بين إرهاب طالبان وإرهاب داعش، أفغانستان الخاسر الأكبر
أعلن تنظيم داعش الإرهابي الحرب على حركة طالبان. هكذا يمكن وصف ما آلت اليه الأمور بين التنظيمين الإرهابيين. وفي وقتٍ تحدث فيه مراقبون عن أن المسألة مشابهة لتمردات الجماعات الإسلامية على بعضها البعض، أشار محللون أنه يجب التوقف عنده من باب أهميته وإنعكاساته على الواقع السياسي لأفغانستان، وما يخلفه من آثارٍ أخرى لجهة تمدد الإرهاب والصراع بينه. فماذا في إعلان تنظيم داعش الإرهابي الحرب على طالبان؟ وما هي القراءة التحليلية لذلك؟
أولاً: تنظيم داعش الإرهابي يعلن الحرب على حركة طالبان:
عقب العمليات الإرهابية والهجمات على أهداف عسكرية وأمنية وحكومية من قبل فرع تنظيم داعش الإرهابي في أفغانستان، اعترف الرئيس الأفغاني أشرف غني حينها علناً وللمرة الأولى يوم السبت ١٨ نيسان ٢٠١٥، أن تنظيم داعش الإرهابي يكتسب نفوذاً في أفغانستان. وهو الأمر الذي تصدر المشهد الأفغاني حينها. بقيت الأمور ضمن ذلك المستوى واستمرت داعش بالنمو، حتى قيام جماعة “ولاية خراسان” والتي تعتبر فرع تنظيم داعش الإرهابي في أفغانستان وباكستان، بإتهام حركة طالبان الأفغانية بتلقي الدعم من جهاز الإستخبارات الباكستانية “آي إس آي”. وأعلن التنظيم بدء معاركه ضد طالبان، للإبقاء على خليفة واحد للمسلمين بحسب تعبيره. كما توعد التنظيم، الحركة بالقتل والتشريد، انتقاماً لقتل الأخيرة ثلاثة من عناصره في منطقة كوت بولاية ننجرهار الأفغانية قبل أسابيع.
ثانياُ: قراءة تحليلية في نمو التنظيم الإرهابي في أفغانستان:
يواصل التنظيم الإرهابي تمدده في العالم الإسلامي عبر طرحه عناوين لا تختلف عن شعارات الحركات التكفيرية المتطرفة، لكنها تلقى إقبالاً أكثر لأسبابٍ عديدة. فكيف كان نموه في أفغانستان؟
إن الدعم الإعلامي والمعنوي والأمني الذي يلقاه التنظيم اليوم هو أكبر مما يحظي به غيره من المنافسين له على ساحة الجهاد التكفيري وهو الأمر الذي يساهم بإنتشاره بطريقة أسرع، وأقوى. وتعتبر أفغانستان أرضاً خصبة للتمدد والنفوذ، بدأت حركة التنظيم الإرهابي النمو بها مع إعلان مبايعة جماعة متطرفة منشقة عن حركة طالبان الأفغانية لها، وهو ما بدأ به القيادي الطالباني الملا عبد الرؤوف الذي بايع داعش في كانون الثاني الماضي.
ومع استقطابه للأتباع وازدياد عدد مناصريه، وبالرغم من مقتل القيادي الطالباني، أكمل التنظيم الإرهابي تأسيس نفسه في أفغانستان مستولياً على مناطق كانت تحت سيطرة الحكومة، الى جانب مناطق أخرى يسيطر عليها مسلحون من طالبان، وصولاً الى قيامه بالمتاجرة بالأفيون، وهي التجارة الأكثر ربحاً في أفغانستان. مما ساهم في زيادة الإقبال على التنظيم، لتلتحق به جماعة جند الله المنشقة عن حركة طالبان الباكستانية. ليعلن بعدها التنظيم بلسان المتحدث باسمه أبو محمد العدناني حينها، امتداد “الدولة الإسلامية” إلى باكستان وأفغانستان وتعيين حافظ سعيد أوركزاي والياً على منطقة خراسان. فكيف هدد نمو التنظيم الإرهابي، حركة طالبان؟
بعد تأسيسه تنظيمياً في أفغانستان عمل تنظيم داعش الإرهابي على بسط السلطة العملية وهو ما لا يمكن تحققه دون الإمساك بالميدان. لذلك فقد خاض التنظيم الإرهابي معارك عنيفة ضد طالبان في مديرية كجكي الإستراتيجية جنوب أفغانستان. كما وقام بإقامة معسكرات تدريب له في جنوب وغرب البلاد الى جانب إنشاء معسكرات في المناطق الجبلية النائية، من أجل توفير المقاتلين. ولم يقتصر نشاط التنظيم على الأقاليم الجنوبية البعيدة عن العاصمة كابول، بل تشهد الأقاليم المجاورة لها تحركات للمقاتلين المنتسبين إلى التنظيم الإرهابي، ففي إقليم لوجر كشف مسؤولون محليون لوسائل الإعلام عن نشاط لتنظيم داعش الإرهابي في بعض المناطق الإستراتيجية المهمة. وهنا كيف يمكن توصيف الواقع وتحليله؟
يبدو أن حركة طالبان تواجه تهديداً وجودياً اليوم، ليس بعيداً عن التخطيط الأمني لصناع تنظيم داعش الإرهابي. فهذا التنظيم هو عبارة عن جماعة إسلامية تحمل الى حدٍ كبير نفس أهداف حركة طالبان. لكن السبب الأساسي لنمو هذا التنظيم وإمكانية تخطيه في نفوذه حركة طالبان، هو التمويل القوي والدعم المعنوي الذي يلقاه، وهو الأمر الذي يعود أساساً الى السعودية وقطر اللتين جعلتا من الإرهاب أوراق لها. الى جانب ما يحصده من مالٍ نتيجة سيطرته على بعض النفط في سوريا والعراق. وهو الأمر الذي يدفع عدداً كبيراً من مسلّحي طالبان وقياداتها، لمبايعة تنظيم داعش الإرهابي، نظراً لما يتمتع به من قوة مالية واستراتيجية واضحة لا تختلف مع طالبان أيديولوجياً، في ظل تخبطٍ سياسيٍ واضح لحركة طالبان وفشلها في العودة إلى السلطة. فما هو المتوقع مستقبلاً؟
إن حركة طالبان اليوم هي أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن تقاتل من جهة تمدد تنظيم داعش الى جانب قتال الحكومة الأفغانية والتواجد الأمريكي، وبالتالي فتكون قد أدخلت نفسها في مخاطرة الإستنزاف على أكثر من جبهة، أو يمكنها أن تعلن تحالفها مع إحدى هذه الجهات وبالتالي رضوخها لواقعٍ جديدٍ سيضعفها حتماً. وهنا لا بد من الإشارة الى أن النتيجية ستكون سيئة على أفغانستان في كلتا الحالتين. وفي حال تعاظم تنظيم داعش وانحسار قوة طالبان، فيكون قد خلف الإرهاب سلفه ليس أكثر. ولعل إنسحاب القوات الأمريكية المفترض، سيكون مؤثراً على المشهد الأفغاني عموماً، الى جانب مشهد النفوذ الإرهابي.
إذاً في ظل التغيرات التي يشهدها الصراع في المنطقة، أصبح الإرهاب أحد أوجه هذا الصراع. فقد أصبحت التنظيمات الإرهابية واقعاً يهدد أمن الدول، فيما تتقاتل حركاته بهدف فرض السلطة والنفوذ. وها هي أفغانستان تدخل دائرة الخطر مجدداً، لتبدأ بتصدر المشهد السياسي مع غيرها من الدول. فيما يسجل للسعودية وقطر، إنجازٌ جديدٌ لسياساتهم الإستراتيجية، عنوانه إرهابٌ من نوعٍ آخر في أفغانستان
محمد علي جعفر
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق