أن الفشل هو العنوان الطاغي على نتائج العدوان السعودي. فأين فشلت السعودية؟
للحديث عن الفشل السعودي، يجب ذكر الأحداث بموضوعية. فالأمر يخرج من دائرة الإدلاء بالآراء، ليتعداه الى ذكر الحقائق. فالسعودية فشلت على أكثر من صعيد، ويمكن تأكيد ذلك من خلال متابعة الأخبار ورؤية الأحداث الجارية. ولعل آخر أنواع الفشل كانت الفشل المعلوماتي أو الإستخباراتي الذي أثبتته حركة أنصار الله، عندما أعلنت انها ألقت القبض على ١٥ عنصراً بينهم سودانيين منتسبين الى جهاز الإستخبارات السعودي قرب ميناء الحديدة في اليمن . فقد قال القيادي في الحركة حميد طارق العدناني أن هؤلاء “المرتزقة” الإرهابيين بحسب تعبيره، جاءوا الى ميناء الحديدة لتنفيذ عمليات أرهابية ضد سفينة المساعدات الإيرانية وإطلاق الصواريخ عليها، مشيراً الى أن الحركة عثرت على هؤلاء “الإرهابيين” الذين كانوا يحملون صواريخ وسلاحاً متطوراً لتنفيذ عمليات إرهابية . وبغض النظر عن إدعاءات حركة أنصار الله فإن مجرد القبض عليهم، يعتبر إنجازاً لهذه الحركة، وفشلاً ذريعاً للسعودية معلوماتياً.
لكن الفشل الإستخباراتي لم يكن الفشل الأول، بل جاء بعد عدة إخفاقات سعودية، تتعلق بالمنحى السياسي أيضاً. فالسعودية التي أقامت الحرب لإعادة عبد ربه منصور هادي للحكم، لم تستطع حتى الآن إعادته لليمن. ولعل الإخفاق السياسي يتخذ الكثير من الأوجه. فقد فشلت السعودية سياسياً من خلال إعلانها وقف إطلاق النار وعدم تنفيذه، مما يعني أنها أخفقت في المنحى المتعلق بمصداقيتها السياسية على الصعيد الدولي. ولعل أبرز ما يؤكد مؤخراً هذا الفشل هو عقد مؤتمر الرياض الذي لم ينادي بأي شيءٍ جديد، وإنما رسخ حالة الضعف السعودية خصوصاً والخليجية عموماً.
فقد توالت ردود الأفعال السياسية اليمنية المستاءة من السياسة السعودية. حيث أكد تكتل الأحزاب والتنظيمات السياسية اليمنية الرافضة للعدوان السعودي رفضه لمؤتمر الرياض وشدد على أن مؤتمر الرياض الذي يضم مرتزقة وعملاء على حد وصفه، لا يمت بأي صلة للشعب اليمني، مؤكدا رفضه لأي حوار يكون بإشراف الدول المشاركة في العدوان على اليمن داعياً الى وحدة الصف الوطني لإطلاق حوار يرتكز على مخرجات الحوار الوطني الشامل وعلى وثيقة السلم والشراكة والبدء بالحوار في اليمن أو في جنيف. هذا المؤتمر الذي قامت السعودية بصناعة قراراته وجعلت المجتمعين الذين شرتهم بالمال بحسب المراقبين، يتبنون هكذا قرارات جاء بعدما دخلت نفقًا مظلمًا يصعب الخروج منه وهو ما أفقد الرياض توازنها وعلى إثر كل ما سبق أخذت السعودية تبحث عن مخرج من أزمتها، أو على الأقل عن تغطية وترقيع هذا الفشل، وهو ما جعلها تصطنع أزمات أخرى حتى تكسب السعودية بعض الوقت في البحث عن مخرج للأزمة وهو ما جعل الرياض تحاول التعتيم على هذا السخط والغضب الشعبي الواسع بالتضليل الإعلامي وتزييف الحقائق عن طريق طرح أن ما يسمى “عاصفة الحزم” قد حققت أهدافها كاملة ولكن الحقيقة أن هذا العدوان ساهم في قتل وتشريد الشعب اليمني وليس إنقاذه كما تتدعي وهو ما يدخل في خانة الفشل في السياسة الخارجية، والمنحى الإنساني أيضاً.
ثم بعد ذلك يمكن الحديث عن الفشل الذريع الواضح المعالم، والمتمثل بالفشل العسكري والذي يمكن وصفه بعدم قدرة السعودية من خلال حربها تغيير أي ٍ من الواقع التي سعت له، أو القضاء على حركة أنصار الله، أو إطفاء الحراك الشعبي لليمنيين. بل حتى إن السعودية عجزت عن القيام بأي عملٍ بري، بل إنها وبحسب المعطيات، لم تستطع صد هجمات العديد من العشائر الحدودية.
إذاً لم تعد المسألة تتعلق برؤية المستقبل ومحاولة التنبؤ به. إنها مسألة تحليل الحقائق الحاصلة والتي دخلت التاريخ السياسي المعاصر للشعوب. فقد كانت الحرب اليمنية، مثالاً للشعب القوي القادر على الصمود، في وجه جارٍ عمل على إستقصائه بلقمة العيش لسنين طويلة، حتى قرر إستخدام القوة وسفك الدماء. ولعل الحقيقة الأهم التي يعرفها الجميع هي أن، التاريخ سجَّل كل شيء، ومن يراجع التاريخ غداً سيجد أين يقع الشعب اليمني، وكيف وصف التاريخ اليمنيين بالأعزاء، فيما ارتقت السعودية وكل من ساهم في حربها، من مستوى المتخاذلين الى مستوى الأذلاء. وعلى كل حال، فالتاريخ يبقى هو الفيصل.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق