بحر الصين والحرب الباردة بين واشنطن وبكين: حين يتعارض الأمن القومي للبلدين
بدأت الأمور تأخذ منحاً أكثر تأزماً بين الصين وأمريكا، بشأن النزاع التاريخي الإستراتيجي حول بحر الصين الجنوبي. فأمريكا تصر على عدم القبول بأي نشاطٍ عسكريٍ أو تجاري داخل الجزر المتنازع عليها دولياً من العام ١٩٧٢. وهو الأمر الذي ترجمته أمريكا الأسبوع الماضي بمراقبة النشاط البحري الصيني عبر طائرة إستطلاعٍ أمريكية حلقت فوق الجزر. مما أثار غضب التنين الصيني الذي حذر من التدخل الأمريكي. فما هي الأهمية الجيوسياسية لبحر الصين؟ وما هو أصل النزاع عليه؟ وكيف يُنظر لمستقبل الأمور بين واشنطن وبكين؟
أهمية بحر الصين من الناحية الجيوسياسية:
إن جزر سبراتلي هي أبرز الجزر المتنازع عليها بين الصين وأمريكا، وهي عبارة عن مجموعة من الجزر الصغيرة غير المأهولة والتي ليس لها سكان أصليون، والواقعة بين كل من فيتنام والفلبين والصين وبروناي وماليزيا وتبلغ مساحتها حوالي ٤ كيلومترات مربعة موزعة على ٤٢٥٠٠٠ كيلومتر مربع من البحر. وتعتبر هذه الجزر أمراً مهماً في مسألة ترسيم الحدود الدولية بين هذه الدول في منطقة شرق آسيا. وما زاد الأمور تعقيداً هو أن في هذه الجزر كميات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي الى جانب مصائد السمك الغنية، مما جعلها مطمعاً للعديد من الدول ومحلاً للنزاع بينهم.
فالجغرافيا السياسية للمنطقة هناك، جعلت من بحري الصين الشرقي والجنوبي، طموحاً إستراتيجياً للقوى الكبرى التي لطالما سعت للسيطرة على المحيط الهادئ. وذلك لإطلالاته على مجمل منطقة جنوب شرق آسيا من جنوب الصين وشمال إندونيسيا الى شرق فيتنام وغرب ماليزيا. كما ويضاف الى الموقع الجيوسياسي للبحر، أنه يعد من أكثر بحار الدنيا حركة بالبضائع والسفن، مما يعطيه أهمية على الصعيد الإقتصادي، كونه ثاني أكثر الممرات البحرية على مستوى العالم ازدحاماً بالحركة، حيث تمرُّ به شحنات تجارية قيمتها تقارب خمسة تريليون دولار، أي نصف حركة الشحن في العالم.
أصل النزاع بين البلدين:
بدأ النزاع على تلك الجزر مع إصدار الأمم المتحدة عام ١٩٧٢ دراسة نظرية ترجّح وجود كميات كبيرة من النفط والغاز والمعادن في تلك المنطقة من بحر الصين الشرقي. وظل التوتر قيد الإحتواء، عندما ظلت الصين قادرة على التفاوض الثنائي مع كل دولة مهتمة بالنزاع على حدة. لكن توافق الدول الأخرى في ذلك الإقليم وإقرارها مجتمعة بأن النزاع إقليمي، فرض على الصين التفاوض مع كتلة تلك الدول وهو الأمر الذي زاد الأمور تعقيداً. وكالعادة كان لأمريكا الدور الأبرز في تأزيم الخلافات وبالتحديد خلال القمة السادسة عشرة لمنظمة دول جنوب شرق آسيا والتي عقدت في فيتنام في نيسان ٢٠١٠، وصرحت فيه وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، عن أن استمرار التوتر في بحر الصين الجنوبي يقوّض المصالح الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، مطالبة بضرورة إيجاد آلية دولية لحل النزاع.
وفي عام ٢٠١٢ وفي أول زيارة لوزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا إلى الصين، حاول تنصيب نفسه وسيطاً بين بكين وطوكيو. فعلى الرغم من إعلان واشنطن وقوفها على الحياد إلا أن الصين كانت تدرك أن هذه الإدعاءات تختلف عن الأفعال. وبالتحديد حين قررت وزارة الدفاع الأمريكية حينها، نشر منظومة صواريخ جديدة متوسطة المدى في اليابان، وملتزمة علناً عبر وزيرة الخارجية حينها، بالدفاع عن اليابان إذا تعرضت تلك المناطق لأي اعتداء خارجي.
هذا الأمر أدى الى إعلان الصين عن دخول أول حاملة طائرات صينية حيز الإستخدام الفعلي. وهو الأمر الذي يعرف المراقبون أنه شكل نقطة تحول مهمة في العقيدة الإستراتيجية الصينية، والتي تحولت من حماية الحدود إلى حماية المصالح. الى جانب إدراك الصين لأهمية القوة العسكرية البحرية في جعلها قوة عظمى.
المستقبل المتوقع:
إذاً بالنتيجة فإن الحرب الباردة القائمة في بحر الصين بين واشنطن وبكين، تعتبر ساحة اختبار رئيسية للمنافسة الصينية الأمريكية. فتصاعد القوة العسكرية للصين، خاصة قوتها البحرية هو من الأمور التي جعلتها قطباً قوياً، يضاف الى قدراتها العسكرية والإقتصادية الأخرى. في حين تحاول أمريكا المدركة لعدم قدرتها على ردع الصين، إحتواء هذه القوة. لكن الأخطر في المستقبل المنظور هو قيام البنتاغون بدراسة مسألة إرسال سفن عسكرية وطائرات مراقبة إلى المحيط الهادئ، وهو الأمر الذي تعتبره بكين مياهها الإقليمية، مما يهدد بأزمة خطيرة بين القوتين العالميتين. وهنا نقول إنه من الواضح صعوبة نجاح المفاوضات بين الطرفين حول هذه المسألة، لأسباب تتعلق بأنها تشكل مسألة أساسية لبكين لا يمكن أن تتنازل عنها، فيما ترى أمريكا أنها ستشكل خطراً على أمنها القومي من منظور السيطرة. وبالتالي فإن أي حلٍ سيكون ظرفياً، في ظل صراعٍ بين أمريكا المنهارة في الشرق الأوسط والساعية لبسط نفوذها في شرق آسيا، وبين التنين الصيني الواضح أنه لن يتراجع.
الوقت- محمد علي جعفر
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق