الأمن القومي الأمريكي: سياسات إستراتيجية قائمة علي التقسيم والخلافات
ينظر الكثيرون الى القوة الأمريكية من منطلق أنها قوة عظمى، لكن المحلل لتاريخ السياسات الأمريكية الإستراتيجية، يدرك أن أسس التطبيق العملي لمخططات واشنطن، تقوم على تأجيج الخلافات بين الدول، بعد أن قامت على التقسيم الداخلي لبعضها. وهو الأمر الذي يجعل من الأمن القومي الأمريكي، مشروعاً يرتبط بالنزاعات الدولية، بحيث أنه يحيا على تقاتل الأنظمة فيما بينها. فكيف يمكن إثبات ذلك من خلال تحليل الحقائق التاريخية للسياسة الإستراتيجية الأمريكية؟
إن قراءة التاريخ السياسي وبطريقة موضوعية، يجعل المحلل يخلص الى عددٍ من النتائج، والتي تتعلق بكيفية إدارة أمريكا لمنظومة الأمن القومي الخاصة بها، عبر تحريكها لأدواتها من الدول الغربية ودول الشرق الأوسط. وبالتالي فإن الحديث عن مخططات أمريكا الإستراتيجية، نقاشٌ يتخطى السياسات التنفيذية، ليطال العقل المفكر، وهو الذي سيتبين في النتيجة أنه عقلٌ قائمٌ على بناء منظومات الفوضى الخلاقة. فكيف أرست أمريكا ذلك في سياستها الإستراتيجية العامة؟
يمكن وصف السياسة الإستراتيجية العامة لواشنطن، بأنها سياسة تقوم على تفعيل الأزمات في النظام الدولي، عبر دعم الإنقلابات الملونة، وتوجيهها لتغيير الأنظمة الحاكمة. كما تشمل الخطة العامة، إحاطة القطبين روسيا والصين بحزامٍ من عدم الإستقرار. فيما خصصت لإيران كدولةٍ صاعدة، خطة تقوم على إثارة المشاكل بينها وبين الدول الخليجية، وزيادة الضغط عليها عبر العقوبات الإقتصادية.
لذلك وبمجرد النظر الى العالم اليوم، نجده عالماً مليئاً بالحروب الأهلية التي تراق فيها الدماء، الى جانب أن أغلب الدول أصبحت مفككة، مما سهل تسلل الإرهاب اليها لملء الفراغ. وكل هذه الأمور أدت الى حصول تبعات سلبية على النظام العالمي من عدم الإستقرار، الى زيادة حدة الصراعات الجيوسياسية وتعميق الخلافات بين الدول، والطوائف والأديان. وهنا يأتي السؤال الأهم: كيف نفذت أمريكا ذلك تفصيلياً؟
على صعيد الأزمة الأوكرانية الروسية، سعت أمريكا من خلال إثارة الأزمة الى تبديل الحكم وإيجاد حالة من عدم الإستقرار داخل أوكرانيا، مما يؤدي الى تعاظم الصراعات الداخلية وصولاً إلى الحرب الأهلية، وكل ذلك للإضرار بروسيا. الى جانب أن أغلب المراقبين، يفسرون القرار بالإنسحاب المتوقع لقوات الناتو من أفغانستان، بأنه يهدف إلى إحداث أضرار أمنية سلبية على الجانب الروسي.
وعلى صعيد الأزمة السورية ساهمت أمريكا في تعميق الخلافات بين النظام السوري والمعارضة، واعتمدت على حلفائها الخليجيين الذي اختلفوا فيما بينهم، مما عمق بالنتيجة الخلافات في الرؤى، وزاد من تعقيد الازمة. أما اليوم فنجد أن تركيا وقطر والسعودية، اتفقت فيما بينها على سياسة دعم الإرهاب في سوريا وتوحيد الجبهة، من أجل الضغط على النظام أكثر. وهو ما جاء بحسب المراقبين كأحد نتائج قمة كامب ديفيد الأمريكية، الى جانب أن التحليلات تشير الى أن أصل الخلافات التركية السورية، بدأت منذ ما قبل الأزمة السورية، بل كانت نتيجة دخول تركيا في مظلة السياسات الأمريكية منذ زمن.
أما بالنسبة للعدوان السعودي علي اليمن، فقد كان من الواضح تبني أمريكا للعدوان بعد حدوثه، من خلال دعم السعودية عسكرياً ولوجستياً. كما أنه ومن خلال الأحداث التي سبقت العدوان، ساهمت أمريكا في دعم الضغط الدولي على اليمن، لوضعه تحت الفصل السابع. وبالتالي فإن الدور الأمريكي السياسي دولياً، ساهم في شحن الداخل اليمني، وتغطية الجرائم الإرهابية التي حصلت قبل العدوان، وصولاً الى تبني العدوان السعودي.
وفيما يتعلق بمحاولات أمريكا بسط نفوذها في منطقة شرق آسيا، فقد ساهمت واشنطن في زيادة التوترات بين الدول هناك، والتنين الصيني. وهو الأمر الذي ترجمته السياسة الأمريكية، عبر بناء منظومة صاروخية قررت من خلالها كسب ود اليابان، الى جانب أن واشنطن أعلنت ومنذ سنوات عن خططٍ لتسليح تايوان، وهو الأمر الذي اعتبرته الصين إنتهاكاً يؤثر على أمنها القومي. وبالتالي فقد ساهمت أمريكا في زيادة الشرخ بين الصين وجيرانها.
وبالحديث عن العلاقات الباكستانية الهندية الأفغانية، فقد لعبت أمريكا على التوترات بين هذه الدول. وبفعل خروج القوات الأمريكية من أفغانستان، ساءت الأوضاع الأمنية في البلاد، لذلك كان ينبغي على أمريكا أن تشجع الجهود الهندية لمساعدة أفغانستان في مجالات الديمقراطية والإقتصاد والأمن المدني. فقد كانت الهند شريكاً هاماً في المساعدات الإقتصادية لأفغانستان، لكن الواقع الذي أرسته السياسة الأمريكية، الى جانب تضارب المصالح بين الدول، جعل باكستان تعترض على الدور الهندي، مما أحدث مشكلة بين هذه الدول.
من الواضح أن تاريخ السياسة الأمريكية حافل بالإنجازات على حساب الشعوب والدول. فالتقسيم وزيادة الخلافات، شكل البناء الأساس لسياسات أمريكا الإستراتيجية. واليوم تغرق الدول في مشاكلها التي تخطت الجغرافيا السياسية للدول، لتصبح هماً مشتركاً بين الجميع.
الوقت- محمد علي جعفر
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق