أمريكا “ليست مع الارهاب!” فهل هي ضده؟
الشعارات الأمريكة في محاربة الارهاب والتي أطلقها الرئيس الامريكي الاسبق عقب هجمات١١ ايلول ٢٠٠١ لم تغير مسار المنطقة ولم تضعف الارهاب، فرغم احتلال امريكا لأفغانستان بذريعة القضاء على تنظيم القاعدة لم تتمكن امريكا من القضاء على الارهاب رغم مقتل اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة عام ٢٠١١ حسب ما زعمت أمريكا، بل على العكس فالارهاب بدأ بالانتشار الى مناطق ودول أخرى وظهرت تنظيمات جديدة كتنظيم داعش الارهابي المتواجد في سوريا والعراق. فهل امريكا تحارب فعلاً الارهاب أم أنها تدعمه؟
الاجابة على هذا السؤال تحتاج الى دراسة وجيزة لمجريات الأحداث في المنطقة وخاصة سوريا والعراق حيث يتواجد تنظيم داعش المصنف كتنظيم ارهابي، اضافةً الى دراسة المواقف الأمريكية من هذا التنظيم والتنظيمات المماثلة له.
أولا- مجريات الأحداث في سوريا والعراق:
نلاحظ أن العراق منذ عام ٢٠٠٣ حيث دخلت القوات الأمريكية اليه الى يومنا هذا لم يشهد حالة استقرار وثبات، فكان يواجه مشاكل أمنية متعددة كان آخرها دخول تنظيم داعش الارهابي الى الموصل العام الفائت ومن ثم انتشاره في بعض المناطق الاخرى والتي كانت الرمادي آخرها، أما في سوريا فاضافة الى تنظيم داعش تنتشر مجموعات مسلحة كثيرة ظهرت مع بدء الأزمة السورية وتتفق هذه التنظيمات من حيث الايديولوجيا والسياسة مع تنظيم داعش الارهابي رغم اختلافها عنه بالتسمية ورغم المزاعم الأمريكية باعتدال بعضها.
ثانياً-المواقف الأمريكية:
تتسم المواقف الأمريكية تجاه تنظيم داعش الارهابي في سوريا والعراق بالغموض والتناقض، فتأكيد أوباما على أن “النزاع في سوريا لن يحل قبل رحيله عن البيت الأبيض مطلع ٢٠١٧” يشكل ضمانة أمريكية للمجموعات المسلحة في المنطقة بأن الفوضى التي تشكل القاعدة الأساسية لتفشي الفكر المتطرف والارهابي لن تنتهي قريبا، وهذا ما أزال بعضاً من الاحباط الذي تواجهه الجماعات التكفيرية مما شجعها على التقدم في الرمادي العراقية وتدمر في حمص وسط سوريا.
أضف الى ذلك أن امريكا خصصت ٦٠٠ مليون دولار لتدريب وتجهيز من تسميهم بالمعارضة السورية المعتدلة وذلك وفق قانون عُرض على مجلس النواب الأمريكي طرحه عضو لجنة القوات المسلحة ماك ثورنبيري، وهذا يعيد الذاكرة الى بدايات الأزمة السورية حيث كانت امريكا تدرب وتجهز تنظيم جبهة النصرة الارهابي على اعتبار انه معتدل. ويشير هذا القانون الى تناقض في السياسة الأمريكية، فأمريكا تقر بأنها تجهز وتدرب جماعات مسلحة في سوريا رغم أن أوباما أكد في تصريح له أن الحرب في سوريا حرب أهلية لا شأن لأمريكا بها، كذلك فإن التناقض الأمريكي يظهر في تأكيد جاش ارنست الناطق باسم البيت الأبيض بأن أمريكا لن تفعل شيئاً لتحرير الأراضي العراقية من تنظيم داعش ورغم هذا دخل طيران التحالف بقيادة أمريكا لمجابهة هذا التنظيم في سوريا والعراق رغم رفض سوريا وأطياف عراقية له، أضف الى ذلك أن طيران التحالف يقصف تنظيم داعش الارهابي مرة ويرمي لها السلاح مرات.
ما سر التناقض الأمريكي هذا؟
التناقض في السياسة الامريكية يمثل جوهر دبلوماسية أمريكا والتي تسعى من خلالها الى تأجيج الحروب في المنطقة والحفاظ على الجمر متقداً فلا تسمح بانكسار طرف وانتصار آخر وذلك لتبقى المنطقة في حالة فوضى مستمرة الى أن تصبح الشعوب العربية منهكة، وعندها تأتي أمريكا بمشروع الشرق الاوسط الجديد الذي رسمته ادارة جورج دبليو بوش والذي يهدف الى اعادة رسم الحدود بين دول المنطقة من جديد ولكن على اساس مذهبي وعرقي هذه المرة، وهذا ما يدفع امريكا الى اتخاذ مواقف متعارضة تجاه ملف الارهاب.
في النهاية يمكن الاستخلاص من هذه الأحداث التي تجري في المنطقة أن اللاعب الأمريكي يعتمد سياسة التناقض في ابداء الرأي واتخاذ المواقف، ويتصف هذا التناقض بأنه على مستويات كبيرة اذ أنه يشمل أحياناً تصريحات للرئيس الأمريكي باراك اوباما ولقادة كبار في البنتاغون، وهذا ما يشير الي أن أمريكا لا تريد محاربة الارهاب بل تدعمه كلما اقترب من الانكسار، فامريكا التي تدعي أنها في الخندق الأول ضد الارهاب، هي المعمل والمصدّر والحامي له.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق