المعارضة التركية ورفضها دعم الإرهاب في سوريا
عند تقييم السياسات الدولية، ينظر لتاريخ التعاطي السياسي بين الدول. وهنا يمكن القول إن القليل من الدول تنجح في هذا الملف، بسبب التعقيدات التي تواجهها، وبالخصوص عندما تكون براغماتية المنطلق السياسي، بعيدةً عن المبادئ. ولعل تركيا الدولة الباحثة عن دورٍ منذ سنوات، تشكل نموذجاً واضحاً للبلد الذي يتخبط بين مشاكل داخلية بنيوية، ومحاولاتٍ خارجية لفرض الذات. لكن الواضح اليوم هو حجم الخلافات الداخلية العميقة، والتي تواجه بالتحديد رجل الطموح العثماني، أردوغان، الذي أصبح يواجه معارضةً داخلية لا تختلف معه فقط فيما يخص إدارة البلاد، بل تختلف معه فيما يخص السياسة الخارجية التركية، لا سيما فيما يتعلق بالتعاطي مع الأزمة السورية. فكيف تقيم المعارضة الداخلية أداء الحزب الحاكم في السياسة الخارجية؟
منذ سنواتٍ طويلة والمعارضة التركية الداخلية، توجه انتقادات شديدة للحكومة التركية. ولعل أبرز المعارضين لذلك كان رئيس حزب الشعب المعارض كمال اوغلو، عندما انتقد الموقف الحكومي التركي من الأزمة السورية عام ٢٠١٢، مندداً بمساندة الحكومة التركية لما وصفه حينها “ببعض المعارضة السورية والمسلحة منها”. وهو الأمر الذي يبدو جلياً اليوم أيضاً، وبالخصوص بعد التسريبات الأخيرة المتعلقة بشاحنة الأسلحة التركية المرسلة للإرهاب في سوريا. كما أن رد فعل أردوغان على ذلك محاولاً إدخال الموضوع في السياق الإنتخابي، وقيامه بتهديد الكاتب الذي كتب المقال، أجج الرأي العام التركي ضده. وما زاد الأمور تعقيداً هو تأكيد الإعلام التركي أن الشاحنات التي نشرت صورها، تعود الى الإستخبارات التركية وتنقل اسلحة وذخائر الى الجماعات التكفيرية التي تسعى لإسقاط النظام. وبالتالي فمن الواضح أن سياسات الحزب الحاكم الخارجية والتي تتعلق بالتحديد بالأزمة السورية، تواجه رفضاً داخلياً. وهنا يأتي السؤال الأهم: كيف يمكن تحليل سياسة حزب العدالة والتنمية الخارجية، وبالتحديد تجاه سوريا؟
أشار الباحث التركي عمر تاشبنار، في دراسته، بعنوان “الرؤية الإستراتيجية التركية تجاه سوريا”، الى أن النخب التركية الحاكمة، لديها ثلاث رؤى إستراتيجية للسياسات الخارجية وهي: العثمانية الجديدة، والتي روج لها حزب العدالة والتنمية الاسلامي الحاكم، والكمالية وهي الرؤية الإستراتيجية لحزب الشعب العلماني المعارض، والرؤية الثالثة هي ما يمكن تسميته بالوطنية التركية، وهي تجمع عناصر مشتركة من الرؤيتين.
وهنا نركز على السياسة “العثمانية الجديدة” التي يتبناها حزب العدالة والتنمية الحاكم، والتي تهدف الى تعزيز النفوذ السياسي والإقتصادي والدبلوماسي والثقافي، في البلدان التي كانت سابقاً من مكونات الإمبراطورية العثمانية. وهي محاولة من النخب الجديدة الحاكمة لتوسيع الآفاق السياسية الجيواستراتيجية لتركيا، التي كانت في العقود السابقة مرتبطة تماماً بمسارها نحو الغرب، بعيداً عن الإلتفات الى دول الجوار. ولذلك فإن هذه السياسة كانت السبب في إنعاش الإقتصاد التركي، وهو الأمر الذي يسجل لحزب العدالة والتنمية الحاكم. وبالتالي فقد حاولت العثمانية الجديدة تقديم تركيا على أنها قوة إقليمية واثقة من نفسها، ودولة مركزية في المنطقة عليها ان تلعب دوراً نشطاً فيها وعلى كل الصعد، محاولةً بذلك تحقيق شيء من التوازن بين النزوع الإقليمي لأنقرة وتوجهها القديم نحو الغرب. لكن التناقض الواضح بين شعارات أردوغان وسياسته التطبيقية، ظهر جلياً في التعاطي التركي مع الملف السوري. فقد سبق أن أعلن أردوغان بعد وصول حزبه الى السلطة، عام ٢٠٠٢، الى ما سماه حينها، “سياسة صفر مشاكل مع الجيران”. وهو الأمر الذي يتبين اليوم أنه غير قائم. فتركيا ومنذ ١٣ عشر عاماً تعيش تقلباً في السياسة الدولية مع سوريا. فالعداء التاريخي تجاه سوريا ظل واضحاً حتى العام ١٩٩٨، عند توقيع اتفاقية أضنة.
ومنذ ذلك الوقت، نمت بين النظامين علاقات تعاون على كل الأصعدة، سياسياً وإقتصادياً وأمنياً. حتى وصلت الى حد إعلان تركيا حينها أن سوريا هي بوابتها لدخول منطقة الشرق العربي. لكن ما يتبين اليوم، هو أن هذا الشعار كان يخفي في جوهره السعي التركي ومن ورائها الغرب، الى إبعاد النظام السوري عن محور المقاومة الذي ترأسه إيران. ولذلك وبعد ٣ أشهر من بداية الأزمة السورية، وبعد أن أدركت تركيا أن نفوذها السياسي على النظام السوري ليس كما كانت تتوقعه، بدأت التغيير في السياسة الخارجية تجاه سوريا، وقامت بعددٍ من الاجراءات ضد النظام السوري، من دعم نشاط بعض أطراف المعارضة، الى تشكيل المؤتمرات، وإعلان عقوبات على النظام، وصولاً الى دعم الإرهاب اليوم.
ومنذ ذلك الحين زادت معارضة حزب الشعب لحكومة أردوغان، متهماً اياها بالرضوخ لسياسات الغرب. وأخذت تتفاقم أحداث التوترات الطائفية الداخلية، كإنعكاس لما يجري في سوريا، حيث تبين أن المواقف المعارضة للحكومة التركية بشأن التعاطي مع الأزمة السورية، نابعة من موقف غير علماني، بل ديني وطائفي وهو الأمر الذي يضرب الإستقرار الداخلي التركي. لذلك فإن زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو شدد منذ أيام، على ضرورة احترام جميع الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية مشيراً الى التدخل التركي في الشؤون المصرية والسورية. مضيفاً أنه يسعى وحزبه، لتحسين العلاقات مع الدول الأخرى التي تضررت بسبب سياسة الحكومة التركية الخاطئة. مشيراً إلى أن حزبه يرغب في عقد مؤتمر دولي للتوصل إلى حل جذري للمشكلة السورية من خلال حل سلمي.
إذاً، يتبين اليوم حجم الإختلاف التركي الداخلي في التعاطي مع الأزمة السورية. فالأمور وصلت الى مرحلة تهديد الأمن القومي. وهو ما قد ينعكس على الإنتخابات التشريعية في بداية الشهر المقبل. فهل ستعكس نتائج صناديق الإقتراع، الإستياء الواضح من سياسة الحزب الحاكم؟
الوقت- محمد علي جعفر
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق