الفضائيات العربية والتطرف الديني، قراءة في الدور والنتائج
قبل استعراض أي حديث عن دعم بعض القنوات الفضائية العربية، يجب تتبع المسار الذي اتخذته هذه الفضائيات عقب ما يسمى بـ”الربيع العربي” مطلع العام ٢٠١١، وذلك للنظر في كون ما يجري حالياً هو نتاج ما جرى أو إنها تحول مفاجئ.
مع بدء ما يسمى بـ”الربيع العربي” ساهمت الفضائيات العربية وعلى رأسها الجزيرة والعربية ومن خلال خبراتها المتراكمة طيلة الفترة السابقة ونجاحها في إستقطاب عدد كبير من المشاهدين، ساهمت بتغطية أحداث هذا الربيع الذي ما فتئ أن تحول خريفاً مظلماً. والعنوان الأساس لهذه الفضائيات بات بعيداً كل البعد عن الشعارات المهنية التي تطرح، ولم يعدو عن كونه صورة حقيقية لسياسة الدول التي تمثلها سواءً قطر أم السعودية.
الدور التحريضي
لم تنجح هذه الفضائيات التي أطلق عليها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مؤخراً “فضائيات عاصفة الحزم” في إخفاء مشروعها، بل عمدت ومن دون أي مواربة إلى الترويج الممنهج لسياسة دولها التي أخذت على عاتقها تسليح ودعم الجماعات المسلحة في سوريا والعراق ومصر وليبيا ولاحقاً اليمن. فماذا يعني استضافة برنامج “بلا حدود” الذي يعرض على شاشة قناة الجزيرة القطرية “أبو محمد الجولاني” أمير جبهة النصرة في سوريا ؟(سبق للجولاني أن سجل حضوراً إعلامياً واحداً، وكان على شاشة الجزيرة أيضاً، حيث استضافه الإعلامي تيسير علوني في لقاء خاص، دون أن يكشف عن هويته.( هل تريد الجزيرة القطرية من خلال إجراء هذه المقابلة تبييض صفحة جبهة النصرة؟ ألا يعتبر هذا خير دليل على دعم هذه الشبكة للجماعات الإرهابية، التي تحرض على العنف والإرهاب، وهو ما يعيد لذاكرة إذاعة الجزيرة هجوماً نفذته إحدى الجماعات الإرهابية على قوات الجيش المصري في سيناء على الهواء مباشرة، مع تكبير وتهليل المذيع!
مثال آخر على دعم الجزيرة للجماعات المسلحة يكمن في الترويج “لنجاحاتها” والعمل على كسر معنويات أعداء هذه الجماعات عبر الأكاذيب، فترويج الجزيرة لسلسلة من الادعاءات والأكاذيب عن مصر والحكومة المصرية أوصلها إلى الدرك الإعلامي الأسفل، حيث قامت القناة مؤخرًا بعرض ونشر صورة لعدد من الأطفال، حيث ادعت أنهم لقوا حتفهم جراء الضربات الجوية التي شنها الجيش المصري على معاقل تنظيم داعش الإرهابي في ليبيا، في حين أكد قائد القوات الجوية الليبية أن القوات المسلحة المصرية لم تستهدف المدنيين على الإطلاق. وقد تبين بالبحث على موقع جوجل وثبت بالدليل القاطع على أن الصورة المنشورة تعود لثلاثة أطفال لقوا مصرعهم نتيجة الاختناق بالغاز منذ عدة أشهر في مدينة بنغازي، وهو ما يؤكد مجددًا على أن تلك القناة لا تفتقد فقط للمصداقية والمهنية وإنما تعد ذراعا إعلاميا لهذه التنظيمات الإرهابية لتحقيق أهدافها المشبوهة وأعمالها الإجرامية.
لم تكن قناة العربية وغيرها من الصحف السعودية بعيدة عن سفينة الجزيرة، إلّا أن الطامة الكبرى هي ترويجها للأكاذيب بصورة مفضوحة (نشر صور من حرب الخليج الثانية في العدوان الحالي على الشعب اليمني). الفضائيات السعودية لم تقم بالترويج لتنظيم داعش الإرهابي بشكل مباشر بل عملت على الترويج لفصائل إرهابية أخرى كجيش الإسلام و.. وقد ظهر هذا الدعم بشكل جلي أثناء العدوان اليمني القائم على الشعب اليمني عبر الدعم الإعلامي غير المسبوق لتنظيم القاعدة على قاعدة “عدو عدوي صديقي”!
النتائج
قد يعتبر رواج الفكر التكفيري وانتشاره كالنار في الهشيم من أبرز نتائج الدعم الإعلامي للجماعات التكفيرية في المنطقة العربية، لكن الأمر الأكيد هو أنه في حال سيطرة التكفيريين على زمام الأمور في المنطقة ستكون هذه الفضائيات أولى أهداف الجماعات المسلحة بعد انظمتها.
فضائيات عاصفة الحزم التي تدعم الإرهاب كما يوضح الجنرال الأمريكي المتقاعد جاك كين، ودانييل بلتيكا الباحث بمؤسسة أمريكان انتربرايز في مقال نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، تواجه حالياً “أزمة أفول” بسبب فقدانها للمصداقية وكذلك دعمها المباشر وغير المباشر(في أغلب الأحيان). وما يحصل حالياً مع هذه الفضائيات في المنطقة يتقاطع مع ما نشرته دورية كولومبيا للصحافة Columbia Journalism Review حول أن معظم الأمريكيين لا يفضلون الحصول على الأخبار من شبكة تملكها حكومة إحدى دول الشرق الأوسط المعروفة بدعمها للإرهابيين في ظل تهديد هؤلاء لأمريكا أكثر من أي وقت مضي منذ أحداث ١١ سبتمبر. كما احجم المشاهد الأمريكي عن متابعة الجزيرة بسبب استخدام أسامة بن لادن الجزيرة كمنبر لنشر فيديوهات تهدّد أمريكا وتخوف الأمريكيين، ويحجم المشاهد العربي حالياً عن “الجزيرة واخواتها” بسبب دعمها للجماعات الإرهابية، واستضافتها للإرهابيين أمثال الجولاني، وربّما البغدادي في المستقبل القريب.
اذاً، يبدو واضحاً أن ممارسات هذه الفضائيات هي السبب الرئيسي في تدني وتراجع المتابعة لها في العالم العربي، لأنها فقدت مصداقيتها لدى المشاهدين ولم تعد تحظى بالمكانة التي كانت عليها من قبل، بعد انكشاف سياساتها التحريضية ضد أمن واستقرار الدول العربية. وسيدرك المشاهد العربي دور هذه الفضائيات الفعّال في نمو الجماعات التكفيرية وفكرها الظلامي، ولكن .. سبق السيف العذل.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق