واقع الأنظمة العربية: بين اللاإستراتيجية وإستراتيجية الفشل
في ظل ما يحدث على الساحة الإقليمية، من إمتدادٍ للإرهاب ليهدد وجود الأنظمة والدول في المنطقة والعالم، يجري الحديث عن سبب وصول حال الدول العربية الى ما نشهده اليوم. فبمجرد النظر الى الواقع السياسي الإقليمي والعالمي، نجد أن الجميع يعمل وفق إستراتيجيته، إلا الدول العربية، غائبةٌ عن ذلك. فكيف يمكن تفسير أسباب الحال العربية؟ ولماذا فشلت الأنظمة العربية؟
أولاً: قراءة في تطور النفوذ العربي المعاصر:
تعاني الدول العربية اليوم من أزمة النفوذ. وهو الأمر الذي يحتاج لمراجعة أسباب ذلك، من خلال قراءة التاريخ بموضوعية. لذلك فإن مراجعة أداء الأنظمة العربية يُفضي الى نتيجةٍ مفادها أنها أنظمة عاجزة. فقراءة الواقع السياسي المعاصر للدول في العالم العربي، يبيِّن حجم الخلل الموجود فيها، لجهة عدم قدرتها على التعبير عن توجهات شعوبها، الى جانب افتقادها للقدرة على لعب الدور القيادي في المنطقة العربية ومواجهة هيمنة أمريكا وسياساتها. وهنا نوصِّف الواقع ولا نقيِّمه. فقد تميزت هذه الأنطمة عبر تاريخها السياسي بالعمل على تقوية سلطتها الإقليمية ليس عبر تقوية إرادة شعبها داخل البلد الواحد، وإنما عبر محاولتها ضرب الأنظمة الشقيقة الأخرى في الدول المجاورة لها، من خلال الإستعانة بخصوم الأنظمة الداخليين أو ما يسمى بالمعارضة. إنطلاقاً من قاعدةٍ صهيونية المنشأ، تقول، إن أردت أن تكون قوياً فكن بين الضعفاء. وهو الأمر الذي تتبعه إدارة الكيان الصهيوني في استراتيجيتها. لكن الفارق أن هذه الإستراتيجية تخدم مصالح أمن الكيان العبري، فيما تضرب وحدة الكيان العربي.
وهنا وعند الغوص بتحليل الواقع الحالي، نجد أنفسنا أمام مشهدٍ عربيٍ يخلو من الدول التي يطلق عليها إسم جمهوريات، بينما يعوم على سطح المشهد، دول المملكات والإمارات، كالدول الخليجية والتي أصبحت في الآونة الأخيرة عرَّابة السياسات العربية. وهو الأمر الذي بالرغم من كونه نتيجة فإنه بالحقيقة أحد أسباب إنهيار المنظومة العربية. تزامن صعود هؤلاء الحكام، مع الدور الذي دعَّمته بهم، السياسة الأمريكية في المنطقة. وليس عن سوء علمٍ أو تقدير، بل عن درايةٍ ومعرفة. فكيف بدأ السقوط العربي، مع صعود دور الدول الخليجية؟ ولماذا فشلت الإستراتيجيات العربية، لتكون في الحقيقة إستراتيجيات الفشل؟
ثانياً: الدول الخليجية وإستراتيجيات الفشل:
لقد أصبحت القوة والنفوذ في المشهد العربي المعاصر، لمن لا يؤمن بالتاريخ ولا بالماضي، بل يؤمن بأن المال هو القدرة. لذلك فإن أصل تأسيس هذه الدول كان يتفق مع مفاهيمها. فلا مشكلة في حال توفَّر المال، أن تُحوَّل مدينة صغيرة في قلب الصحراء إلى دولة ذات دور ونفوذ ولو رسم المخطط الأمريكي معالمها. وهنا تغلب الحاضر الذي صنعه المال، على التاريخ العربي العريق، فلم يعد للتاريخ العربي الذي لم يُحافظ عليه أي معنى، ودخلنا في زمن الإنحطاط العربي.
فبعد السقوط المقصود للدور المحوري للجمهوريات كمصر وسوريا والعراق ثم ليبيا مؤخراً، في ظل السياسة الأمريكية، حلت دول النفط والمال الخليجية لتكون في واجهة الصراع. وكانت في حركتها العلنية تتغنى بالعروبة والقومية، لكنها أضمرت مشروعاً أمريكي التخطيط صهيوني التوجيه، وضع النفوذ الإيراني كهدف. لكنها لم تفلح في تحقيقٍ أيٍ من أهدافها، وإنما نجحت في دعم مغامرات بعض الجمهوريات، كمغامرة النظام العراقي في غزو الكويت.
واليوم يعود المشهد ليتصدر لوحة الواقع العربي، فالسعودية نموذج القوة الخليجية، يمكن أن تكون مثالاً للنفوذ في منطقتنا العربية. وها هو اليمن في شهره الرابع من الحرب، يزداد الدمار فيه، ويرتفع عدد الشهداء من الشعب، ولا أهداف تحققت، فيما عرض القوة السعودية مستمر. والمهم هنا هو أن الدول الخليجية هي من تقرر مصير اليمن، ونظامها، وهم الذين يكافحون الخطر الذي يحددونه ويشخصونه بطريقتهم.
الى جانب ذلك فإن من أهم النماذج التي تعبر عن الحال العربية اليوم وكيف يمكن وصف القوة والنفوذ العربي، هو قطر. وليس للتشهير، بل من باب نقل الحقائق، فإن قطر تقوم بدورٍ محوريٍ، من خلال دعم الإخوان المسلمين، وتجاهر في دعم الإرهاب في سوريا، وتقوم بالتعاون مع شريكها الإستراتيجي تركيا بتيسير أمور التسليح عبر الحدود التركية، الى جانب الدعم الكبير بالسلاح. وهكذا فإن الإستراتيجية العربية، تقوم على تفجير الحروب الأهلية بين الأشقاء، على أن يمول النظام القادر معارضة النظام الآخر، ويتعهد بتسليحه، لتكون النتيجة صراعاتٌ لا يمكن إلا أن تقضي على الدول وشعوبها، ويدخل الجميع في صراع الوجود.
وهنا كانت نتيجة سياسات واستراتيجيات هذه الدول، ظهور تنظيمٍ لا يملك سوى فكرة وعقيدة مدمرة ترفض كل من يخالفها، مستغلاً الطائفية في العراق، ثم لعبة التجاذبات والتوازنات في سوريا، وليستطيع وخلال سنواتٍ من الدعم، بالسلاح والمال الخليجي، أن يصبح طرفاً يشكل بتطرُّفه وزناً له. لتكون الدول الخليجية قد قدمت لواشنطن وتل أبيب أهم إنجازاتها التاريخية، ورقةً تستخدمها أمريكا للرهان على مصالحها، في حين يستخدمها الكيان الصهيوني لضمان أمنه. مع الإشارة الى أن الأمور لن تسير كذلك.
فالغرب بقيادة أمريكا تهدف استراتيجيته لضمان مصادر الطاقة العالمية من النفط والغاز التي تتحكم في مصير الإقتصاد العالمي وهذا ما يجعل الدول العربية هدفاً. فيما تقوم إستراتيجية الكيان الإسرائيلي على حماية وضمان أمنه القومي، وهو الأمر المرتبط بإضعاف أمن الدول المحيطة به. وكل ذلك لا يمكن تحقيقه إلا بإضعاف المنطقة العربية. وهذا ما حققته إستراتيجية الدول الخليجية!
إذاً بالنسبة للدول العربية فقد راحت ضحية المخطط الفاشل. لكن الأمر الأهم هو أن الإستراتيجيتين الأمريكية والإسرائيلية على الرغم من أنها سعت لتفكيك الدول العربية وزيادة تفشي الفوضى والإرهاب، إلا أنها اليوم تعيش القلق من خطر ظاهرةٍ لا تُدرك قواعد الإشتباك السياسي والعسكري. وهو الأمر الذي لم يكن في حسبانها. لذلك، فإن فشل الدول الخليجية لم يؤثر فقط على المشهد العربي والإستراتيجية العربية، بل ساهم أيضاً في فشل الإستراتيجيات الأخرى.
الوقت- محمد علي جعفر
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق