الأزمة الاقتصادية البرازيلية وعجلة الإصلاحات
شهدت البرازيل أول أمس مظاهرات واسعة شملت ١٢ مدينة في مختلف أنحاء البلاد، ونظّم هذه المسيرات مؤسسات وهيئات اجتماعية كانت قد دعت الى التظاهر احتجاجاً على تردي الوضع الاقتصادي بالبلاد اضافة الى سوء الادارة المالية، وبدأت هذه المظاهرات صباحاً حيث أغلق المحتجون الشوارع ومنعوا وسائل النقل من الحركة كما تم اغلاق المدارس أيضاً وعبّر المتظاهرون عن رفضهم للميزانية المطروحة مطالبين بتحسين الأوضاع والعمل على خفض معدلات البطالة.
هذه الاحتجاجات ليست الأولى من نوعها ففي ١٥ آذار من هذا العام تظاهر ما يقارب مليون ونصف المليون شخص بسبب الأزمة الاقتصادية في البلاد، إضافة إلى فضيحة فساد في مجموعة بتروبراس النفطية التابعة للدولة وطالب المتظاهرون وقتها برحيل الرئيسة ديلما روسيف وكذلك في حزيران ٢٠١٣ قبيل تنظيم كأس العالم لكرة القدم جرت موجة من الاحتجاجات المناهضة للضائقة الاجتماعية والاقتصادية.
هذه الاحتجاجات جاءت نتيجة لتدهور الوضعين الاقتصادي والاجتماعي حيث تشهد البرازيل والتي تمثل القوة الاقتصادية السابعة في العالم تزعزعاً قويا إذ قفز التضخم إلى ٧.٧ في المئة، ويزداد حجم عجز الحسابات العامة مع تدهور سعر صرف الريال كما ذكرت وزارة التجارة أن عجز الميزان التجاري للبرازيل عام ٢٠١٤ بلغ ٣.٩٣ مليار دولار وأدى تدهور الميزانية الى إضعاف العملة المحلية (الريال)، ونقصان الدولارات الواردة الى الدولة تسبب بزيادة الضغوط حيث أن الواردات أصبحت أكثر تكلفة بالعملة المحلية.
هذا وكان البنك المركزي البرازيلي قد أعلن أن البلاد أنهت عام ٢٠١٣ بوجود عجز في الميزانية بقيمة ٣٢.٥ مليار ريال برازيلي وهو ما يعادل ١٣.٨ مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل %٠.٦٣ من الناتج المحلي الإجمالي، ويعتبر هذا العجز أول عجز سنوي من نوعه منذ اعتماد البنك المركزي على النهج الحالي في عام ٢٠٠١ وهو يعكس الفجوة بين الايرادات والإنفاق الحكومي على السلع والخدمات ومن المتوقع أن ينكمش اقتصاد البرازيل والذي هو الأكبر في أمريكا اللاتينية بأكثر من %١ العام الجاري الأمر الذي يدفع البلاد نحو أسوأ ركود منذ ربع قرن.
هذا العجز الاقتصادي وتدهور الميزانية المستمر منذ عقود يكمن وراء الاحتجاجات التي تجتاح البرازيل بين الفينة والأخرى اضافةً الى اجراءات الدولة والمشاكل الاجتماعية التي شملت قطاع التعليم وتسببت بتردي أحوال المدارس بشكل عام بالإضافة إلى انتشار الجرائم المنظمة وخاصة تجارة المخدرات شأنها في ذلك شأن معظم دول القارة الأمريكية وكذلك مشاكل الجوع والبطالة والفقر والتفاوت بين الطبقات في المجتمع.
هذا الذي تعاني منه البرازيل يعد تحدياً خطيراً للرئيسة ديلما روسيف التي يجب عليها أن تحافظ على التصنيف الائتماني للدولة والتي كانت في وقت سابق قد عينت جواكيم ليفي وزيراً للمالية وتعهد ليفي بخفض التمويل الحكومي لمرافق الكهرباء المثقلة بالديون ودعا إلى إجراء إصلاحات للأعمال التجارية مثل توحيد الضرائب بين الولايات في البلاد للحد من الشكوك القانونية وجذب الاستثمارات، هذا واعتبر جايدو مانتيجا الخبير الاقتصادي بجامعة شيكاغو قرار الرئيسة البرازيلية بتعيين جواكيم ليفي وزيراً بالقرار الأهم وأحد أهم التدابير لتصحيح المسار واستعادة مصداقية البرازيل بين المستثمرين.
وقال برونو لافيري الخبير الاقتصادي في مؤسسة تندنسياس ومقرها البرازيل إن تدهور وضع الميزان التجاري الحالي يرجع إلى تعثر المفاوضات التجارية بين مجموعة ميركوسور التي تنتمي اليها البرازيل والاتحاد الأوروبي وتباطؤ النمو وانخفاض أسعار السلع الأولية، وعن الاجراءات المتخذة لتحسين الوضع نوه رئيس فريق الأبحاث الاقتصادية في جولدمان ساكس ألبرتو راموس الى أن التعديل الكلي مكلّف بلا شك من وجهة النظر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولكن الفشل في تبني التعديل المطلوب يؤدي إلى مسار أكثر تكلفة.
الجدير بالذكر أن الركود الإقتصادي والمشاكل الاجتماعية التي تعاني منها البرازيل والتي لم تستطع الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف تحسينها الى مستوى الطموح الشعبي تسبب في العديد من المظاهرات والاحتجاجات في الشوارع تنديداً بما ترتكبه الحكومة من فساد مالي رغم كل جهود روسيف الى تحسين الوضع، وهذا تسبب بخسارة روسيف للتأييد الشعبي بعد أن كانت قد فازت في الجولة الثانية من الانتخابات النهائية أمام مرشحة الحزب الاشتراكي البرازيلي مارينا سيلفا.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق