التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 23, 2024

الأزمة السودانية من الاحتلال البريطاني الي الانفصال الجنوبي: حقائق وتحليل 

قد يكون السودان نموذجاً آخر من نماذج الاستغلال الغربي للدول التي تمتلك ثرواتٍ، تُغنيها عن الحاجة للعالم. لكن بلداً ذات موارد كالسودان، كان ومنذ زمنٍ بعيد تحت الاحتلال البريطاني الذي لم تكن أسبابه بعيدة عن سرقة خيرات البلاد، ليتصف اليوم بإقتتالٍ داخليٍ خطير، وبالتحديد جنوباً. وعلى الرغم من أن الأطراف المتقاتلة سودانية الهوى والهوية، إلا أن الدور الأمريكي المحرك للخلافات، هو السبب. فكيف يمكن وصف الوضع الحساس الذي يمر به السودان؟ وما هي الأسباب التاريخية الداخلية الى جانب الأسباب الخارجية؟

أولاً: تطورات جنوب السودان

حذر رئيس جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، من أن العقوبات الدولية المقترحة على بلاده من شأنها جعل الحرب الأهلية الدائرة في البلاد أكثر سوءاً. وتكررت التهديدات بفرض عقوبات على جنوب السودان من قبل مجلس الأمن الدولي والإتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا(إيجاد)، في ظل الإنتقادات التي تلاحق سلفاكير وزعيم المتمردين، نائبه السابق رياك مشار، لفشلهما في إنهاء حرب مستمرة منذ ١٧ شهرا، اتسمت بانتهاكات هائلة لحقوق الإنسان . 

وبعد شهر ونيّف أي في ٩ تموز المقبل، تحتفل دولة جنوب السودان بعيد استقلالها الرابع عن السودان، الذي انفصلت عنه بعد تصويت ٩٨ في المائة من الجنوبيين لصالح الانفصال. وكانت الحرب الجنوبية ـ الجنوبية قد اندلعت منتصف كانون الأول من العام ٢٠١٣، على خلفية اتهام الرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت لنائبه مشار، وقادة “الحركة الشعبية” التاريخية، من بينهم الأمين العام للحركة، باقان أموم، بتدبير محاولة انقلابية ضده . 

ثانياً: قراءة التاريخ وتحليل الأسباب

تختلف الأسباب الحاصلة من داخلية تتعلق بطبيعة المجتمع السوداني، الى أسباب خارجية تتعلق بدور دول الجوار المدعومة من أمريكا ودول غرب أوروبا. وهنا يجب قراءة الوضع السوداني بطريقةٍ متكاملة، أي من خلال الحديث عن السودان ثم الجنوب المنفصل. لذلك يجب كشف التالي : 

– إن المشكلات على الصعيد الجنوبي حالياً هي نتيجة حتمية للخلافات التي ظهرت وسط قيادات الحزب الحاكم قبل الانفصال، والتي دارت حول السلطة وإدارة “الحركة الشعبية”. وتجلّت مظاهرها عبر حلّ سلفاكير الحكومة، التي ضمّت معظم قادة الحركة التاريخية، فضلاً عن مشار نفسه، قبل خمسة أشهر فقط من اندلاع الحرب الأهلية . كما وأقدم سلفاكير على هذه الخطوة الاستباقية بعد بروز طموح وسط تلك القيادات، تحديداً مشار، الذي قدّم نفسه بديلاً لسلفاكير في الإنتخابات. وهنا يأتي السؤال الأهم: ما علاقة الدول الغربية بالأزمة؟

– بعد الانفصال انغمس السودان في أزمة اقتصادية طاحنة، بسبب خروج ايرادات النفط الجنوبي، الذي مثّل ٨٥ في المائة من سلطته. وهذه الإيرادات فقدتها الخزينة السودانية، الأمر الذي نجم عنه انهيار في العملة الوطنية مقابل الدولار، وغرق الخرطوم في أزمة توفير النقد الأجنبي، لتوفير الإحتياجات، لا سيما في ما يتعلق بالدواء. كما ارتفعت الأسعار بصورة مخيفة، الأمر الذي أرهق المواطن السوداني وأدى ذلك إلى تظاهرات ضد ارتفاع أسعار المحروقات في أيلول ٢٠١٣، والتي كادت أن تطيح بالحكومة . 

– واتسعت الأزمة لتصبح حرباً في السودان، عززها ظهور “جنوب جديد” في ولاية جنوب كردفان، والنيل الأزرق، مما أنهك خزينة الدولة، وباتت البلاد أسيرة حالة استقطاب سياسي داخلي حادّ. فضلاً عن ظهور مجموعات متمردة جديدة في دارفور، وبالتالي ارتفاع وتيرة الحروب القبلية . 

– وهنا بسبب فشل قيادة الجنوب السياسية طيلة السنوات الست التي سبقت الانفصال، في تأسيس بنية أساسية لدولة حقيقية، لأنها أمضت السنوات تلك في مناكفات مع الخرطوم، والتي امتدت إلى ما بعد الانفصال، بعد تورّط الدولتين في حرب، جرّاء احتلال الجنوبيين لمنطقة هجليج الغنية بالنفط، والمتنازع عليها بين الطرفين، في العام ٢٠١٢. وأدت الحرب إلى أزمة اقتصادية، أغلقت معها جوبا آبار النفط، والخرطوم أنابيب التصدير. وحينها تدخل الغرب عبر الإتحاد الأوروبي، ونجح في إقناع الطرفين بتوقيع اتفاقيات تعاون في سبتمبر ٢٠١٢.  

لذلك فإن الأسباب الحقيقية لما يجري اليوم تعود لهذا التاريخ المضطرب. لكن ما هي الأسباب التي أدت لنشوء هذه الصراعات؟

– إن غياب التجربة السياسية وقيام المجتمع الجنوبي على أساس قبلي، فضلاً عن تدخّل العوامل الإقليمية والدولية، كلها أدت إلى بروز الصراع الحالي، الذي هو أساساً صراع حول السلطة والثروة. لذلك فإن مصادر الثروة تضاعفت بالبترول والذهب الذي استنزف العائد منه في الصراعات من اجل السلطة وفي متطلبات الحروب من السلاح وتوابعه وأجهزته سواء من اجل الحفاظ على السلطة أو اقتلاعها بالقوة أو لمصالح خاصة أو بانتخابات تفتقر إلي أي أحزاب مؤسسية ديمقراطية وتهيمن عليها الطائفية والعقادية والعسكرية منذ أن ارتفع علم الاستقلال.

– كما أن السبب التاريخي يعود الى أن حكومة الاحتلال البريطاني أسست تاريخياً لأرضية التقسيم من خلال تعاملها مع جنوب السودان كشكل منفصل عن الشمال، وبحثت في عهود ما قبل استقلال السودان (١٩٥٦) عن خيارات عدة، منها فصل الجنوب وضمّه إلى أوغندا، أو إبقائه ضمن السودان، مع منحه حكماً ذاتياً، أو ضمّه إلى السودان كأحد أقاليمه. وتبنّى الاحتلال وقتها سياسات، استثنى معها الجنوب من البرلمان، وهو الأمر الذى أسس لدى السودانيين فكرة تقبل الانقسام، قبل أن يتخلّى عن تلك السياسة مع نهاية الحرب العالمية الثانية في ١٩٤٥ . 

– يضاف الى ذلك أن دول غرب أوروبا بقيادة أمريكا تتحرك ومنذ زمن وفق إستراتيجية واضحة تستهدف تمزيق السودان مدعومة من بعض دول الجوار التي تطمع في الخروج بمكاسب أيضاً. وبالتحديد إثيوبيا ويوغندا وكينيا وارتريا التي تحالفت مع أمريكا تحالفاً مكشوفاً هدفه إقصاء السودان ودول الجوار وعلى رأسها مصر.

أصبح الوضع القائم أرضيةً مهيأة لتدخل الغرب لحل النزاعات، وهو الذي سعى لذلك دوماً عبر تغذية الأطراف المتناحرة، وتعتبر اليوم محاولة فرض العقوبات أمراً يأتي في هذا السياق. ولعل الخطير هو عدم القدرة على الرهان، على الأطراف السودانية، التي لا تمتلك مقومات بناء مؤسسات سياسية.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق