التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 23, 2024

الإنتخابات التركية: أردوغان بين تصدر الإنتخابات وخسارة الطموح السياسي 

مشهد جديد في تاريخ الجمهورية التركية يمهد لتغيير المعادلات داخلياً وخارجياً. هكذا يمكن وصف المشهد التركي. فحزب العدالة والتنمية الحاكم، خاض أصعب منافسةٍ له، سعى فيها للبقاء في صدارة المشهد السياسي، ليس فقط كأغلبية، بل كطرفٍ سياسيٍ يسعى لتغيير الدستور وتعزيز سلطات الرئيس التركي أرودغان. لكن المعركة التي انتهت بتصدر الحزب الحاكم، لم تُظهر حجم تراجعه الشعبي فقط، بل رسخت لواقعٍ سياسيٍ جديد يُقيِّض سلطات الطموح الأردوغاني، ويرفع من رصيد أحزابٍ أخرى منافسة. فكيف إنتهت الإنتخابات التركية؟ وما هي القراءة التحليلية لدلالاتها الداخلية والخارجية إستراتيجيا؟

أولاً: النتائج التي عكست الوقائع

على الرغم من تصدر الحزب الإسلامي المحافظ للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الإنتخابات، لكنه خسر الغالبية المطلقة التي ملكها في البرلمان التركي منذ ١٣ عاماً، بحسب النتائج التي نشرتها وسائل الاعلام. في المقابل، تجاوز حزب الشعب الديموقراطي الكردي عتبة عشرة في المئة من الأصوات ما يتيح له دخول البرلمان وفق النتائج نفسها. وهو الأمر الذي سيقوِّض مشروع أردوغان بتعديل الدستور لتعزيز سلطاته الرئاسية والذي شكل أولوية لديه. وبحسب النتائج فقد تراجعت مقاعد حزب العدالة الى ٢٥٩ مقعداً بعد أن امتلك ٣١١ مقعداً سابقاً، فيما حصد كل من حزب الشعب الجمهوري (اشتراكي ديموقراطي) ١٣١ مقعداً بعد أن كان يمتلك ١٢٥، وحصل حزب العمل القومي (يمين) على ٨٢ مقعداً أي بزيادة ٣٠ مقعداً عن قبل(٥٢ مقعداً)، ويُعد هاذان الحزبان، المنافسان الرئيسيان للحزب الحاكم. وقد قُدرت نسبة المشاركة في الإنتخابات بـ٨٧ في المئة.

ثانياً: قراءة تحليلية إستراتيجية:

أدرك الناخب التركي أن هذه الإنتخابات هي أقرب الى الإستفتاء على الدستور وعلى طبيعة الحكم، أكثر من أي وقتٍ مضى، وهو الأمر الي عكسته نسبة الإقبال ونتائج الإنتخابات. لذلك فإن عدم نيل العدالة والتنمية ثلثي الأصوات يعني عدم رضى الجماهير التركية عن النظام الرئاسي الذي يطمح له أردوغان. فماذا كان طموح الرئيس التركي وكيف تُغيِّر النتائج، الواقع السياسي الداخلي وتؤثر على السياسة الخارجية؟

أولاً، سعى أردوغان لتغيير النظام السياسي في تركيا من جمهورية برلمانية إلى جمهورية رئاسية يكون هو رئيسها وهو الأمر الذي يحدد قوة التوازنات السياسية الداخلية وبالتالي الأثر المباشر على السياسات الإقليمية. مما يعني أن فشل أردوغان في تحقيق ما سعى له، سيكون له الأثر الكبير إلى حد بعيد في سياسات تركيا تجاه جوارها العربي وبالتحديد العراق وسوريا ومصر. فقد تحدثت الكثير من المصادر السياسية في الداخل التركي عن حجم الإستياء العارم لدى العديد من الأطراف السياسية الداخلية، من سياسة الحزب الحاكم تجاه سوريا بالتحديد. فهذه الأطراف التي تحمل هم الأمن القومي التركي، تختلف في وجهة نظرها في الأسلوب مع أردوغان وحزبه، وتؤمن بأن دعم الإرهاب في سوريا، سيرتدُّ عاجلاً أم آجلاً على الداخل التركي.

ثانياً، ستغير نتيجية الإنتخابات حجم الحضور الكردي في المعادلات التركية. لذلك فإن تجاوز حزب “الشعب الديموقراطي” الكردي اليساري حاجز العشرة في المئة اللازمة للتمثيل في البرلمان وفق القانون الإنتخابي التركي هو المؤشر لذلك وهو ما نجح الحزب به بحسب النتائج. مما يعطيه فرصةً أكبر في المطالبة بحقوقه، الى جانب قدرته على فرض آرائه السياسية. وبالتالي فإن ذلك قد ينعكس على حضوره الإقليمي أيضاَ في حال إستطاعت حركته السياسية أن تكون مؤثرة، مما سيؤدي للعب الأكراد دوراً فاعلاً في المعادلات الإقليمية المقبلة.

ثالثاً، أنهت الإنتخابات الجديدة الإستقطاب العلماني الإسلامي، والذي بحسب الإحصاءات التركية، لم يلحظ بشكل كاف قضايا العدالة الاجتماعية والمساواة الدستورية بين المواطنين على اختلاف أصولهم العرقية والطائفية. وبالتالي فقد تحولت الأمور الى واقعٍ جديد سيدور حوله الصراع السياسي في تركيا، بين اليسار واليمين وبين الأكراد والأقليات العرقية والطائفية من جهة والأتراك الموالين لحزب “العدالة والتنمية” وحزب “الحركة القومية” من ناحية أخرى.

إذاً إستطاع حزب “العدالة والتنمية” إدارة التوازنات في المجتمع التركي من خلال الترويج للأهداف الثقافية والإقتصادية، مغطياَ على ما يضمره من إنحيازٍ للطبقة الغنية، مما ساهم في تهميشه للعديد من الطبقات الإجتماعية والسياسية وبالتحديد من القوميات والطوائف المختلفة التركية. وهو الأمر الذي عبر عن إنزاعجه منه الناخب التركي. وبالتالي فإن ما أفضت اليه الإنتخابات يؤسس لواقعٍ جديد على الصعيد السياسي الداخلي في تركيا سيؤثر حتماً على السياسات الخارجية لأنقرة. ولعل اتفاق الأطراف المعارضة على الإتحاد، سيجعل الأثر السياسي أكبر لها، مما سيعيق سياسات الحزب الحاكم بشكلٍ كبير داخلياً وخارجياً. ولعل الأيام المقبلة هي التي ستُظهر التداعيات الجيوسياسية المتجاوزة لحدود تركيا، في منطقةٍ تتصف بعدم الإستقرار السياسي، مما يجعل من الصعب على الدول الإنخراط في القضايا الإقليمية بسهولة محمد علي جعفر

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق