منظمة “أيباك” الصهيونية ودورها في صنع القرار الأمريكي (١)
تُعتبر منظمة “أيباك” الصهيونية أبرز مجموعات الضغط “اللوبيات” في أمريكا، والتي تعمل لدعم الكيان الاسرائيلي وضمان بقائه قوياً في وجه كافة المخاطر التي تهدده. تأسست هذه المنظمة على يد اليهودي الأمريكي “سي كِنن” في عام ١٩٥١ في عهد الرئيس الأمريكي “دوايت أيزنهاور” تحت اسم “اللجنة الصهيونية الأمريكية للشؤون العامة”، وما لبثت أن غيرت اسمها إلى “لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية” بهدف توسيع قاعدتها الجماهيرية.
يضم هذا اللوبي اليهودي حوالي مائة ألف منتسب، ينشطون في ٥٠ ولاية أمريكية، غالبيتهم من اليهود إضافة إلى عدد من الأعضاء الديمقراطيين والجمهوريين. ويتبع له أكثر من سبعين منظمة، وتقدر ميزانيته السنوية بنحو ٤٥ مليون دولار، جزء منها يتم تأمينه عن طريق الاشتراكات السنوية التي يدفعها الأعضاء، والقسم الآخر يتم من خلال التبرعات والمساهمات التي تقوم بها جهات ذات مصالح مشتركة، كالمساهمة التي تقدمت بها السعودية في العام ٢٠١٣ بمبلغ ٥٠ مليون دولار، عبر وزير خارجيتها عادل الجبير في إطار الدفع باتجاه قرار أمريكي لشن عدوان على سوريا.
أهداف المنظمة:
صرحت المنظمة بجملة من الأهداف التي تلتقي عند مساندة الكيان الاسرائيلي أبرزها:
– ضمان استعمال الفيتو الأمريكي ضد أي قرار في الأمم المتحدة يدين الكيان الاسرائيلي، والضغط على الحكومة الفلسطينية للاعتراف بدولة “اسرائيل”.
– تعزيز العلاقات ما بين واشنطن والكيان الاسرائيلي من خلال التعاون ما بين أجهزة مخابرات البلدين والمساعدات العسكرية والاقتصادية.
– مراقبة عمليات التصويت التي تجري داخل الكونغرس الأمريكي والمتعلقة بمسائل تهم الكيان الاسرائيلي.
– الإشراف على إعداد قادة محتملين لأمريكا موالين للكيان الاسرائيلي من الأجيال الناشئة.
– الإشراف على توجيه الهبات التي يمنحها الممولون اليهود الأمريكيون لمرشحي الانتخابات في أمريكا.
– القضاء على حركات المقاومة وفي مقدمتها حزب الله وحركة حماس.
– إعاقة الإجراءات الإيرانية الساعية للحصول على التكنولوجيا النووية وموقفها المنكر للهولوكوست.
نماذج عن تسلط منظمة أيباك على القرار الأمريكي
تتمتع أيباك بنفوذ واسع في دوائر السلطة الأمريكية لا سيما تلك المرتبطة بالسلطة التشريعية وسن القوانين –الكونغرس الأمريكي- إضافة إلى البيت الأبيض ووزارة الخارجية.
ولطالما تفاخر الرئيس التنفيذي السابق للمنظمة “ستيفن روزن”، بأنه يستطيع أخذ منديل ورقي من على أي طاولة في مجلس الشيوخ، وأن يجعل عشرات من أعضاء المجلس يوقعون عليه دعمًا لقضية أو أخرى.
وقد اعترفت مجموعة من السياسيين الأمريكيين وفي مقدمهم الرئيس بيل كلينتون “بأن إيباك هي أفضل من يمارس الضغط في واشنطن”. ويشاطره نيوت غانغريتش، عضو الكونغرس، الرأي فيعتبر “أن أيباك أكثر جماعات المصالح العامة تأثيراً في الكون”.
وقد تمكنت المنظمة من تحقيق العديد من أهدافها المعلنة، من خلال تقديم الدعم السياسي للكيان الاسرائيلي وإعاقة أي مشروع قرار يدين هذا الكيان سواء في الكونغرس الأمريكي أو الأمم المتحدة، وملاحقة كل من ينتقد الكيان الاسرائيلي، من خلال الصاق تهمة “معادة السامية” بكل من يجرؤ على انتقاد الممارسات الاسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.
وحاربت أيباك مشروع الدولة الفلسطينية، وفي العام ٢٠١١، وعندما أعلن الفلسطينيون بأنهم سوف يتقدمون بالْتماس إلى الأمم المتحدة لإقامة الدولة، ساعدت أيباك في إقناع ٤٤٦ من أعضاء الكونغرس للمشاركة في رعاية قرارات معارضة لهذه الفكرة.
وخلال العدوان الاسرائيلي على غزة، ضغطت أيباك باتجاه إرسال رسالة دعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس لجميع الإجراءات الإسرائيلية. كما تمكنت من تمرير قرارات مؤيدة للكيان الاسرائيلي بالإجماع.
الدعم المالي للكيان الاسرائيلي
ولم يقتصر دور منظمة “أيباك” على تعزيز الدعم السياسي الأمريكي للكيان الاسرائيلي، فقد دفعت في ذات الوقت لزيادة الدعم المالي السنوي الذي تقدمه واشنطن لتل أبيب.
ويقول الاقتصادي الأمريكي “توماس ستوفر” الأستاذ في جامعة هارفارد: إن تكلفة الصراع العربي– الإسرائيلي على دافع الضرائب الأمريكي بلغت حوالي ثلاثة تريليونات دولار منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى العام ٢٠٠٢. أي ما يعادل أربعة أضعاف كلفة حرب فيتنام. ويذكر “ستوفر” أن هذا الرقم يبقى منخفضا عن القيمة الحقيقية حيث ظلت نفقات أخرى بدون حساب.
ورغم أن المساعدات الأمريكية المباشرة للكيان الاسرائيلي بلغت في عام ٢٠٠٠م، ١.٩٢ مليار دولار وكان من المقرر أن تستمر في التزايد إلى مبلغ ٢.٤ مليار دولار سنويا في عام ٢٠٠٨، إلا أنها وبسبب انتفاضة الأقصى التي أثرت بشدة على الاقتصاد الإسرائيلي قفزت في عام ٢٠٠٢ لتصل إلى ٦.٤٢ مليار دولار طالبت بها الحكومة الإسرائيلية وغالبيتها مساعدات عسكرية.
وحصل الكيان الاسرائيلي ضمن موازنة الحرب على العراق التي أعدتها إدارة البيت الأبيض على مليار دولار وضمانات قروض بمبلغ تسعة مليارات دولار.
التجسس لصالح الكيان الاسرائيلي
على الرغم من حميمية العلاقة بين أيباك ورجال الإدارة الأمريكية والنفوذ الذي تتمتع به في واشنطن فان علاقتها مع واشنطن قد توترت في بعض مراحلها وذلك خلال اكتشاف عمليات تجسس يقوم بها يهود أمريكيون لصالح الكيان الاسرائيلي من خلال أيباك.
وكانت آخر تلك الهزات عندما اعتقل مكتب التحقيقات الفيدرالي «اف بي آي» شخصية مهمة في البنتاغون هو “لورانس فرانكلين” بتهمة تسريب معلومات سرية تتعلق بهجمات محتملة على القوات الأمريكية بالعراق إلى أيباك ومنها إلى الكيان الاسرائيلي.
حيث كان فرانكلين يعمل بالإدارة الخاصة بالشؤون الإيرانية في البنتاغون، ومن خلال عمله احتفظ بمعلومات سرية، سرب ما يفيد الكيان الاسرائيلي منها إلى أيباك.
وسبقت تلك الفضيحة فضيحة الجاسوس “جوناثان بولارد” منذ عشرين عاما والذي صدر حكم بسجنه مدى الحياة بتهمة تقديم مئات الآلاف من الوثائق السرية التي تتعلق بأنشطة التجسس الأمريكية في الدول العربية إلى عميل إسرائيلي تابع لمكتب توثيق يخضع مباشرة لرئيس وزراء الكيان الاسرائيلي، وتبين فيما بعد أن الكيان الاسرائيلي باع الأسرار الأمريكية التي زوده بها بولارد وكثير منها شديد الحساسية على الأمن القومي الأمريكي للاتحاد السوفيتي مقابل زيادة تأشيرات السماح بهجرة يهود من الاتحاد السوفيياتي السابق إلى الكيان الاسرائيلي.
التحريض على الجمهورية الاسلامية الإيرانية:
لعبت منظمة أيباك دوراً هاماً في الكونغرس الأمريكي، دعماً لسياسة التحريض على الجمهورية الاسلامية الإيرانية، وذلك بسبب مواقف الأخيرة المساندة للقضية الفلسطينية ودعم حركات المقاومة. ومما زاد من قلق هذه المنظمة هو دخول إيران النادي النووي، والتمهيد للاعتراف بها قوة اقليمية عظمى في الشرق الأوسط، لذلك ساعدت المنظمة في حشد تأييد ٥٩ عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري لرعاية مشروع قرار يفرض عقوبات جديدة على إيران إذا فشلت المفاوضات، لكن لم يكتب لهذا المشروع النجاح بعد أن حظي بمباركة نتنياهو.
يُسجّل لمنظمة أيباك أنها استطاعت من خلال أذرعها الأخطبوطية، التحكم على نطاق واسع بدوائر القرار الأمريكي خاصة فيما يتعلق بسياسة أمريكا الخارجية في منطقة الشرق الأوسط، وبما يضمن مصالح الكيان الاسرائيلي. في الجزء الثاني من المقال سنقف على أهم العوامل والوسائل والأساليب التي منحت “أيباك” هذه القدرة على التأثير، وجعلتها في مقدمة قوى الضغط، نفوذاً في أمريكا.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق