منظمة “أيباك” الصهيونية ودورها في صنع القرار الأمريكي (٢)
استعرضنا في الجزء الأول من هذا الموضوع تاريخ هذه المنظمة الأخطبوط كما يحلو للبعض وصفها، ونسعى في هذا الجزء إلى تناول الأسباب والعوامل التي أسهمت في بناء رصيد هذه المنظمة من النفوذ في دوائر السلطة الأمريكية، الأمر الذي جعل منها الذراع الاسرائيلية في أمريكا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
عوامل نفوذ أيباك في دوائر السلطة الأمريكية
بالطبع لم تصل منظمة أيباك إلى النفوذ الذي تحظى به في دوائر السلطة الأمريكية، من خلال الصدفة، بل كان وراء نفوذها وسلطانها الكثير من الظروف الممهدة والعمل الممنهج الذي استغل هذه الظروف بشكل جيد. وفيما يلي نذكر عدداً من العوامل التي حققت لهذه المنظمة الدور المؤثر في مراكز صنع القرار الأمريكي:
أولاً: طبيعة النظام السياسي الأمريكي
فالنظام السياسي في أمريكا، قائم منذ فترة طويلة على أساس تقاطع مصالح الطبقات “النخبوية” في المجتمع الأمريكي، والتي تشكل ما يسمى بمجموعات الضغط “لوبيات”، والتي تستطيع أن تمارس سلطة قوية على الكونغرس والبيت الأبيض. ومن أبرز مجموعات الضغط الأمريكية، تلك المرتبطة بصانعي الأسلحة، أو مصالح النفط والطاقة، أو الخدمات المصرفية.
ثانياً: وحدة القرار اليهودي في أمريكا
لم يكن لطبيعة النظام السياسي الأمريكي ليخدم فكرة تشكيل منظمة “أيباك” لولا وحدة القرار اليهودي، فبالرغم من توزع الجالية اليهودية في أمريكا على عدد كبير من الطوائف، إلا أنها تتمتع بقرار جامع على خلاف العديد من الجاليات الأخرى، حيث يحضر في لجنة أيباك التنفيذية، رؤساء جميع الطوائف اليهودية الرئيسية التسعة والأربعين في أمريكا، وهي مجموعات تعرف بتنظيمها ونفوذها.
ثالثاً: بناء تحالفات دينية
خلافاً لغالبية مجموعات الضغط الأمريكية القائمة على المصالح المادية فقط، فإن منظمة أيباك تقوم أيضاً على أساس المصالح الدينية والعقائد الصهيونية، لذلك كان من الأهمية بمكان بناء تحالفات مع بعض الجماعات الدينية في المجتمع، تلافياً لأي اصطدام مع المجتمع المسيحي، حيث تربط منظمة أيباك تحالفات سياسية واسعة وقوية مع المسيحيين الانجيليين، وكذلك مع المحافظين البروتستانت.
رابعاً: التركيز على السلطة التشريعية
فمن يمتلك التشريع، هو من يمتلك القرار، وبالرغم من أن السلطة التشريعية في أمريكا المتمثلة بالكونغرس تخضع لتأثير العديد من اللوبيات، إلا أن قدرة منظمة أيباك على التأثير في هذا المجال تفوق البقية. حيث تساعد “أيباك” المشرعين والمشرعات على الفوز في الانتخابات التشريعية، من خلال الدعم المالي والعلاقات التي يمتلكونها، وفي المقابل يُرد هذا الدعم لها على شكل دعم للقضايا التي تهمها.
وبنفس المبدأ، فأيباك تساعد الرؤساء الأمريكيين على تمرير برامجهم في الكونغرس باستخدام نفوذها على المشرعين الذين ساعدتهم على الفوز بمقاعدهم التشريعية، ويُرد لها هذا الصنيع على شكل دعم البيت الأبيض للقضايا التي تهمها وعلى رأسها الكيان الاسرائيلي.
خامساً: الاهتمام بالاعلام وبناء شبكة علاقات عامة قوية
عملت “أيباك” على توجيه الرأي العام والدعاية للكيان الاسرائيلي عبر شبكات الإعلام وشبكة الأعضاء النشيطين المنتشرين في أنحاء أمريكا ممن يجيدون العلاقات العامة ولديهم القدرة على المحاورة وحتى التجسس. وركزت على سياسة الترويج للهولوكوست، بهدف جذب تعاطف المجتمع معهم.
وتعقد أيباك مؤتمرا سنويا يحضره العديد من أركان الادارة الامريكية وأعضاء الكونغرس الأمريكي إضافة إلى مسؤولين إسرائيليين ويتم فيه التطرق إلى العلاقات الامريكية الاسرائيلية. كما يعمد أعضاء أيباك إلى الاجتماع بكافة المسؤولين في الإدارة الأمريكية والدبلوماسيين والأكاديميين، إضافة إلى اجتماعهم بكافة أعضاء الكونغرس ويحرصون على حضور جلسات الكونغرس عندما تدور المناقشات حول الكيان الاسرائيلي وقضايا الشرق الأوسط.
ومن أجل بناء شبكة علاقاتها العامة، تنظم “أيباك” لإعضائها دورات تدريب على الكسب الجماهيري والاستقطاب السياسي. ففضلاً عن المؤتمرات الرئيسة تولت “أيباك” تنظيم دورات تعليمية وتدريبية عن أساليب كسب الأصدقاء، وركزت بشكل خاص على كيفية استمالة الكونغرس والتأثير عليه، وعلى طرائق العمل في الجامعات والمعاهد. وعادة ما تسترعي انتباه ناشطيها إلى ضرورة تحاشي اللجوء إلى الطرق التي تترتب عليها نتائج سلبية أو آثار جانبية.
وتبدأ علاقة أيباك بأعضاء الكونغرس حتى قبل أن يصلوا إلى مناصبهم حيث يتم تحديد الأشخاص أصحاب الفرصة الأكبر للوصول إلى الكونغرس ويتم نسج العلاقة معهم ودعمهم بانتظار أن “تنضج ثمارهم السياسية” لقطفها.
وفي مجال العلاقات الخارجية، تمد أيباك أذرعها الأخطبوطية إلى حيث تستطيع الوصول، وتقيم علاقات جيدة مع العديد من السياسيين، وبخاصة أصحاب التأثير في منطقة الشرق الأوسط، بما فيهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي منحته وسام الشجاعة في يونيو ٢٠٠٥.
سادساً: اكتشاف شخصيات مؤهلة لاقتحام عالم السياسة
لم يقتصر نشاط منظمة “أيباك” على بناء العلاقات مع شخصيات نافذة في عالم السياسة، بل تعداه إلى محاولة صنع هذه الشخصيات المؤثرة، ومن الأمثلة على ذلك “مارتن إنديك” الذي أقنعه أستاذه “ستيفن روزون” الذي شغل منصب مدير الشؤون الخارجية في أيباك لمغادرة استراليا والذهاب إلى واشنطن للعمل في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى وهو أحد مراكز الأبحاث والدراسات التابعة لأيباك وبعدها اختير “إنديك” ليكون أحد مساعدي مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس بيل كلينتون ومنها إلى وزارة الخارجية الأمريكية حيث عمل مساعدا لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط. كما استطاع “روزون” الدفع بتلميذه السابق أيضا “دينس روس” لشغل منصب مسؤول عملية السلام في الشرق الأوسط أثناء ولاية كلنتون.
آفاق علاقة أيباك بالبيت الأبيض؟
بما أن علاقة أيباك بالبيت الأبيض قائمة على المصالح، فهذه العلاقة مرشحة للانحدار، في حال تناقضت هذه المصالح، وهذا ما يحدث حاليا في ظل التوتر الناجم عن توقيع أمريكا للاتفاق النووي الإيراني في ظل ضغوط شديدة من أيباك لتعطيل الاتفاق وحرمان ايران من حق تخصيب اليورانيوم. وقد أوردت صحيفة جيرازليم بوست الاسرائيلية عدم نية الرئيس الأمريكي ونائبه ووزير خارجيته المشاركة بمؤتمر أيباك هذا العام.
ويشكل الاتفاق النووي الإيراني، امتحاناً لقدرة أيباك على التأثير على القرار الأمريكي، الأمر الذي قد تظهر نتائجه خلال الأسابيع القليلة القادمة.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق