شخصية الإمام الخميني(قدسره): بين قيادة الثورة الإسلامية وتأسيس حضارة الإنسان
إن قراءة التاريخ بصورته الحقيقية ومحاولة الإستفادة منه، تحتم الوقوف عند سيرة الشخصيات التي كانت بحركتها مفصليةً في تاريخ الشعوب. فقراءة تجربة القيادات الحكيمة التي دخلت التاريخ، هي من الأمور التي دائماً ما تستوقف المنظرين والمفكرين، وواضعي السياسات الإستراتيجية، لما تحتويه من دروسٍ قيِّمة في القدرة العالية لهؤلاء القادة، على ربط الماضي الذي عاشوه، بالحاضر الذي خططوا له، وهو جوهر الإستراتيجيات الناجحة. وعند قراءة التاريخ المعاصر وبموضوعية، نجد وبوضوح أن شخصية الإمام الخميني، شكلت نموذجاً توقفت عنده العديد من القيادات السياسية والدينية، على الرغم من اختلاف انتماءاتها وتوجهاتها الأيديولوجية، الى جانب تعددها الديني والطائفي والمذهبي. فكيف استجمعت شخصية الإمام الخميني آراء الأضداد؟ ولماذا شكَّل القائد الخالد بتجربته، نموذجاً يحظى بالعالمية؟
تعودنا أن تلقى شخصيةٌ واحدة، إجماع عددٍ من المفكرين أو المنظرين أو رجالات الدين، لكن شريطة أن ينتموا لنفس المدرسة الفكرية أو الدينية. لكن الإمام الخميني(قدسره)، شكل بحد ذاته مثالاً، للحالة التي اتفق في وصف عظمتها، عدد كبيرٌ من المفكرين الذين كانوا يتمتعون بحيثيةٍ معينة. وهنا لا بد من عرض بسيط لبعض ما قيل في الإمام الخميني(قدسره)، ليأتي بعده الحديث عن دلالات ذلك.
• رئيس جمهورية أفريقيا الجنوبية السابق وزعيم النضال ضد العنصرية والتمييز العنصري نيلسون مانديلا قال في حديثه عن الإمام: ” كان ابن الإسلام المعروف. وكان له نصيب كبير في إرشاد الأجيال المسلمة الحالية والقادمة إلى الطريق الصحيح”.
• راشد الغنوشي قائد حركة النهضة الإسلامية في تونس أشار في حديثه عن الإمام قائلاً: “تتجلى شخصية الإمام الخميني (رض) بمثابة قائد عقائدي وسياسي وثوري يحمل على عاتقه آلام جميع العمال، إن هذه الشخصية في الواقع تبلور لتطلعات وآمال الأمة كافة وتسير بها نحو الطريق الواضح والصحيح”.
• فهمي هويدي وهو المفكر العربي والمصري الكبير وصف إنجاز الإمام الخميني بالقول: “حقق الإمام الخميني (رض) الإنتصار للمستضعفين والتقدم المهم للمواقف الإسلامية في العالم المعاصر. لقد أثبتت أقواله أن الدين عنصر مؤثر وفعال في تحريك الشعوب، على عكس الذين ادعوا أن الدين هو أفيون الشعوب وعامل على خمولها وضعفها”.
• البابا جون بول الثاني وهو زعيم الكاثوليك في العالم، عبر عن احترامه لفكر الإمام الخميني قائلاً: “إنني دائماً أدعو لكم ولقائدكم. فمن الواجب التحدث حول ما فعله (الإمام الخميني) في بلاده وفي جزء واسع من العالم باحترام كبير وفكر عميق”.
• الأسقف كابوتشي وهو ممثل المسيحيين الفلسطينيين في ايطاليا وصف الإمام بقوله: “كان الإمام أباً لمستضعفي العالم. إنه زعيم روحي، وقائد سياسي ديني عظيم، لقد كان انتصار ايران على القوى العظمى في العالم، نتيجةً للإيمان القوي للشعب بالله وبقيادة الإمام الخميني.”
• فاليري مارشينكو وهو المبلغ المسيحي وعضو لجنة السلام في الإتحاد السوفيتي سابقاً، قال وبصراحة: “أنا مسيحي من الأرثوذوكس. لقد قام الإمام الخميني بعملٍ عظيمٍ في لفت أنظار وانتباه الإتحاد السوفيتي نحو الدين، والتحق بالرفيق الأعلى وكان قد أدّى واجبه تجاه جميع المؤمنين”.
• أشار الدكتور مصطفى أيوب وهو عالم أمريكي مسلم ومسؤول مجموعة دراسات الأديان في جامعة تامبل الامريكية قائلاً: “أعتقد أن من جملة أهم الآثار لنهضة الإمام الخميني هي أنها حولت الحكومة في بلد كبير وذي أهمية إسلامية من ماهيته العلمانية إلى الماهية الإسلامية والدينية. وبهذا فإن الجمهورية الإسلامية الايرانية أصبحت أنموذجاً للحركات الإسلامية في العالم. أرى أن الإمام من ناحية القدرة الفكرية لم يكن شخصاً أو ظاهرة فردية بل كان من صنّاع التاريخ.
فما هي دلالات هذه الآراء؟
بعد عرض الآراء المختلفة، نجد أن الجميع اتفقوا في وصف دوره بالعالمية، الى جانب احترام قدرته على تحقيق الأهداف التي وضعها. كما شكل الإمام بنظرهم، نموذجاً للقائد القادر على إحياء الشعوب بعد استنهاضها. وهنا يأتي السؤال الأهم: لماذا تميزت حركة الإمام بالعالمية وحظيت بهذا الاحترام؟
من خلال قراءة تجربة الإمام الخميني، يتبين لنا أنه استطاع تحقيق الأهداف من ثورته، عبر التركيز على ثلاث أسس وهي ربط الإنسان بوجوده وقضاياه، وتشخيصه للزوم السعي لإقامة الحكومة الإسلامية كهدفٍ إستراتيجي الى جانب اعتقاده بمفهوم أصل الولاية في عصر الغيبة. ولو دققنا في هذه الأسس الثلاثة، لوجدنا التالي:
• إن الأساس الأول وهو ربط الإنسان بوجوده وقضاياه، هو من الأمور التي تعني عملياً إشراك الفرد في قضايا الأمة، وبالتالي الإعتراف بحقه في التعبير عن رأيه في كل ما يتعلق بشؤونه التي تتخطى الذات. وهو الأمر الذي يقول عنه منظروا بناء الحضارات، القدرة على الربط بين إهتمامات الإنسان والواقع، مما يزيد من إنتاجه الثقافي والفكري والعلمي.
• بالنسبة للأساس الثاني وهو تشخيصه للزوم السعي لإقامة الحكومة الإسلامية، هو من الأمور التي تعني تحقيق ما أجمعت عليه كافة الأديان السماوية، في أن الإسلام هو الدين الأكمل. وبالتالي فقد حدد الإمام للشعوب المعيار العملي لإنتقالهم من حالة الأهداف الخاصة، الى حالة العمل من أجل جميع الأمم التي لن ينجيها إلا تعاليم الدين الأخير، والذي يحترم كافة الأديان. وبالتالي فهذا يعني بالمفهوم الحضاري، إنهاء القلق والإضطراب الناجم عن رفض الآخرين.
• أما بالنسبة للأساس الثالث، وهو الإيمان بمفهوم الولاية في عصر الغيبة، فهو حقيقةً عبارةٌ عن ربط الأمة بقائدٍ واحدٍ لإدارة شؤونها، وهو الأمر الذي يَجمع الأمة في إطار القيادة الحكيمة القائمة على معرفة أمور الدين والسياسة (الفقه السياسي) الى جانب القدرة على تطبيق المناحي الأخلاقية للأديان بطريقة عملية (العرفان العملي). مما يؤدي الى بناء منظومة مجتمعية قائمة على وحدة الهدف والأسلوب الإجتماعي.
إذاً استطاع الإمام الخميني(قدسره) ربط النظرية التي قامت على أساسها الثورة الإسلامية، بالمفاهيم العملية لحضارة الإنسان. وهو الأمر الذي جعل الجميع يختبرون تجربةً حقيقيةً لمنظومةٍ تكون للجميع دون إستثناء. لذلك فإن كل هذا الإحترام والتقدير الذي لقيه الإمام عبر التاريخ، جاء كرد فعلٍ طبيعيٍ على إنجازاته الخالدة، في ترسيخ مبادئ حضارة الإنسان وهو الأمر الذي تحتاجه الشعوب بفطرتها.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق