التحديث الاخير بتاريخ|السبت, سبتمبر 21, 2024

دول اتحاد البريكس، قوة اقتصادية ناشئة و قرار سياسي يكسر احادية القطب القديمة 

 سعت مجموعة البريكس، منذ نشأتها الى انشاء علاقات اقتصادية قوية بين الدول الأعضاء أي الصين البرازيل وروسيا والهند وجنوب افريقيا التي انضمت اليهم في ٢٠١٠، و لذلك الهدف قامت بمشاريع عديدة و خطوات جريئة جعلت المحللين الاقتصاديين يتوقعون لهذا الاتحاد أن يكسر احادية القطب التي تستحوذ عليها أمريكا منذ عشرات السنين، وقد هيمنت القوى الاقتصادية الغربية التقليدية، مثل أمريكا والدول الأوروبية، التي تمتعت بكلمة أقوى في المنظمات المالية العالمية الرئيسية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لوقت طويل على النظام الاقتصادى الحالي.

 

 تأسيس مجموعة البريكس وحجم نموها السريع يزيد من وتيرة التحول التدريجي في التوازن الاقتصادي العالمي من الدول المتقدمة إلى الدول الصاعدة، وكذا يدعم الحاجة إلى تسريع تشكيل نظام اقتصادي دولي جديد، والاتجاه نحو عالم متعدد الاقطاب لإحداث توازن أمام القوة المطلقة للدول الصناعية. و منذ انطلاقتها الى الآن و في فترة زمنية وجيزة استطاعت الدول الأعضاء من تحقيق نسب تنموية ملحوظة فعلى سبيل المثال، ارتفع حجم التجارة الصينية مع القارة الإفريقية فى الفترة (٢٠٠٠ – ٢٠١٣) بنحو ١٧٠% حيث ارتفع من نحو ١٠ مليار دولار فقط فى بداية العقد الماضى ليصل إلى ١٧٠ مليار دولار فى العام الماضى، فى حين أن التجارة الأمريكية – الأفريقية لم تتجاوز حاجز الـ٦٠ مليار دولار، وهو الأمر الذى أثار حفيظة أمريكا وجعل وزيرة خارجيتها السابقة “هيلارى كلينتون” تحذر من دول بريكس فى الخطاب الذى ألقته اثناء زيارتها لزامبيا فى ٢٠١١، حيث صرحت بأن القارة الأفريقية لابد ان تكون حذرة مما أسمته بـ”الاستعمار الجديد” الذى يهدد القارة الأفريقية بتكرار السيناريو الاستعماري القديم حينما كان من السهل على الدول الاستعمارية ان تستنزف الموارد الطبيعية لشعوب القارة دون الإسهام فى تطوير أو تنمية القارة. كما دفع الرئيس الامريكي باراك اوباما إلى عقد القمة الافريقية – الامريكية لبحث سبل التعاون مع دول القارة وتحسين صورة أمريكا فى محاولة يائسة لاستعادة النفوذ الأمريكى فى القارة السمراء.

و للدول الأعضاء في مجموعة البريكس مقومات و عوامل تشجعها على التعاون فيما بينها و الاستمرار بما بدأت به قبل سنوات و لمست نتائجه بشكل كبير خلال فترة زمنية قياسية ومن تلك الأسباب و العوامل على سبيل المثال لا الحصر:

قدرة دول “بريكس” الصاعدة اقتصاديا، وذلك للكثافة السكانية فيها، وهي تشكل قرابة ثلث سكان العالم، وتمثل ما يزيد على ربع مساحة المعمورة. وامتلاكها المواد الاولية وخاصة الطاقة والنفط والغاز والحديد والموارد الطبيعية الاخرى، والتكنلوجيا المتطورة، والقوة البشرية المؤهلة لعملية الانتاج والبناء.

تحقيق ناتجا محليا اجماليا اسميا مجتمعا بقيمة١٣.٦ترليون دولار امريكي، وهو يقدر ب ١٩.٥ في المائة من اجمالي الناتج المحلي في العالم عام ٢٠١١. وقد نمت التجارة فيما بين دول “البريكس” بمتوسط سنوي نسبته ٢٨ في المائة من ٢٠٠١ إلى ٢٠١٠ ووصلت إلى ٢٣٩ مليار دولار في ٢٠١٠،  لتمثل نسبة أكبر بكثير من التجارة الدولية. وتساهم ب١٥ في المائة من التجارة العالمية.

القدرة العسكرية العالية، وخاصة الصين وروسيا، والهند، وامتلاكها القوة النووية، مما تساهم في ايجاد التوازنات العسكرية وابعاد شبح الحرب، وتعزيز نهج السلم في العلاقات الدولية.

 توحيد العملة بين هذه المجموعات في التعامل التجاري في المدى المنظور، وذلك لمواجهة عدم فرض فقط الدولار الامريكي المعمول به في التعامل التجاري الدولي حاليا.

 منافسة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في سياستها تجاه الدول النامية والصاعدة، وذلك من خلال السياسة الاستثمارية والائتمانية الضرورية والمهمة، التي تساهم في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية لهذه الدول، من خلال تقديم القروض بفوائد مقبولة، وعدم التدخل في سياساتها السيادية.

 يهدف البنك الجديد إلى تمويل المشاريع التي تعود بالنفع على البلدان النامية وليس على أمريكا وأوروبا. والافضلية سيكون للمشاريع الخارجية بدلا من الخاصة بالدول الاعضاء. الحد من سياسة التوسع و الهيمنة الامريكية والاوروبية في العلاقات الدولية التجارية، وفرض سياستها على العالم كقطب واحد، وايجاد نوع من توازن للتحكم في الاقتصاد العالمي.

 سيعمل البنك بشكل وثيق من أجل الشراكة مع بنوك التنمية الإقليمية بهدف تعزيز فاعلية العمل الجماعي. وسيكون مكملا للمؤسسات التنموية القائمة مثل البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي.

  وقوف دول البريكس في الطرف المقابل لأمريكا و دول الغرب سياسيا و اقتصاديا و توحدهم تحت مشروع منافستها و انتزاع احادية القطب منها.

الى جانب العوامل المشجعة التي تدفع دول مجموعة البريكس على التعاون فيما بينها، هناك أيضا عوامل خاصة بكل دولة من الدول الأعضاء تجعل التعاون أكثر صعوبة أو تؤثر سلبا على اندفاع الأعضاء في توسيع المشاريع و المشاركة بها فعلى سبيل المثال:

اولا: كان للأزمة الاقتصادية أثر سلبي على مستويات النمو الاقتصادي في دول البريكس كحال غيرها من الدول.

ثانيا: عدم وجود لغة مشتركة واحدة تسهل التخاطب والتعامل التجاري في ما بينها أولًا، ومع دول الخارج وأسواقه ثانيًا، يعتبر أيضا حاجزا آخرا.

ثالثا: تعاني بعض دول مجموعة البريكس مشاكل أمنية داخلية ناتجة عن التعددية الإثنية والدينية في مجتمعاتها تؤثر سلبا على النمو الاقتصادي و تشجيع المستثمرين على اقامة مشاريع في ظل عدم توفر الضمانات اللازمة.

رابعا: كما أن الدول الغربية وبخاصة أمريكا لن تسلم بسهولة موقعها المتقدم والمسيطر على النظام العالمي الاقتصادي السياسي والعسكري أو تتخلى عنه.

خامسا: محاولات الصين بأن يكون لها اليد الطولى فى بنك التنمية وصندوق الاحتياط الذي أنشأته المجموعة، خلق توترات بين الدول الأعضاء فعلى الرغم من أنه تم الاتفاق على أن تكون حصص الدول بالتساوى فى بنك التنمية، إلا أن الصين كان لها نصيب الأسد فى صندوق الاحتياط النقدى.

سادسا: الضغوطات التي تتعرض لها الدول الضعيفة و الأقل نموا من قبل أمريكا لمحاولة ثني تلك الدول عن التعاون مع دول البريكس و تقديم التسهيلات للمشاريع المقامة على أراضيها.

الى جانب فعاليته الاقتصادية فلاتحاد دول البريكس بطبيعة الحال تأثير على المستوى السياسي يعززه وقوف هذه الدول في الطرف الرافض للسياسات الخارجية الأمريكية، ورغم حداثته، اتّخذ اتحاد البريكس العديد من المواقف الهامّة في عدد من القضايا الدولية، على غرار موقفه من ليبيا، حين قدّم نقدا سياسيا لاستعمال القوة في ليبيا بعد امتناع ممثليه في مجلس الأمن عن التصويت على قرار التدخل العسكري لحماية المدنيين مع بداية الأحداث الليبية سنة ٢٠١١. وبعد دخول الأزمة السورية عامها الخامس واشتعال المنطقة بداية من العراق مرورا بليبيا ووصولا إلى اليمن، وكذلك مع احتدام الأزمة في أوكرانيا، اتّخذ قادة دول البريكس في منتصف أبريل الماضي في مؤتمر موسكو حول الأمن الدولي، قرارا يوجب وضع حد لتدخلات أمريكا وحلف الشمال الأطلسي (الناتو)، و أكدت الكتلة في إعلان الحاجة إلى إصلاح شامل للأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي سعيا لتحسين تمثيل أصوات ومصالح الاقتصادات الصاعدة، كما برزت معارضة بناء المستوطنات الاسرائيلية الجديدة و غيرها من المواقف التي تتعارض مع السياسة الخارجية الأمريكية.

يقول أوليفر ستونكيل الأستاذ المساعد في مركز بحوث العلاقات الدولية في ساوباولو البرازيلية: “الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد وكذلك أوروبا وحدهما يتحكمان في اتجاه نمو الاقتصاد العالمي، وذلك بعد أن أصبحت تأثيرات الصين والهند والبرازيل أكبر فأكبر، وعلى الرغم من محافظة بعض الدول على النمو الاقتصادي السريع، إلا أن موضوع العصر الراهن مازال يتمحور حول التنمية ذات الطابع التعددي، وصيرورة الاقتصادات الناشئة قوة هامة لدفع تنمية الاقتصاد العالمي”. و بالفعل فان كلام ستونكيل يترجم واقعا على الأرض رغم السعي الأمريكي الحثيث لاستعادة زمام الأمور، و التحليلات العلمية تستقرأ صعود بعض الدول التي طالما كانت مهمشة الى سلم المنافسة اقتصاديا و سياسيا حيث أن الأمران مرتبطان ببعضهما ارتباطا لا يمكن تجزأته.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق