التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, ديسمبر 26, 2024

يد نصرالله لعرسال.. و”القبضة” لجرودها 

ازدحم خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في العيد الـ 15 للمقاومة والتحرير، بالرسائل التي توزعت في اتجاه التكفيريين والعدو الإسرائيلي والعرب و«تيار المستقبل» وجمهور المقاومة وأهالي عرسال.

 

ما بين 25 أيار 2000 و25 أيار 2015، أصبح للعدو الإسرائيلي الأصلي وجه آخر، وامتدت الجبهة من الحدود مع فلسطين المحتلة الى كل مكان يتواجد فيه «الحليف الموضوعي» لـ”إسرائيل” متمثلاً في «داعش» و «النصرة».

وعلى سعة هذه الجبهة العابرة للحدود، أتى خطاب نصرالله الذي استند في كل مفاصله الى روح معنوية مرتفعة، أراد السيد أن يضخها، ليس فقط في البيئة الشعبية الحاضنة لـ «حزب الله»، وإنما في كل ساحة عربية تخوض المواجهة مع الارهاب التكفيري، من سوريا الى اليمن مروراً بكل الدول المهددة والمستهدفة.

وبرغم كل المخاطر الوجودية المحدقة، أبدى نصرالله ثقة تامة في القدرة على مواجهتها وإزالتها، ولعله اختصر هذه الثقة بتأكيده «أن الدنيا بألف خير، ولا حاجة الآن الى التعبئة العامة».

ليس خافياً، أن ما تسرب الى الاعلام حول نية السيد الدعوة الى التعبئة العامة لمقاتلة القوى التكفيرية أحدث نوعاً من القلق في أوساط بعض الجمهور اللبناني الذي استشعر أن التهديد تفاقم الى حد يتجاوز إمكانيات المقاتلين المحترفين في الحزب، لا سيما أن التعبئة تعني ان كل من هو قادر على حمل السلاح سيكون معنياً بالقتال.

بابتسامة صغيرة، احتوى نصرالله هذا الهاجس، مؤكداً أن الحزب يستطيع بقدراته الحالية إدارة معركة قائمة مع الإرهاب وأخرى محتملة مع “اسرائيل”، محتفظاً في الوقت ذاته ضمن الاحتياط الإستراتيجي بـ «ورقة» التعبئة القابلة للاستخدام إذا لزم الامر، وعندها سينزل «عشرات الآلاف من الرجال الرجال الى الميادين».

وإذا كان نصرالله قد أبدى صلابة في مواجهة الخطر التكفيري، فإنه مدّ في المقابل يد الأخوّة الى أهالي عرسال، مفككاً بذلك لغم الفتنة المذهبية الذي زرعه خطاب بعض الأطراف الداخلية على الطريق بين عرسال ومحيطها الشيعي.

كان السيد حازماً في تأكيد حرص الحزب على أمن عرسال وسلامة أهلها، واضعاً بذلك حداً قاطعاً لمحاولات الاستثمار المذهبي في هذا الملف، ومطالباً الدولة بتحمل مسؤوليتها في تحرير البلدة من احتلال المجموعات المسلحة، وفق التوصيف الذي كان قد استخدمه وزير الداخلية نهاد المشنوق.

لكن نصرالله بدا واضحاً كذلك في التمييز بين خصوصية عرسال البلدة، والوضع السائب في جرودها الخاضعة لسيطرة عناصر الجماعات التكفيرية. هنا، لم يترك الأمين العام أي مجال للتأويل او الاجتهاد، حين أعلن بصراحة انه في حال امتناع الدولة عن تأدية دورها فإن أهالي بعلبك – الهرمل لن يقبلوا ببقاء ارهابي او تكفيري واحد في اي من جرود البقاع.

أوحى نصرالله بأن قرار حسم الموقف الميداني في جرود عرسال قد اتخذ، أما تنفيذه من عدمه فيتوقف على طبيعة الخيار النهائي للحكومة والكيفية التي ستتعامل بها مع هذا التحدي للسيادة والاستقلال.

تغيير في «قواعد الاشتباك»

وأبعد من جرود القلمون وعرسال، كسر نصرالله «قواعد الاشتباك» التي يحاول الخصوم تكريسها، ويروج لها بعض الشركاء في الوطن عن سوء نية أو حسنها. واجه نصرالله «الأخطاء الشائعة» في الصراع، مشيراً الى ضرورة كسر الحواجز والحدود المفتعلة بين جبهات الحرب مع العدو التكفيري المشترك، وكاشفاً عن أن الحزب لم يعد متواجداً فقط في نقاط محدودة داخل سوريا وإنما تمدد في اتجاهات عدة من دمشق الى الحسكة ودير الزور وإدلب وحلب.

يعكس هذا التمدد الجغرافي للحزب في الميدان، تحوله من رافد مساعد الى شريك كامل في الحرب التي تدور على الارض السورية، الأمر الذي من شأنه ان يترك آثاراً لاحقة على موازين القوى العسكرية التي اختلت مؤخراً مع تقدم «داعش» على الارض وصولاً الى مدينة تدمر.

ولئن كان البعض يعتبر ان معادلة «الجيش والمقاومة والشعب» أصبحت من الماضي، فإن السيد لم يكتف بالتشديد على انها لا تزال حية ترزق، بل أشار الى انه جرى تصدير هذه المعادلة الذهبية التي صُنعت في لبنان الى سوريا والعراق واليمن، انطلاقاً من كونها اثبتت بالتجربة أنها تشكل ضمانة للانتصار.

وانطوى الخطاب على هوية عربية، كانت حاضرة في سطوره التي اتسعت لسوريا وليبيا والاردن ومصر والعراق والبحرين والسعودية واليمن وفلسطين، فيما كان ملاحظاً ان المساحة المخصصة لإيران بدت متواضعة هذه المرة.

وكان لافتاً للانتباه، ان نصرالله خاطب السعودية بلغة هادئة، خلافاً للخطابات السابقة، داعياً إياها الى وقف العدوان على اليمن وتسهيل الحوار اليمني الداخلي والحل السياسي، «لأن داعش أصبحت في حضن الجميع وعلى أبواب الجميع»، في إشارة ضمنية الى الاعتداء الانتحاري الذي طال أحد المساجد في القطيف.

وإزاء الحرب الوجودية المفروضة، دفع نصرالله في اتجاه تغليب أولوية مواجهة الارهاب على أي اعتبار آخر في هذا المرحلة: «في معارك الوجود تؤجل المعارك الأخرى، المصالح والامتيازات والإصلاحات والديموقراطية، وفي كل دول العالم لمّا يقع الخطر الوجودي، تسكت المعارضة عن الحكومة بل تتعاون معها وقد تساندها في خياراتها». كأن السيد، بهذا الكلام، ينصح ضمناً العماد ميشال عون بعدم الذهاب بعيداً في الاشتباك السياسي مع خصومه حول الملفات المحلية، على أهميتها.

وركز نصرالله على تصحيح مفاهيم الصراع مع التكفيريين فأخرجه من العباءة المذهبية التي يحاول البعض حشره فيها، بغية تصويره صراعا سنيا – شيعيا، موحيا بأن المواجهة هي حضارية لأنها تدور بين مشروع ظلامي إلغائي و «الآخر» أيا كان انتماؤه.

وإذا كانت المواجهة مع «داعش» و»النصرة» قد استحوذت على حيز واسع من الكلام، فإن السيد قطع الطريق على أي سوء تقديراو تفسير لهذة السمة في خطاب عيد المقاومة والتحرير، بتشديده على ان جبهتي الصراع مع اسرائيل والتكفيريين تتكاملان.

ثم طمأن القلقين من احتمال انكشاف الجبهة الجنوبية بقوله: نحن لا نخلي، بل نواصل العمل، نتابع في المعلومات والإحاطة، نواكب كل حركات العدو وخططه، نحافظ على جهوزيتنا، ولا تشغلنا الهموم الأخرى مهما تعاظمت. كل سكنات العدو الصهيوني ونياته هي في دائرة إحاطتنا ومتابعتنا، والمقاومة في أعلى جهوزيتها، وأن العدو يعرف ما أقوله أكثر مما يعرف اللبنانيون، ولذلك هو يخشاه ويحسب له كل حساب.

وبرغم ان نصرالله حذر من ان «تيار المستقبل» سيكون في طليعة ضحايا «النصرة» و «داعش» في لبنان، إذا انتصر مشروعهما، فإن الرئيس سعد الحريري اصدر بياناً، رد فيه على الأمين العام لـ «حزب الله» بلهجة شديدة، تعكس الافتراق العميق بين طرفي حوار عين التنية حول توصيف المخاطر التي تهدد لبنان وتحديد الخيارات المناسبة لمواجهتها.

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق