أهمية العلم في مواجهة الارهاب
لا يختلف إثنان على أن الجهل هو الحاضن الأول والأهم للارهاب، فالارهاب الذي يتمثل في منطقتنا بالتنظيمات التكفيرية وعلى رأسها تنظيم داعش الارهابي، يجد غالباً حاضنته الشعبية بين غير المتعلمين، وخاصة من فئة الشباب الذين يملؤون الفراغ الذهني لديهم، بما يمليه عليهم الفكر التكفيري دون أدنى تمحيص. ونحن هنا لا نقصد من كلمة “العلم” ما يختزنه المرء في ذهنه من مفاهيم ومعلومات، بل ما نعنيه هو المنهج العلمي القائم على “الفهم السليم والعقل”، وإلا فإنه لا يمكننا أن ننكر أن هناك شخصيات حاصلة على شهادات جامعية بين قيادات داعش، وهي تقوم بالاستعانة بمخابرات دولية، بإدارة دفة التنظيم الخطير من خلال التخطيط الدقيق والعمل الممنهج، كما لا يمكن أن ننكر بأن تنظيم داعش الارهابي يهتم بتعليم الأطفال في المناطق الخاضعة لنفوذه، ولكن بعد أن يقوم بتعديل المناهج بما يتلائم مع سياساته، وبعد أن يقوم بحذف العلوم التي قد تشكل تهديداً له، كعلوم الفلسفة والمنطق.
إلا أننا يمكننا القول وبكل ثقة إن الغالبية العظمى للمتعلمين لا يمكن لها أن تقبل بشكل من الأشكال، بمبادئ داعش الارهابية القائمة على تكفير الطرف الآخر، وإباحة دمه وماله وعرضه، خاصة وأن ممارسات داعش الارهابية، تخالف مقتضى الفطرة الانسانية السلمية.
وهنا تجدر الاشارة إلي أهمية العلم والتعليم لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة التي تستهدف مجتمعاتنا العربية والاسلامية، ولابد من الاهتمام بمحاربة الجهل كونه العامل الأخطر الذي يساعد على نشر الارهاب، ونشير فيما يلي إلي عدة ملاحظات حول أهمية العلم في مواجهة الارهاب:
أولاً: الجهل يعني تعطيل العقل، ومع تعطيل العقل تغيب الشخصية العلمية، أي الشخصية التي تستعصي على قبول القضايا بلا شاهد أو دليل، خلافاً للعقلية الارهابية، التي تتسم بالتعصب لأفكار خطيرة دون تمحيص، ومن دون النظر إلى النقد الواسع حول هذه الأفكار. ولعل أخطر أنواع الجهل، هو الجهل المركب، حيث يعتقد المرء أنه يعلم دون أن يدري أنه لا يعلم، وهؤلاء وصفهم الله تعالى بالأخسرين أعمالاً، وهذا هو حال التكفيريين، الذين ينفذون العمليات الانتحارية في المساجد والأسواق، ويذهب ضحيتها مئات الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ، الذين لا ذنب لهم، وكل ظنهم أنهم يتقربون إلى الله بهذا الدم الذي يسفكونه وأن أحضان الحور العين تنتظر قدومهم.
ثانياً: إن من أصول المنهجية العلمية، تغليب المنهج العقلي على المنهج الاخباري، خلافاً للذهنية الارهابية المتحجرة، إذ أن الارهابي عندما ينظر إلى قلبه وفطرته يراه رافضاً للظلم وقتل الأبرياء، إلا أنه عندما يسمع أن ابن تيمية مثلاً قد قال بكفر طائفة من الناس، وعندما يحيط أفكار ابن تيمية بقداسة موروثة غير ممحص بها، تجده يستحل دماء وأموال وأعراض هذه الطائفة، وهذا ما صرح به زعيم تنظيم القاعدة في سوريا أبو محمد الجولاني في الحوار الذي أجرته معه قناة الجزيرة القطرية مؤخراً، حيث صرح بأن على العلويين التبرؤ من طائفتهم إذا أرادوا حقن دمائهم!.
ثالثاً: الانسان المتعلم، يعلم من حكم تجربته أن الاختلاف بين الناس سنة إلهية، فلا يفضّل نفسه على بقية البشر لمجرد أنه وُلد على مذهب معين، ولا يحكم على أناس بالقتل والسبي لمجرد أنهم ولدوا على مذهب يخالف مذهبه، فالناس كما قال الإمام علي عليه السلام “إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق.”
رابعاً: إن الإنسان المتعلم الذي يستعمل علمه، يقي نفسه من العزلة والتهميش في المجتمع، بينما يتجه الانسان الجاهل كرد فعل على شعور التهميش والعزلة الذي قد يتولد عنده، نحو الأفكار الارهابية المتطرفة، التي توهمه أنه قادر على انجاز أمر ما على درجة كبيرة من القدسية والأهمية، مما يجعله مُهيئاً للالتحاق بالمنظمات الارهابية.
خامساً: الجهل يجعل الشاب يتقبل أي تعبئة، بما فيها التعبئة في صفوف التنظيمات الارهابية، وذلك نتيجة غياب الرؤية الجامعة، حول سبيل نجاة الأمة، والأسس السليمة للدعوة للاصلاح، إذ أنه قد يكون في قرارة نفسه يرمي إلى الاصلاح، لكنه يخطئ في اختيار الطريق السليم، نتيجة لجهله، فتراه بمجرد أن سمع بعض الشعارات الرنانة، مال إليها دون أن يلتفت إلى حقيقة من يقف ورائها.
سادساً: إن الاعتبار من تجارب التاريخ صفة المتعلم، فهو ونتيجة للمطالعة الواعية لهذه التجارب، يتوخى الدقة في اختيار المنهج الصحيح، ليجنب نفسه ومجتمعه مآلات مأساوية قد وقع بها أسلافه نتيجة الخضوع للدعاية الخبيثة، حيث يذخر التاريخ بكثير من الشواهد على نتائج العنف والارهاب والتضليل، وما تسبب به من شرذمة للأمة، وإضعاف وحدتها، وتكالب الأعداء عليها.
سابعاً: لا شك بأن للعلم ارتباطاً وثيقاً بالقدرة على إيجاد فرصة العمل، والتخلص من البطالة، والتي تعد أيضا من أهم أسباب توجه الشباب نحو التطرف والارهاب، حيث أن غالبية العاطلين عن العمل في المجتمع هم من غير المتعلمين، لكن هذا لا ينفي مسؤولية الحكومات في محاربة البطالة وإيجاد فرص عمل لعموم الشباب، سواء المتعلمين منهم أو غير المتعلمين.
ثامناً: إن تعلم المرأة يسهم بقدر كبير في تحقيق التربية السليمة وحفظ الأسرة، حيث أن الارهاب يجد حاضنة كبيرة في البيوت المهدمة، التي تفتقد إلى أواصر المحبة والاستقرار، وهنا تبرز أهمية العلم للمرأة التي تحاول التنظيمات الارهابية حرمانها من التعليم، ليبقى أولادها عرضة للأفكار المسمومة التي تبثها هذه التنظيمات دون رادع أو وازع.
إن المجتمعات التي ترغب أن تحصن نفسها ضد الارهاب، عليها أن تلتفت بشكل جدي إلى أهمية العلم والتعليم، في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، وفي حال قصرت في هذا المجال، يصبح حال الارهاب في بلدانها كقول الشاعر: “كآفة الدود لاقت من يُربيها”.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق