التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

قراءة تحليلية لحقيقة الطموح النووي الأمريكي وعلاقته بأمنها القومي 

في وقتٍ ينشغل فيه العالم اليوم بالحديث عن سعي أمريكا لتوقيع إتفاقٍ مع إيران من أجل برنامجها النووي، يجري الحديث عن حقيقة التوجهات الأمريكية بشأن ملف التسلح النووي. فالعديد من المراقبين يتساءلون عن سبب السعي الامريكي لفرض شروطٍ  على إيران فيما يخص برنامجها النووي، في وقتٍ لا يحاسب فيه أحدٌ أمريكا على برنامجها بشأن مسألة توسع الإنتشار النووي لها في أوروبا، بينما تؤكد إيران أن أهدافها النووية سلمية ولا تتعدى حاجة الإستفادة القومية منها. فماذا في إنتهاك أمريكا لمعاهدة إنتشار الأسلحة النووية؟ وكيف يمكن مقاربة هذا الملف على أكثر من صعيد؟

لا يشك احدٌ بأن من ضمن أهداف الدول الكبرى دوماً، إمتلاك السلاح الذي يعطيها وزناً إسترتيجياً وقدرة على فرض النفوذ. ويدخل السلاح النووي ضمن هذا النوع من الأسلحة، على الرغم من مخاطره في حال إستُخدم بطريقة مشبوهة. ولعل معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية هي المعاهدة التي هدفت لتنظيم أو الحد من هذا الموضوع. لذلك خرج مؤخراً والى الواجهة من جديد، الحديث عن خرق أمريكا لهذه المعاهدة، ولعل الطرف الأكثر اهتماماً لما يعنيه النفوذ الأمريكي بالنسبة له، هو روسيا، القطب الند لأمريكا. فقد أعلن المتحدث الرسمي باسم الخارجية الروسية، ألكسندر لوكاشيفيتش، الثلاثاء المنصرم، أن ممارسة واشنطن لعملية نشر الأسلحة النووية في أوروبا، تعدّ مخالفة مباشرة لروح ونصّ معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. كلام لوكاشيفيتش جاء في سياق رده على وزارة الخارجية الامريكية التي إتهمها بتشويه الحقائق وبمحاولة السيطرة على أوروبا. مشيراً الى أن للمشكلة، حلٌ واحدٌ فقط، وهو عودة جميع الأسلحة النووية غير الإستراتيجية إلى الأراضي الوطنية لها، وفرض حظرٍ على وضعها في الخارج، والقضاء على البنية التحتية التي تؤمن الإنتشار السريع لهذه الأسلحة، فضلاً عن رفض تنفيذ أية تدريباتٍ قد ترتبط بإعداد واستخدام الأسلحة النووية، من قبل القوات المسلحة للدول غير النووية، والتي لا تمتلك مثل هذا النوع من الأسلحة. وهنا يأتي السؤال الأهم: ما حقيقة ما يجري فيما يخص التسليح النووي وماذا فيما يخص أمريكا بالتحديد؟ 

من المتوقع وبحسب المراقبين للشأن النووي في العالم، أن تنفق أمريكا بالتحديد ٣٥٥ مليار دولار لتحديث ترسانتها النووية خلال الفترة ما بين ٢٠١٤ و ٢٠٢٣. ومن المتصّور أن يتم إنفاق مبالغ أكبر في العقود اللاحقة. لكن واشنطن ليست وحدها كما يقول المراقبون، مهتمة فيما يتعلق بتحديث أسلحتها النووية. فوفقاً لباحثين في اتحاد العلماء الأمريكيين، فإن “جميع الدول المسلحة نووياً لديها برامج طموحة لتحديث أسلحتها النووية والتي يبدو أنها تهدف إلى إطالة العصر النووي لأجل غير مسمى”. وبينما يؤمن دعاة نزع السلاح بأن هذا الحديث يتعارض مع الهدف الرامي إلى القضاء على الأسلحة النووية، فإن الدول الحائزة للأسلحة النووية مقتنعة بأنه ما دامت توجد أسلحة نووية، فلا بد من تحديث هذه الترسانات من أجل الحفاظ على سلامتها وأمنها وفعاليتها. إذاً كيف ينبغي أن تتصرف الدول المسلحة نووياً إزاء صيانة وتحديث ترساناتها، في عالم أصبح فيه نزع السلاح الكامل هو الهدف المعلن لكل الدول تقريباً، بينما لا يبدو تحقيق نزع السلاح وشيكا على الإطلاق؟

أما فيما يخص أمريكا ومن خلال تحليل الأحداث، يمكننا القول إزاء خيارات واشنطن المتعلقة بوضعها النووي، أنها ستقوم خلال العقد المقبل وما بعده، بتحديث ضروري لقدراتها النووية المتقادمة، حيث تتمتع هذه الخطط بدعم قوي داخلي من كلا الحزبين الأمريكيين. إلا أن بعض النقاد يجادلون بأن مشروع التحديث يتعارض مع أهداف نزع السلاح المعلنة، بما في ذلك رؤية الرئيس أوباما بشأن تحقيق “عالم خالٍ من الأسلحة النووية”. 

والحقيقة تقول أن هذه الإدعاءات باطلة أمريكياً على الصعيد العملي وبالتحديد منذ انتهاء الحرب الباردة والتي تم الرهان على أنها ستضع نهاية لتاريخ الصراعات. ففي الوقت الذي تتنافس فيه امريكا وروسيا على استخدام القوة لإعادة رسم خريطة أوروبا، تتمسك الصين بمطالبها الإقليمية المعدّلة في شرق آسيا. وهذا هو الواقع الذي يمكن توصيفه. لذلك يجري الحديث اليوم بين المراقبيين عن كثب للتصرفات الأمريكية، بحيث يدرك هؤلاء أن ما تقوم به امريكا من زيادة للإنتشار النووي هو مقصود، لما له من أثر على أمنها القومي  والنظام السياسي الدولي. فأمريكا تؤمن أنها في حال تراجعت قوتها النووية، فسوف يشجع ذلك أعداءها ويخيف حلفاءها وبالتالي يخلق حالة من عدم الاستقرارالدولي وبالنتيجية يضعف الأمن القومي الأمريكي. لذلك تسعى واشنطن لبناء قواتها النووية التي تحتاجها في ظل هذا الواقع السياسي الموجود. وبالتالي فيجب عليها الحفاظ على وضع نووي قوي وتحديث قواتها النووية بشكل كامل، على النحو المخطط له. مما يعني رفع مستوى جميع الركائز الثلاثة للثالوث النووي وتجديد الرؤوس الحربية النووية وتحديث مجمع الإنتاج، ولا مشكلة في حال لزم الأمر، بإستدعاء الإرادة السياسية لبناء قدرات جديدة لتلبية الإحتياجات الجديدة. وكما قال وزير الدفاع الأمريكي السابق تشاك هاجل: “رادعنا النووي يلعب دورا حاسماً في ضمان الأمن القومي الأمريكي، وهو المهمة الأولوية (لوزارة الدفاع). فليس لدينا قدرة أخرى أكثر أهمية”.

إذاً يتبين مدى كذب الإدعاءات الأمريكية في شأن حظر انتشار الأسلحة النووية. وهنا يمكن القول أن عملية فهم أسباب السعي الأمريكي لإنتزاع السلاح النووي من طهرن، لم تعد ضمن خانة حظر انتشار السلاح. فالسعي الأمريكي لزيادة التسلح النووي في أوروبا يدحض ذلك. ليتبين أن السبب الحقيقي لمحاولة فرض شروطٍ على إيران، هو أن إيران غير نووية أثبتت منذ زمنٍ وحتى اليوم قدرة على السيطرة والتعاظم، فكيف إذا أصبحت إيران نووية بكل ما تشكله الكلمة من معنى؟

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق