التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

مهمة المبعوث الأممي في اليمن وخيارات آل سعود المحدودة 

في ظل التحرك الأخير للمبعوث الأممي الجديد في الأزمة اليمنية السيد إسماعيل ولد الشيخ أحمد ولقاءاته بأنصار الله وبالمؤتمر الشعبي، وعبد ربه منصور هادي في صنعاء والرياض.

 

وفي ظل الحديث عن وساطة عمانية لإنهاء العدوان السعودي على اليمن.. وفي ظل هذا التحرك كثر الحديث عن تحقيق تقدم في اتجاه احتمالات التوصل إلى حلول لإنهاء العدوان على الشعب اليمني، سيما من جانب الأوساط الإعلامية السعودية وتلك اليمنية القريبة منها، إذ تحدثت هذه الأوساط عن توصل عبد ربه هادي منصور والمبعوث الأممي إلى اتفاق على عقد لقاء جنيف في 10-14 من شهر حزيران الجاري، ورغم عدم افصاح المبعوث الأممي، والعمانيين عن تفصيلات ما توصلوا إليه مع الأطراف المعنية، إلا إن الأوساط الإعلامية المشار إليها أسهبت في التطرق إلى التفصيلات والجزئيات فمثلاً صحيفة الشرق الأوسط السعودية قالت إن (الحكومة الشرعية) وإسماعيل ولد الشيخ أحمد اتفقا على موعد مبدئي لعقد لقاء في جنيف خلال الأسبوعين المقبلين يجمع ما أسمتها (الحكومة الشرعية) مع أنصار الله وأتباع الرئيس علي عبد الله صالح على طاولة واحدة تحت مظلة أممية، وذلك لمناقشة بحسب ما ذكرته الصحيفة أربع مواد أساسية تتضمن انسحاب أنصار الله من المدن، ووقف إطلاق النار وتنفيذ القرار الأممي 2216.

فزعمت الصحيفة أيضاً إن ولد الشيخ اتفق مع عبد ربه منصور هادي على أن يكون مبدأ اللقاء هو المبادرة الخليجية!!

أما صحيفة العرب التي تصدر في لندن وقريبة من وجهة نظر الحكومة البريطانية فقد زعمت هي الأخرى طبقاً إلى ما نسبته إلى مصدر مقرب من الوفد اليمني المشارك في مسقط، (إن الحوثيين يسابقون الزمن للوصول إلى جنيف بأي ثمن وأنهم قد يقدمون على الانسحاب من عدن لإثبات حسن النية للمبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد)!! وجاءت تغطية أغلب الصحف والمواقع الالكترونية اليمنية المقربة من السعودية بهذا الاتجاه، بحيث تبدو الصورة التي نقلتها وكأن الحوثيين وأنصار علي عبد الله صالح وافقوا على الشروط السعودية!!

هذه الصورة يمكن أن تكون مقبولة لو كان الوضع الميداني ليس على ما هو عليه الآن، فكل التقارير الواردة من هناك تؤكد إن الوضع الميداني ليس لصالح أنصار هادي ولا لصالح السعودية رغم عملية إحراق اليمن التي تتم بضراوة بسبب تواصل القصف المدفعي والصاروخي والغارات الجوية المتواصلة ليلا ونهارا.                                                                                            فعلى عكس ما تروجه وسائل الإعلام السعودية وتلك الأخرى اليمنية المقربة منها أو السائرة في فلكها، فأن الجيش اليمني وأنصار الله بعد 70 يوماً من التدمير المنهجي للنظام السعودي، يواصلون تقدمهم وتطهيرهم للمدن اليمنية الجنوبية من العملاء وأتباع هادي والقاعدة، وبات الطريق سالكاً أمامهم للتقدم نحو حضرموت التي يسيطر تنظيم القاعدة على أجزاء كبيرة منها. أما في مناطق الحدود، فالجيش وأنصار الله بدأوا يكيلون الضربات الموجعة للمواقع العسكرية السعودية، فقبل يومين أسقطوا معسكر عين الحارة في عسير بعدما قتلوا 245 من عناصره وأسر أكثر من 40 آخرين فيما فر الآخرون، ويضم هذا المعسكر 45 دبابة و55 ناقلة جنود من نوع همفر و465 صاروخ أرض ـ أرض بعيد المدى بالإضافة إلى مئات المدافع من أنواع مختلفة كلها سقطت بيد الجيش اليمني وأنصار الله.

هذه الصورة وبهذا الوضوح أصبحت حديث الصحافة الغربية والأميركية فعلى سبيل المثال لا الحصر قالت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية (إن ما يمارسه الحوثيون على الحدود مع المملكة السعودية والذي أودى بحياة ما لا يقل عن 8 عسكريين سعوديين في هجمات أشبه بحرب العصابات، يظهر المخاطر التي من الممكن إن تواجهها السعودية وحلفاؤها إذا قرروا التحرك إلى ما هو أبعد من الحملة الجوية.. وأضافت الصحيفة.. إن الحوثيين لاقدرة لديهم على مواجهة المقاتلات السعودية التي تقصفهم جواً، لكنهم على الأرض يمثلون عدواً لدوداً يشن هجمات انتقامية ثأرية، مما تسبب في وقوع خسائر على الجانب السعودي من الحدود).

وفضلا عن ذلك، تردد كثيراً في الآونة الأخيرة عن اتصالات أميركية بأنصار الله في العاصمة العمانية مسقط أسفرت عن الإفراج عن صحفي أميركي معتقل في اليمن، وفي هذا السياق قالت قناة الـ (سي أن أن) الأميركية نقلاً عن مصادر رفيعة المستوى في البيت الأبيض، (إن اللقاء الذي سبق لصحيفة وول ستريت جورنال إن كشفت عنه، قادته مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، أن باترسون، بمشاركة سفير الولايات المتحدة في اليمن ماثيو تولر ـ ولفتت القناة الأميركية ـ إلى إن اللقاء عقد في العاصمة العمانية الأسبوع الماضي).

ورغم إن أنصار الله نفوا إجراء أي لقاء مع الأميركيين، إنما التقوا في مسقط مسؤولين عمانيين، إلا إن الحديث عن دعوة أميركية ولقاءات مع الحوثيين حتى وإن جاءت في إطار قياس ردة فعل أنصار الله وأنصارهم فهو مؤثر واضح على قوتهم وتفوقهم في الميدان واعتراف أميركي بذلك.

إذن الصورة تختلف عما روجت له الصحافة السعودية وتلك الحليفة لها، بل أكثر من ذلك إنه إذا أخذنا بتغريدات (مجتهد) المغرد السعودي المعروف، فأن الصورة تصبح معكوسة تماماً، فهذا المغرد قال (إن السعودية أرادت بمفاوضات عمان حلاً يحفظ ماء وجهها لكن أنصار الله رفضوا.. وأضاف مجتهد إن الرياض قبلت بأن يحتفظ أنصار الله بمكاسبهم في اليمن مقابل انسحاب لهم من عدن فقط وإن لا يعبروا عن انتصارهم بشكل علني حفظاً لماء وجه السعودية التي لم تحقق أيا من أهدافها من حربها على اليمن.. وأشار مجتهد.. إلى إن السعودية صدمت عندما رفض أنصار الله هذه المقترحات أيضاً حيث أصرَّ أنصار الله على أن يتم تعويض اليمن عن الخسائر التي تعرض لها جراء الغارات التي شنها الطيران السعودي مع طيران بعض الدول الحليفة معها..).

ونوه مجتهد.. (إلى إن الموقف السعودي بات ضعيفاً بعد عدم تمكن الغارات التي شنها الطيران السعودي ضد اليمن من تحقيق أي مكسب حقيقي على الأرض ووجود ضعف واضح مسيطر على حليفها (الرئيس) المستقيل عبد ربه منصور هادي).

في ضوء ما تقدم يمكن القول إن الانطباعات التي روجتها وسائل الإعلام السعودية وتلك الحليفة لها حول مساعي المبعوث الأممي ولد شيخ أحمد وحول الوساطة العمانية جاءت في إطار أحد أمرين هما:

أولاً: إما محاولة النظام السعودي للضغط على الأطراف الوسيطة، المبعوث الأممي والعمانيين وحتى الأميركيين والإيرانيين الذين أشارت إليهما بعض الأوساط الإعلامية، من أجل انتزاع بعض التنازلات من انصار الله وعلي عبد الله صالح، لأن النظام السعودي يتعرض إلى ضغوط أميركية من أجل القبول بالتسوية ووقف العدوان بعدما أخفق أخفاقاً مدوياً في تحقيق الأهداف الأميركية والسعودية من هذه الحرب، وباتت هذه الحرب تهدد المصالح الأميركية في السعودية نفسها، ففي هذا الإطار نقلت صحيفة السفير اللبنانية عن وكالة الأنباء الفرنسية نقلاً عن دبلوماسي في مسقط قال للوكالة الفرنسية (إن الأميركيين يحاولون تقريب وجهات النظر بين الحوثيين من جهة والسعوديين والرئيس (المخلوع) عبد ربه منصور هادي من جهة أخرى على أمل أن يخفف الطرف الثاني من سقف شروطه) على إن النظام السعودي يدرك إن القبول بشروط أنصار الله وعلي عبد الله صالح يعني هزيمة سياسية تضاف إلى هزيمته العسكرية في عدوانه على الشعب اليمني، مما سيكون لذلك انعكاسات كبيرة على الداخل السعودي، سيما إن بعض الأمراء السعوديين غير الراضين والمعترضين على الصعود الصاروخي للصبي محمد بن سلمان يتحينون الفرص لإسقاط أو لتنحية ابن سلمان من منصبه أو مناصبه الجديدة، وفي هذا الإطار ذكر موقع صحيفة العربية 24 في عددها 2 حزيران 2015، إن تفجيري مسجدي الإمام علي والإمام الحسين (عليهما السلام) في القديح والدمام على التوالي القيا بظلالهما على الوضع الداخلي السعودي أيضاً ونقلت عن الأمير السعودي سعود بن سيف النصر بن سعود بن عبد العزيز قوله (إن السعودية مرت عليها مراحل فيها أخطاء لا ننكرها لكن لم يحصل أن صار مستقبل البلد مرهون بشخص متهور دون أدنى مسؤولية والجميع يترقب وينتظر الكارثة) في إشارة إلى وزير الدفاع محمد بن سلمان، وكان الأمير سعود قد طالب بضرورة مراجعة للأوضاع السياسية السعودية على أثر التفجيرات الأخيرة في القديح والدمام وقال طبقاً لما نقلته صحيفة العربية 24 (إن تكرار حوادث التفجير يستدعي منا مراجعة أوضاعنا السياسية والأمنية والتعامل بحزم مع التحديات الراهنة حتى لو استدعى تعديلات على مستوى القيادة.. مؤكداً.. إن أفضل الحلول يكمن في الاستفادة من الإجماع الوطني والقبول الشعبي للأمير أحمد بن عبد العزيز بأن يكون في الموقع المناسب له.) على حد قوله.

وبناء على ذلك يرى النظام السعودي إن تلقي هزيمة على الجبهة السياسية يمكن أن يتسبب له بمضاعفات خطيرة ليس على الوضع الأسري لآل سعود وحسب بل على صعيد الوضع الاجتماعي الذي زاد احتقاناً بعد التفجيرات الأخيرة وبعد شن صبيان آل سعود العدوان على الشعب اليمني.

وثانياً: اما الاحتمال الاخر لهذا الحراك الاعلامي السعودي إن ما يروج له الإعلام السعودي بأن أنصار الله استجابوا للشروط السعودية ولعبد ربه منصور هادي، قد يأتي في إطار التغطية على الإخفاقات والفشل الذي واجهته القيادة السعودية في اليمن وبالتالي منع انهيارات سريعة في صفوف أنصار هادي في اليمن، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى وهو الأرجح محاولة السعودية إثارة أنصار الله وأنصار علي عبد الله صالح وحملهم على رفض الحوار في جنيف وبالتالي التخلص من الالتزام بالحوار في جنيف، لأن اختيار جنيف بحد نفسه يشكل ضربة للسعودية التي تريد فرض أملاءاتها على الشعب اليمني، ثم إن النظام السعودي كما أشرنا يتخوف من ارتدادات وقف الحرب بهزيمة على الداخل السعودي، لذلك يحاول عرقلة الحوار بهدف انتزاع بعض المكاسب أو التأثير على بعض الأطراف من خلال الشراء بالأموال الطائلة لعلّ ذلك يخفف من وطأة الفشل السعودي في اليمن، لكن المراقبين يرون أن لا مفر للنظام السعودي من القبول بالتسوية والموافقة على الحوار اليمني وبدون شروط مسبقة مثلما يريد أنصار الله، أولاً، لأن مجلس الأمن أكد هذا الأمر في جلسته الأخيرة يوم الأربعاء حول اليمن، وثانياً، إن الولايات المتحدة تريد إنهاء هذه الحرب لأن استمرارها بات يهدد مصالحها كما أشرنا، وثالثاً وهو الأهم إن النظام السعودي بات أمامه طريقان لا ثالث لهما، هما: أمّا أن يواصل العدوان، وهذا من شأنه أن يراكم من خسارة السعوديين وفشلهم على الصعيد العسكري أمام أنصار الله والجيش اليمني، وكذلك خسارة أنصار عبد ربه منصور هادي، لأن أنصار الله ورغم القصف المتواصل للطائرات السعودية يسجلون انتصارات يومية ويطهرون المحافظات الجنوبية من أنصار هادي والقاعدة، وذلك فضلا عن إن استمرار الحرب يعزز من موقع أنصار الله ومن يقف في خندقهم التفاوضي، وفضلاً عن إن استمرار الحرب سوف يراكم سقوط السعودية الاخلاقي والديني بسبب المجازر الوحشية التي ترتكبها يومياً بحق الأبرياء من الشعب اليمني في عدوانها الغاشم عليه، سيما وان المنظمات الدولية بدأت تتحرك وتدين السعودية على استخدامها بالأسلحة المحرمة دولياً مثل الأمم المتحدة وهيومن رايتس ووتش وغيرهما وهذا ما يزيد النظام السعودي حراجة وكشفاً وتعرية من كل القيم الإنسانية فضلاً عن الإسلامية أمام الرأي العام الإسلامي والعالمي.

أو إن يدافع آل سعود عن وقف الحرب والسماح لليمنيين بالحوار حول تحديد مستقبلهم، ويعني الاعتراف بهزيمتهم وفشلهم مع تحمل ما يترتب على هذا الخيار من تداعيات كما أشرنا في هذا المقال، وبالتالي إن كل الخيارات المتاحة للنظام السعودي للخروج من المأزق اليمني صعبة وأحلاها مُرٌّ علقم، بسبب سياسة الصبيان الجدد الذين وصفهم أحد المحللين بالأغبياء

الكاتب والمحلل السياسي السعودي: عبد العزيز المكي

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق