التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 24, 2024

سوريا كوطن، ماذا تقدّم وماذا تستحق؟ 

 الحرب المنتشرة على الأراضي السورية والتي دخلت عامها الخامس أنزلت شبح اللااستقرار على الكثير من السوريين فقرروا السفر، حزموا حقائبهم وغادروا تاركين الأهل والأقارب طمعا في حياة أكثر هدوءاً، ولكنهم بعد رحيلهم اكتشفوا أنهم لم يحلوا على أهلٍ ولم ينزلوا في سهلٍ بل وصلوا الى البرزخ وانتقلوا الى اللاحياة، وهنا أدركوا أهمية الوطن وما معنى أن تكون بلاوطن.

 

فالوطن هو البقعة الجغرافية التي يرتبط بها الشعب ارتباطا تاريخيا طويلا، فلا تُعرف الشعوب الا بأوطانها، والوطن يحظى بأهمية كبيرة، تبرز على مستويات وصعد متعددة.

الصعيد الأول:

يشكل الوطن القاعدة الجغرافية التي تمكّن الشعوب من الشعور بالاستقرار، فلا استقرار دون حدود الوطن. فالمهاجر يدرك أنه فقد كل شيء مقابل لاشيء، والمغادرون لأرض الوطن يدركون جيداً أن الواقع الذي كان ينتظرهم في بلاد الغربة أسوأ بكثير مما فروا منه، فلا عمل ولا دخل ولا حقوق ولا حتى أصدقاء أو أقارب. الى ذلك فإن الكثير من المهاجرين وخاصة الى دول الجوار السوري كالاردن وتركيا يعيشون أسوأ الظروف، فاللاجئون في تركيا ينقسمون الى قسمين قسم داخل المخيمات وقسم داخل المدن.

بالنسبة للمتواجدين داخل المخيمات فهم يعانون من أعداد اللاجئين الضخمة والتي تفوق طاقة المخيمات، ومع الأعداد الضخمة هذه تبدأ مشاكل الرعاية الصحية، وكذلك يصعب توفير الماء والغذاء والكهرباء اضافة الى تفشي الكثير من الأمراض، ناهيك عن فصل الشتاء الشديد البرودة، حيث تؤدي الثلوج إلى تدمير المخيمات ودخول المياه اليها، ومع انعدام التدفئة تصبح الحياة شبه مستحيلة في هذه الظروف.

أما الذين يعيشون داخل المدن فهم في الغالب دخلوا بشكل غير رسمي أو دخلوا رسمياً ولكنهم غير مسجلين عند هيئات الاغاثة مما يحرمهم من أي مساعدات مادية تقدمها هذه الهيئات، وهنا يتوجب عليهم ايجاد عمل ومسكن ومأوى، ومع ارتفاع المعيشة في تركيا تبدو حياتهم في غاية الصعوبة.

الصعيد الثاني:

الوطن يؤمن الحياة الكريمة لأبنائه، فلا كرامة خارج حدود الوطن وكل من هاجر يدرك جيداً هذا الكلام، فلا يتمتع المهاجرون بحقوق المواطنة بل ولا يستطيعون ممارسة الأعمال في بعض البلدان، وكذلك فهم معرضون للطرد في أي لحظة ويعيشون طوال حياتهم منقوصي الكرامة، فيكفي انتقاصاً لكرامتهم اسم “لاجئ”.

الصعيد الثالث:

الوطن هو حامي مستقبل الأجيال والمحافظ عليها، فالتاريخ يثبت أن الشعوب التي غادرت أوطانها أصبحت مشردة وخسرت وطنها دون أن تكسب شيئاً. ولنا في القضية الفلسطينية خير مثال، فمن اضطر من الشعب الفلسطيني الى اللجوء خسر بيته في فلسطين وخسر مستقبل أبنائه.

الصعيد الرابع:

الوطن يشكل القاعدة الأساسية للأمن وحفظ المال والعرض، فالانسان مادام في وطنه فالقوانين تحميه وتؤمن له الأمان وتحفظ نفسه وماله وعرضه، والذين يبررون أن الهجرة من سوريا بدأت بسبب تزعزع الأمن والاستقرار فيها والمهاجرون يسعون لحياة أكثر أمناً، يمكننا تذكيرهم بأن للشعوب واجبات تجاه أوطانها، فلا يمكن للسوريين أن يتركوا وطنهم الذي احتضنهم واحتضن آبائهم وأجدادهم وسيحتضن أبنائهم لمجرد حرب عابرة تمر بالوطن، بل عليهم واجبات كثيرة منها:

١- يجب على كافة السوريين أن يقدموا كل ما يساهم في اعادة الأمن والاستقرار الى البلد، من دماء وتضحيات وأموال لمحاربة التنظيمات التكفيرية الدخيلة على الوطن والتي تعمل على تدميره وتقويض السلم الأهلي فيه.

٢-على الشعب السوري كافة أن يقف في وجه الفكر التكفيري ويحاربه بالعلم والعقل وأن لا يسمح للفكر الطائفي أن يتطفل على عقول أبناء الوطن وأن يتفشى في الأجيال القادمة.

٣-على السوريين أن يتحدوا ويكونوا صفاً واحداً ويواجهوا المصاعب معاً حتى نهايتها كما كانوا يعيشون السلم والرخاء معاً.

وفي النهاية يمكن التأكيد علي أن الوطن هو حافظ الشعوب وحاميها وبه تعرف الشعوب، حاضرها ومستقبلها، تاريخها وحضارتها،  فلا مكان أحنّ على السوريين من وطنهم ولا أرض أوسع من بلدهم، فالحرب يجب أن لا تشتتهم بل يجب أن تجمعهم وتوحد صفهم للعودة بهذا الوطن الذي يؤمّن لهم حياة لائقة الى بر الأمان ولإنهاء الحروب وحماية السكان بكل الوسائل الممكنة، وكما يقول المفكر والكاتب غسان كنفاني “خلقت أكتاف الرجال لحمل البنادق، فإما عظماء فوق الأرض أو عظاما في جوفها”.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق