التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

«الحشد الشعبي» مهمة وطنية 

الحشد الشعبي توجه الى محافظة الانبار، وبدأ بتجميع قواته بالقرب من مدينة الرمادي، مركز المدينة، حيث قاعدة الحبانية العسكرية القديمة التابعة للجيش العراقي، والتي لا تبعد سوى (30) كيلومترا تقريبا عنها، وكانت البداية مع 3000 عنصر من مختلف الفصائل والحركات الشيعية الشريفة المقاتلة، التي تشكل بعضها بعد دعوة المرجعية الدينية في النجف بضرورة مقاتلة تنظيم «داعش» والتصدي لتمدده في العراق، إضافة الى اقترابه من محيط بغداد الأمني وتهديده لمناطق الوسط والجنوب (خصوصا مدينتي النجف وكربلاء المقدستين لدى مئات الملايين من المسلمين)، نتيجة للتداعيات الأمنية التي وقعت بعد التاسع من حزيران الماضي، وقد تحول مصطلح «الحشد الشعبي»، من مجرد إشارة الى افراد ومجاميع غير منظمين او تابعين لجهة بعينها يحاولون الدفاع عن بلادهم ومقدساتهم الدينية، الى مصطلح واسع المعاني له العديد من الدلالات والابعاد السياسية والدينية والأمنية المؤثرة على مستقبل العراق والمنطقة أيضا.لعل هناك العديد من الحاجات والأسباب التي اوجدت «الحشد الشعبي» في العراق، لكن الأبرز منها هو غياب وجود «الجيش العراقي»، الذي يمكن ان يؤشر منذ عام 2003 وحتى وقت انهياره في الموصل، والتي اعتبرها البعض بانها كانت تحصيلا للحاصل، على الرغم من تبني القوات الامريكية مهمة تدريبه وتجهيزه للقتال، في فاتورة قدرها البنتاغون بـ(25) مليار دولار امريكي طوال سنوات عدة ، وما يعاب على الجيش العراقي ليس شجاعة أبنائه المقاتلين، بل استشراء الفساد بين أركانه العسكرية وكبار الضباط، إضافة الى غياب «العقيدة العسكرية» الواضحة التي يؤمن بها الجيش، مع تفشي ظاهرة الطائفية والخلافات السياسية التي انعكست على أدائه في الظروف الحرجة التي يحتاج فيها البلد الى جيش قوي ومتمكن.الحشد الشعبي تمكن بوقت قياسي من تحرير عشرات المدن والمناطق من يد تنظيم داعش الارهابي، معلنا نجاحه حتى في بعض المدن ذات الوضع «الجيوستراتيجي» في «امرلي» و»جرف الصخر» ومناطق «حزام بغداد» و»سامراء» و»بلد» و»الدجيل» ومحافظة «ديالى» و»جبال حمرين»، واستمر بالتقدم نحو المناطق ذات الغالبية السنية، رغم المخاوف من اندلاع مشاحنات او مواجهات طائفية، قد تنتهي بحمام دم كبير، على حد وصف الكثير من المراقبين لمجريات وتطورات الاحداث، وقد كانت التجربة الأولى الناجحة «تكريت» التابعة لمحافظة «صلاح الدين»، حيث الوجود القوى لتنظيم «داعش» ومن قبلة تنظيم «القاعدة»، والتي كلفت القوات الامريكية والجيش العراقي سابقا الكثير من الخسائر، في حين تمكنت الفصائل والمقاتلين الشيعة الدخول الى كامل المدينة في وقت قياسي، على الرغم من توقف الحملة العسكرية هناك لعدة أسابيع نتيجة للموقف الأمريكي ومواقف بعض السياسيين والانقسام الحاصل حول دور ومستقبل قوات «الحشد الشعبي» في تحرير باقي مدن العراق.أصوات عديدة رفضت قبول «الحشد الشعبي» كقوة وطنية يمكن الاعتماد عليها في تحرير المدن التي استباحها تنظيم داعش، والغريب ان البدائل عن تحرير هذه المدن هي «صفر»، بمعنى اخر ان الحشد الشعبي هو الخيار الوحيد المتاح حاليا لمساعدة القوات الأمنية العراقية (الجيش والشرطة)، لاستعادة هذه المدن، وقد جرب المعارضون البحث عن خيارات أخرى في مدينة الرمادي، ما ادى الى سقوطها بلمح البصر، من دون ان يشاهد أحد أي تصدي من قبل القوات الأمنية التابعة للمدينة لعناصر داعش، حيث انتشرت العديد من الفيديوهات التي صورت الهروب الجماعي فقط، وبالتالي طلب مجلس المحافظة وشيوخ العشائر ورجال دين من رئيس الوزراء العراقي «حيدر العبادي»، اشراك قوات «الحشد الشعبي» في تحرير مدينة الرمادي وكامل أراضي المحافظة من سيطرة داعش.ان الانقسام بين المؤيدين لمشاركة «الحشد الشعبي» والمعارضين له، لا تقتصر في حدود داخل العراق فحسب، بل تتعداه الى عدة عواصم إقليمية ودولية مؤثرة في الاحداث العراقية، ويمكن معرفة أبرز المخاوف غير المعلنة، داخليا وخارجيا، والتي ادت الى خروج هذه الأصوات ضد الحشد الشعبي منها:

– فشل قادة «الكتل السنية» المشاركة في العملية السياسية من طرح بدائل ناجحة، او توحيد الجهود لطرد التنظيم من الأراضي التي سيطر عليها، وخصوصا في المناطق ذات الكثافة السنية، وبالتالي فان اعتمادهم على مقاتلين وفصائل أخرى يعد إقرارا ضمنيا منهم بالفشل في هذه المهمة.

– دور إقليمي حول «الحشد الشعبي» الى قوات تابعة لإيران، واعتبرها فصيلا اخر من فصائل «الحرس الثوري.

– قوات «البشمركة» الكردية لها مخاوفها من تنامي قوة «الحشد الشعبي»، وحدثت مؤخرا بعض الاحتكاكات الكلامية بين الطرفين في المناطق التي سيطرت عليها البشمركة في كركوك والموصل، ويبدو ان قوات البشمركة التي تعد نفسها الأفضل قتاليا (مع وجود جيش ضعيف)، لا ترغب بوجود قوات أخرى الى جانبها قد تهدد حلم الانفصال عن المركز.

– رغبة إدارة الرئيس الأمريكي «أوباما» بمشاركة «الحشد الشعبي» في تحرير مناطق العراق من داعش، وشرطها الوحيد في ذلك ان تكون هذه القوات خاضعة بالكامل لإدارة وسيطرة الحكومة المركزية، الا ان أطرافا أخرى داخل الولايات المتحدة الامريكية ليس لها نفس الهدف، وتخشى من تنامي قوة «الحشد الشعبي» وتأثيرها المستقبلي على مجريات الاحداث في العراق والمنطقة، بالأخص وهي تنظر لمستقبل حلفائها الممتعضين من هذه القوات.

اعتقد ان أفضل الحلول في الوقت الراهن هو التعامل بـنوايا «وطنية» مع «الحشد الشعبي»، بعيدا عن الخفايا السياسية وحسابات الربح والخسارة والمصالح الضيقة، وبما ان الحل الوحيد المتاح حاليا هو دخول «الحشد الشعبي» الى تلك المدن لدعم القوات الأمنية العراقية، فينبغي الذهاب وراء هذا الخيار ودعمه بدلا من اعتراضه او التشكيك فيه، على الأقل لحين ان تنجلي غبرة المعارك مع تنظيم «داعش» التكفيري الذي بات يهدد الجميع.

المصدر / المراقب العراقي

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق