واشنطن ترضخ لحقائق الميدان: بين إنجازات الحشد الشعبي والدعم الوطني له
أظهرت التصريحات الأمريكية الأخيرة لا سيما لوزيري الدفاع والخارجية، تلميحاً واضحاً لأهمية الدور الذي تقوم به قوات الحشد الشعبي في محاربة الإرهاب في العراق، في وقت حاولت فيه التصريحات وضع اللوم على الجيش العراقي الذي لم تضربه إلا سياسات واشنطن المخادعة. ولأن الغزل الأمريكي لا يعني الحب السياسي، بل يعني الرضوخ، لا بد من الوقوف عند هذه التصريحات. فما هي آخر التصريحات الأمريكية؟ وكيف يمكن تحليلها؟
التصريحات الأمريكية ومحاولتها التلميح لأهمية دور الحشد الشعبي:
نقلت شبكة C.N.N التلفزيونية الأمريكية عن وزير الدفاع الأمريكي اشتون كارتر قوله إن “القوات العراقية لم تظهر أي رغبة في قتال متشددي تنظيم داعش خلال سقوط الرمادي”، مؤكداً أن “القوات الأمريكية تحاول تشجيعها على الإشتباك بشكل مباشر”. وأضاف كارتر أن “القوات العراقية لم تظهر أي رغبة في القتال، رغم أنهم كانوا يفوقون القوة المعارضة عدداً لكنهم انسحبوا من المكان”.
وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد قال مؤخراً إن بلاده لم تخسر الحرب على تنظيم داعش الإرهابي بعد سقوط مدينة الرمادي، واصفاً سيطرة التنظيم على المدينة بأنه “انتكاسة تكتيكية”. وأوضح اوباما أن الرمادي كانت عرضة للخطر لفترة طويلة جداً “لأن قوات الأمن العراقية الموجودة هناك لم تكن تلك التي قمنا بتدريبها ودعمها” على حد قوله، مشيراً الى أن “عمليات تدريب قوات الأمن العراقية في الأنبار لا تتم بالسرعة الكافية” ودعا لتكثيف تدريب الجيش وتفعيل دور السُنة بصورة أكبر.
وهنا إنطلاقاً من السياسة الوطنية التي يتبناها الحشد الشعبي، انتقد المتحدث باسم الحشد أحمد الأسدي، تصريحات وزير الدفاع الأمريكي اشتون كارتر والتي قال فيها ان الجيش العراقي “لم يبد إرادة بالقتال” في مدينة الرمادي عندما سيطر عليها تنظيم داعش الارهابي. وقال الأسدي إن هذا الجيش الذي وصفه كارتر بأنه ليست له إرادة في القتال، هو الذي أشرف الأمريكيون على تدريبه خلال ثماني سنوات، متهماً واشنطن بأنها هي من عملت على سلب ارادة الجيش العراقي. مضيفاً أن قوات الجيش العراقي ومقاتلي الحشد الشعبي جميعهم يمتلكون إرادة القتال والمواجهة لدحر العدو، مشيراً الى أن خسارة معركة أو معركتين لا يعني خسارة الحرب كلها.
قراءة تحليلية لتغيير السياسة الأمريكية في العراق:
بعد ان تولت أمريكا مهمة تدريب وتسليح الجيش العراقي لسنوات، يبدو أنها اصبحت مقتنعة بفشل جهودها في بناء جيش قادر على حفظ الأمن في العراق، وهو الأمر الذي ساهم في تلميح واشنطن في الأسابيع الأخيرة بالتحديد الى أهمية دور الحشد الشعبي في التصدي لتنظيم داعش الإرهابي. فكيف يمكن تحليل ذلك؟
إن واشنطن ومنذ البداية تعتبر أساس تنامي الإرهاب في المنطقة وبالتحديد في العراق. وهو الأمر الذي لم يعد يحتاج لأدلة. لكن ما آلت اليه ظروف السياسة الأمريكية بعد خسارتها في أكثر من جبهة، جعلها ترضخ للواقع الميداني في أكثر من مكان. وهو الأمر الذي تترجمه تصريحات الساسة الأمريكيين وبالتحديد على صعيد وزارة الخارجية والدفاع.
فبعد كيل الإتهامات للحشد الشعبي بدايةً ثم إختراع القصص حوله، سعت أمريكا الى دعم العشائر والجيش ليس محبةً بهم بل محاولةً لتعويمهم وجعلهم أبرز على الساحة من الحشد الشعبي. وهنا لا بد من الإشارة الى أن الحشد الشعبي بأيديولوجيته وسياسته الوطنية، لم يمانع تدريب الجيش العراقي أو العشائر، لأن الهدف الأساس هو كل ما يصب في مصلحة العراق وشعبه. لكن إختلافه مع أمريكا وعداءه لها، هو الذي جعله يدرك منذ البداية أن الهدف الحقيقي للدعم الأمريكي المخادع، هو محاولة تقوية أطرافٍ معينة لإستخدامها في إحداث الفتن وتأجيج التقسيم وليس قتال الإرهاب.
لذلك فإن الجيش العراقي والعشائر أثبتوا أن انتماءهم للوطن أكبر من أهداف الطرف الأمريكي الفتنوية. وهو الأمر الذي انعكس في مشاركتهم الى جانب الحشد الشعبي ضد الإرهاب الذي يشكل خطراً على العراق ككل. وبقي السؤال المهم حينها: لماذا تحاول واشنطن ضرب قوة الحشد الشعبي التي أثبتت فعاليتها؟ فإذا كان الهدف مصلحة العراق فلماذا لا يُستفاد من الطرف الذي أثبت وبالوقائع الميدانية أنه الأقوى؟
وهو الأمر الذي أشار محللون الى أنه ينطلق من محاولة واشنطن التعاطي مع الواقع بتطويل مدة الأزمة، فالعراق هو من يعاني وليس أمريكا. كما أن محاولة واشنطن ضرب قوة الحشد الشعبي، كان الهدف من ورائها عدم إعطاء إيران أي إنجازٍ جديدٍ بحق العراق، بحيث أنها كانت السبب وراء الدعم الإستشاري للحشد، والذي جعله أقوى من الإرهاب، لكنه بقي تحت سقف وحدة العراق وشعبه. لذلك فقد حاولت أمريكا التقليل من أهمية إنجازات الحشد، للتقليل من أهمية إنجازات طهران.
لكن الواقع المخالف للتوقعات الأمريكية وتنامي قوة الحشد الشعبي وإزدياد ثقة العراق به، جيشاً وشعباً، جعل واشنطن تُعيد حساباتها في وقتٍ أصبحت فيه محرجةً من إنجازات تحالفٍ لم يستطع تحقيق شيءٍ نسبياً، في ظل إمكاناتٍ يمتلكها، بالمقارنة مع قوات الحشد الشعبي التي إستطاعت أن تكون قوات تحارب تكتيكياً كالجيوش والعصابات في نفس الوقت، وبحسب طبيعة الميدان.
إذاً رضخ الأمريكي مرةً أخرى ليعترف بالواقع، بعد أن كان يصنع الواقع ويُديره. فقد تغير الزمن اليوم، ليصبح الطرف الماسك بالميدان هو الأقوى. ومن هنا فقد فرض الحشد الشعبي نفسه في الميدان، بعد أن فرضته إرادة الشعب العراقي وجيشه الوطني. ليصبح وبقوته، نموذجاً لكيفية التعاطي مع ملف الإرهاب عسكرياً. لكن يبقى السؤال الأهم: هل سيقرأ المراهنون على السياسة الأمريكية في المنطقة، هذه التحولات بطريقة صحيحة؟ الأيام وحدها تجيب.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق