الانتخابات البرلمانية التركية تضع مستقبل أردوغان علي المحك
يتوجه الناخبون الأتراك اليوم للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية للعام ٢٠١٥، في ظل توقعات بانخفاض اسهم الحزب الحاكم “العدالة والتنمية” مقارنة بالانتخابات السابقة، حيث يرى مراقبون في هذه الانتخابات، تحدياً جديداً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم، الذي يحكم البلاد منذ العام ٢٠٠٣، خاصة وأن أردوغان يطمح لكسب أكثر من ثلثي الأصوات بما يتيح له، إجراء تغيير دستوري دون الرجوع إلى استفتاء، وذلك بهدف تغيير النظام السياسي في تركيا من برلماني إلى رئاسي، بما يحقق لرئيس الجمهورية صلاحيات أوسع، ويسلب البرلمان القدرة على حل الحكومة أو سحب الثقة منها، وبالتالي منح صلاحيات أوسع للدولة على حساب السلطة التشريعية.
لا شك بأن تجربة رجب طيب أردوغان وحزبه “العدالة والتنمية” في إدارة البلاد، قد تكللت بكثير من النجاحات إلى ما قبل التوترات الأخيرة في المنطقة، وذلك بفضل النمو الاقتصادي الذي حققه، والذي وضع تركيا في المرتبة الـ ١٧ ضمن الاقتصاديات الأقوى في العالم، ورفع دخل الفرد من ٣٦٠٠ دولار في العام ٢٠٠٢ إلى ١١ ألف دولار في العام ٢٠١١.
ومن الناحية السياسية عزز حزب العدالة والتنمية من نفوذه في الحكم، وذلك من خلال العمل على اقصاء العسكر من دوائر السلطة، والتصالح مع الأكراد، والتفاوض مع حزب الـ “بي كي كي” بقيادة عبدالله أوجلان، ومنح بعض الحريات وتعزيز الديمقراطية. وعلى صعيد السياسة الخارجية، انتهج الحزب سياسة “تصفير المشاكل” مع الجيران، الأمر الذي ساهم في استقرار تركيا ودفع العجلة الاقتصادية فيها.
إلا أن المزاج الداخلي التركي بدأ يتغير تجاه حزب العدالة والتنمية والرئيس اردوغان خلال السنوات القليلة الماضية، ويعزى ذلك لعدة عوامل نذكر منها:
١- التورط في مستنقع الحرب على سوريا، ودعم الارهاب، وتأمين مرور عناصر تنظيم القاعدة إلى سوريا والعراق، وقد تناقلت وسائل اعلامية مؤخراً صوراً تكشف نقل الحكومة التركية لشحنات أسلحة إلى المجموعات الارهابية في سوريا، وقد حمّلت قوى داخلية حكومة العدالة والتنمية مسؤولية التفجيرات الارهابية الأخيرة التي شهدتها المدن التركية الجنوبية التي أصبحت “محجاً” لعناصر تنظيم القاعدة وداعش، والجماعات الارهابية المسلحة.
٢- قضايا الفساد التي تورط فيها ابناء ثلاثة وزراء في حكومة أردوغان، وكذلك تلك التي طالته وافراد من اسرته واقاربه، الأمر الذى دفع الحكومة إلى الدخول في صراع مع جهاز الشرطة والسلطة القضائية وإنهاء القضية باستقالة الوزراء الثلاثة.
٣- قمع الحريات، بما فيه حجب بعض مواقع التواصل الاجتماعي كموقع تويتر، رداً على الانتقادات التي طالت أردوغان وأفراد أسرته في قضايا فساد، كما قامت قوات الشرطة بقمع المتظاهرين في احتجاجات ميدان تقسيم، واحتجاجات كوباني على خلفية عدم سماح تركيا بدعم المقاومة الكردية في مدينة كوباني السورية.
٤- تعثر النمو الاقتصادي، حيث سادت حالة من الركود الاقتصادي النسبي خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، مع ارتفاع عدد العاطلين عن العمل إلى أكثر من ٦ مليون نسمة، ودخول أكثر من ١٧ مليون نسمة من الشعب التركي تحت خط الفقر.
٥- وضع الرئيس أردوغان كامل ثقله خلف حزبه “العدالة والتنمية” مخالفاً بذلك أحد أهم وظائف رئيس الجمهورية وهو أن يكون على مسافة واحدة من جميع الأطراف والأحزاب التركية.
كل هذه العوامل تضع شعبية الرئيس أردوغان على المحك، وتجعل من الانتخابات البرلمانية الحالية، ذات دور مصيري في تقرير مستقبل السلطان العثماني الجديد، وتشير استطلاعات الرأي أن حزب أردوغان لن يحصد الأغلبية البرلمانية في الانتخابات الحالية.
وكانت صحيفة ميلليت التركية قد نشرت تقريراً أصدرته شركة “متروبول” للبحوث الاجتماعية لتقييم الأوضاع السياسية في تركيا قبيل الانتخابات البرلمانية. وأكد التقرير انخفاض شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم بتركيا بنسبة ٨% خلال الأشهر السبعة الماضية. وقالت الصحيفة إن “معدل الأصوات التقريبية للعدالة والتنمية بلغت ٤٢ في المئة، فيما بلغ معدل أصوات حزب الشعوب الديمقراطية الكردي ١٠.٤ في المئة”.
كما أظهر الاستطلاع أن كلا من حزبي الشعوب الديمقراطية الكردي والحركة القومية التركي ثاني أكبر أحزاب المعارضة في البلاد هما المحددان للانتخابات البرلمانية، وعلقت قائلة “لو تخطى حزب الشعوب الديمقراطية الحد النسبي البالغ ١٠ في المئة وحصل حزب الحركة القومية على قرابة ١٦ أو ١٧ في المئة، فعندئذ يمكن القول بأن حزب العدالة والتنمية ليست لديه فرصة لأن يصبح حزبا حاكما بمفرده”.
ويرى مراقبون أنه في حال لم يستطع العدالة والتنمية تشكيل الحكومة بمفرده، سيضطر إلى الائتلاف مع أحد الأحزاب الفائزة، والذي سيكون على الأرجح حزب “الشعوب الديمقراطية الكردي”، وعلى أية حال سيؤدي هذا إلى عدم تشكيل حكومة قوية، في ظل تلميح الأخير بحكم فيدرالي ذاتي على المناطق الكردية في الجنوب.
هذه الأجواء التي تشهدها الساحة الانتخابية في تركيا، تطرح العديد من علامات الاستفهام حول مدى قدرة تركيا على الاستمرار في تجربتها المعاصرة، التي بُنيت على مفردتي الاستقرار والتنمية الاقتصادية، في ظل الاستقطاب العميق في ساحتها السياسية حاليًا، حيث يبدو العدالة والتنمية لأول مرة غير متأكد من قدرته على الفوز بفارق يمكِّنه من تحقيق أهدافه، الأمر الذي ينذر بمرحلة من عدم الاستقرار السياسي في مستقبل تركيا القريب.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق