التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

التهويل البريطاني من الإرهاب بين الواقع الميداني والأهداف المبيتة 

 منذ انطلاق الحرب في سوريا وتدفق أعداد كبيرة من المرتزقة الإرهابيين من أصل أوروبي للقتال في هذا البلد، ولاحقا في العراق، إلى جانب التنظيمات الإرهابية هناك، فتح الباب أمام سيل من المخاوف الجدية من عودة بعض هؤلاء الإرهابيين للأراضي الأوروبية، وفي حين إن ما صدر من قرارات من تلك الدول، حول العمل لمنع عودة هؤلاء واعتقالهم والتحقيق معهم في حال عودتهم لأوروبا، كانت كافية للإطمنان بنسبة كبيرة جدا إزاء خطر الإرهابيين، لكن ما يثير الشك في النوايا البريطانية والفرنسية تحديدا هو استمرار التهويل من هذا الخطر طوال السنوات الخمس للحرب في سوريا وحتى اليوم.

 

فعلى الصعيد البريطاني، تحدثت مصادر الشرطة البريطانية مؤخرا عن رحيل ما يقارب سبعمائة بريطاني إلى سوريا للقتال مع تنظيم داعش وأن أكثر من نصفهم تمكنوا من العودة إلى بلدهم منذ ذلك الحين وحاليا هم يشكلون خطرًا إرهابيًا كبيرا على الداخل البريطاني، وتحدث مسؤول وحدة مكافحة الإرهاب مارك رولي أن ٣٣٨ شخصًا اعتقلوا بسبب جرائم لها صلة بالإرهاب العام الماضي، وهو رقم قياسي يشكل زيادة بواقع الثلث عن ٢٠١٣. وكان نصف من اعتقلوا تقريبًا لهم صلة بالصراع في سوريا، ما يثير الشك حول طريقة دخول هؤلاء لبريطانيا وإلى لندن تحديدا المدينة المصنفة أولى عالميا من حيث المراقبة الأمنية والإحاطة المخابراتية، لذا فالأرجح أن هناك من تغاضى عنهم وسمح بدخولهم رغم القوانين الصادرة بمنعهم من العودة.

ومع المزيد من رفع الخوف من الإسلاميين كان تركيز الصحف البريطانية، فقد نقلت صحيفة الـ “تلغراف” البريطانية في عددها الصادر بتاريخ ٢٤ أيار الجاري عن أحد كبار قادة الشرطة البريطانية، إعلانه وبكل ثقة أن المسلمين الذين توقفوا عن التبضع من محل ماركس أند سبنز الشهير، الذي تعود ملكيته إلى عائلة يهودية، يمكن أن يتحولوا إلى متشددين. فيما يعتقد السيد “ماك تشيشتي”، الضابط الكبير في شرطة اسكوتلند يارد أن الشباب الذين تركوا شرب الخمر أو توقفوا عن ارتداء اللباس الأوروبي، يمكن أن يصبحوا متطرفين، كما تحدث أنه لا يستبعد أن يتحول أولاده إلى متطرفين بسبب الدعاية القوية للجماعات الإرهابية، ويعبر الشرطي عن جزعه ويتحدث عن عجزه وعجز جهاز الشرطة والحكومة أمام منع الفكر المتطرف من الإنتشار، وأن خطاب ورسائل الجماعات المتطرفة أصبحت صاحبة قوة وتأثير بحيث تجعل أطفالا في عمر الخمس سنوات يعتقدون أن الاحتفال بعيد ميلاد المسيح حرام في الإسلام. كما وحذرت تصريحات أخرى من حصول المتشددين على قنابل كيميائية والتي يسهل شراؤها في بريطانيا حسب تعبيرهم. ما يعبر بشكل فاضح عن التمادي في التخويف من ظاهرة التطرف والسعي لنشر الخوف من الإسلام داخل المجتمع البريطاني أكبر قدر ممكن، والتهويل أوروبيا وعالميا من ظواهر التطرف المنتشرة في أوروبا.

مثل تلك التصريحات تكشف عن أزمة حقيقية تعيشها بعض الدول الأوروبية في مواجهة التطرف والإرهاب، لكن أن يكون التعامل مع الظاهرة بهذا المستوى من السطحية وهذا الحجم من التهويل من ضباط كبار في أجهزة الأمن البريطانية ومن جهاز عريق كجهاز اسكوتلند يارد، إنما هو تأكيد على أن هذه الظاهرة إلى مزيد من التمدد بسبب هذا التعامل السطحي، بل إن اعتماد هذا المستوى من التصاريح يدفعنا إلى الاقتراب من نظرية المؤامرة، وعلى الأقل الشك في النوايا البريطانية، والقول بأنها تصريحات متعمدة لشيء في نفوس صناع السياسة الأمنية في بريطانيا. فالعقلاء من غير المسلمين باتوا يعلمون أن التطرف والتشدد لم يكن من إنتاج الدين الإسلامي، بل هو فعليا نتاج غرف الإستخبارات السرية الأمريكية والبريطانية، وإن ساهمت تفسيرات موجهة للنصوص والشواهد التاريخية من بعض المفكرين الإسلاميين في الترويج للتشدد، والذين جميعهم دون أي استثناء ممولون من منابع الفكر المتطرف في السعودية خاصة، ومحتضنون من قبل العديد من دول العالم التي تلعب مخابراتيا في دوامة إستثمار الفكر الإرهابي، وعلى رأسهم بريطانيا.

لذا فعليا فإن سياسات الغرب ومنهجه في مواجهة التطرف قادت بلا شك إلى استفحاله وانتشاره على الشكل الذي نراه اليوم. لقد تأكد لكل مراقب أن شعار “الحرب على الإرهاب” كان ضمن استراتيجية مدروسة لاجتياح العراق وأفغانستان، ومن ثم السيطرة السياسية ونهب الثروات، وإضافة لهذه الدوافع تسعى بريطانيا إلى استغلال الأمر لتبرير مزيد من تدخلها في قضايا الشرق الأوسط وإيجاد مكان منافس لأمريكا وفرنسا في حصد أرباح دعايات الحرب على الإرهاب وتجارة السلاح في حروب سوريا والعراق واليمن. ففي الواقع هم يدعون معاداة الإرهاب من جهة ويسعون للتخلص منه داخل بلدانهم لكن يحتضنونه إعلاميا ويعملون على تقويته ونشر فكره في البلدان التي يجدون فيها فرصة لإستثماره سياسيا واقتصاديا من جهة أخرى.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق