مأساة النازحين في العراق ومسؤولية المجتمع الدولي
يبدو ان مأساة النازحين في العديد من مناطق العراق التي تعرضت لهجمات ارهابية متكررة من قبل عناصر تنظيم “داعش“ أو أُحتلت من قبل هذا التنظيم التكفيري، أخذت تتفاقم بشكل ملحوظ في الآونة الاخيرة، فيما يعتقد الكثير من المراقبين ان هذه المأساة ستستمر الى أمد غير معلوم ما لم تتخذ اجراءات جدية وحاسمة لوقفها أو الحد من تداعياتها الخطرة.
وحصلت أحدث موجات النزوح الجماعي في العراق من مدينة الرمادي مركز محافظة الانبار غربي البلاد جراء احتلالها من قبل ارهابيي “داعش“، حيث تدفق عشرات الآلاف من النازحين من هذه المدينة باتجاه المدن القريبة لاسيما العاصمة بغداد، ما أدى الى بروز أزمات انسانية واجتماعية كبيرة فضلاً عن التداعيات الامنية والسياسية والاقتصادية التي انعكست بشكل سلبي على مجمل الاوضاع في هذا البلد الذي يعاني من مخاطر الارهاب منذ فترة طويلة.
وتشير الإحصائيات الواردة من العراق الى ان عدد النازحين وصل الى اكثر من ٣٤ ألف نازح في منطقة “جسر بزيبز” الذي يربط بين الرمادي والعاصمة بغداد، وهذا العدد في طريقه نحو الزيادة بسبب هجوم ارهابيي “داعش“ على منطقتي “المضيق” و”حصيبة الشرقية ” الواقعتين بين الرمادي والخالدية.
ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة العراقية لحل مشكلة النازحين لا زال الكثير منهم ينتظر دوره في الحصول على الخدمات الضرورية وسط ظروف مناخية صعبة بسبب الحر الشديد والعواصف الترابية التي تتعرض لها أماكن إيواء النازحين بين الحين والآخر.
وتجدر الاشارة الى ان ازمة النازحين في العراق عادت الى الظهور بشكل واضح بعد احتلال تنظيم “داعش“ الارهابي لمدينة الموصل كبرى مدن شمال البلاد في العاشر من حزيران/يونيو العام الماضي. وتكرر نزوح عشرات الآلاف من السكان من محافظات أخرى بينها ديالى وصلاح الدين هرباً من الاعمال الاجرامية التي تنفذها عصابات “داعش“.
ويرى المراقبون ان الاوضاع الانسانية الوخيمة التي يعيشها النازحون في العراق تفاقمت في الآونة الاخيرة بسبب انشغال الحكومة بتلبية متطلبات الحرب مع “داعش“ والجهود الكبيرة التي تبذلها لدحر هذا التنظيم الارهابي ما أثر الى حد كبير على قدراتها في إيواء النازحين الذين تتزايد اعدادهم يوماً بعد آخر.
كما يعتقد المراقبون ان تأخر إيواء النازحين والسماح لهم بدخول بغداد، يعود الى خشية الجهات الامنية من استغلال العناصر الارهابية لهذه الازمة، للنفوذ الى داخل العاصمة وتنفيذ عمليات اجرامية ضد السكان والمؤسسات الحكومية والبنى التحتية، مما يستدعي توخي الحذر في تدقيق هويات النازحين لمنع الارهابيين من دخول بغداد والمدن الاخرى لاسيما مدينتي كربلاء المقدسة والنجف الاشرف.
وتشير التقارير الخبرية الى ان اكثر من ٢٠٠ نازح عراقي اصيب حتى الآن بمرض الاسهال جراء التلوث وتسمم الاغذية وفقدان العناية الصحية والطبية، ما ادى الى وفاة عدد منهم لاسيما من الاطفال والنساء وكبار السن.
وحذرت الجهات المختصة من خطر تفاقم الاوضاع الطبية والصحية في صفوف النازحين في المناطق الواقعة قرب “جسر بزيبز” وقرى “البوعيسى” التابعة لعامرية الفلوجة، وطالبت المجتمع الدولي والمنظمات المعنية بالاسراع بتقديم الخدمات الانسانية الى هؤلاء النازحين.
كما حذر المراقبون من خطورة الوضع الصحي والانساني الذي يعاني منه عدد كبير من النازحين المنتشرين في مناطق متناثرة من صحراء الانبار والذين يفتقدون لأبسط الامكانات الطبية والمواد الغذائية الضرورية، مشيرين الى وجود الكثير من النساء والاطفال وكبار السن بين هؤلاء النازحين.
ويواجه العراق في الوقت الحاضر ازمتين كبيرتين، تتمثل الاولى بخطر الجماعات الارهابية والتكفيرية التي لا زالت تحتل الكثير من مناطقه وتقتل سكانها وتغتصب نسائها وتدمر ممتلكاتها لاسيما في الانبار والموصل وصلاح الدين، والثانية تتمثل بأزمة النازحين التي تتطلب حلولاً سريعة لإنقاذ حياة عشرات الآلاف من الأشخاص بتوفير ما يحتاجونه من اغذية وأدوية وخيم وملابس وأغطية ومستلزمات ضرورية اخرى، لمواجهة الظروف الصعبة التي تحيط بهم بسبب ارتفاع درجات الحرارة وقلة الامكانات وندرة المياه الصالحة للشرب.
وقد اتهم الكثير من النازحين المنظمات الدولية بالتقصير في الاستجابة لمطالبهم وتحمل مسؤولياتها القانونية تجاه هذه المأساة الانسانية، فيما اعرب آخرون عن اعتقادهم بأن هذه المنظمات تتصرف معهم ببرودة وتتفرج على مأساتهم من منطلق عنصري وطائفي كون غالبيتهم من المسلمين.
ويسخر النازحون من المزاعم المزيفة التي تتشدق بها المنظمات الدولية والدول الغربية وعلى رأسها امريكا بالدفاع عن حقوق الانسان واحترام كرامة الانسان، في وقت تصم فيه هذه الاطراف اسماعها وتغلق أبصارها عن هذه المأساة التي نجمت في الاساس عن احتلال أمريكا للعراق ودعمها للتنظيمات الارهابية وفي مقدمتها “داعش“ في إطار ما يسمى بالفوضى الخلاقة ومشروع الشرق الاوسط الجديد.
وفي هذا السياق حذّر مسؤولون عراقيون دول العالم لاسيما دول المنطقة من مغبة التفرج على مأساة النازحين، مؤكدين ان هذه الدول ستحترق هي أيضاً بنار الارهاب وتداعياته الكارثية اذا لم تسارع في وضع حد لهذه الظاهرة المستشرية في الشرق الاوسط، بفعل السياسات الغربية التي تنفذها الجماعات الارهابية المدعومة من قبل الكيان الاسرائيلي وبعض الدول الغربية والانظمة العميلة والرجعية في المنطقة بقيادة امريكا.