التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, نوفمبر 14, 2024

وصفٌ للمشهد العربي بحقيقته: بين واقع رضوخ الأنظمة ومقاومة الشعوب 

لا يمكن حل المشكلة إلا بعد توصيفها بعناية، هكذا يبدأ منظروا الإستراتيجيات قبل وضع الخطط. لذلك وبعد النجاح بالتوصيف يأتي دور الحلول في المرحلة التالية. ولأننا في منطقةٍ تعصف بالأحداث المتسارعة، يقف المحللون لينظروا لقضيةٍ بين القضايا العالقة في المشهد العربي، دون ربطها بالقضايا الأخرى المتعلقة بها. وهو الأمر الذي يؤدي الى الفشل بالتوصيف وبالتالي الفشل بالنتيجة، لأن التفكير المنظَّم الذي يرى المشكلة في قالبها الكامل، ينطلق من رؤية المشهد السياسي بأجمعه، وربطه بالمؤثرات والنتائج، ليتحقق الهدف الصحيح وهو التوصيف الدقيق. فكيف يمكن توصيف المشهد العربي اليوم بطريقة تؤسس لوضع إستراتيجيةٍ ناجحة؟

 

وصفٌ منظومة المشهد العربي، ضمن إطارٍ عامٍ جامع:

منظومةٌ من الأقطار العربية، تجمع عدداً من الكيانات المنهارة، لم يتبقَ في كلٍ منها سوى جيشٍ زجَّته سياسات دولته في صراعاتٍ داخلية مذهبية الطابع، وإن توحَّد تحت قرار قيادته، كانت وحدته خدمةً لمغامرةٍ داخل دولةٍ عربيةٍ أخرى. وعندما تسعى أنظمتنا العربية لتصحيح سياساتها، تكون الأهداف خلاف إرادة الشعوب في الغالب، والنتائج عكس مصالح الأمة. مما يرسخ المشكلة ويعمقها، لتتولَّد من المشكلة مشكلات أكبر، وتُحوِّل بالنتيجة الجغرافيا السياسية القائمة، الى خريطةٍ أخرى أكثر تعقيداً، بعيدة عن ثقافة وتاريخ الشعوب العربية، تحكمها مبادئ مناقضة لأديان وعادات أبناء الأرض، حاكتها أدمغةٌ أمريكية السياسة، صهيونية الخلفية. فكان الواقع الحالي، نتاجاً لعجز الأنظمة العربية عن حماية شعوبها.

لذلك تأسس الكيان الإسرائيلي الغاصب في فلسطين، واستمر. فزاد على الواقع العربي المقسَّم والهش، كيانٌ يعيش كذبة حق الوجود، وصاحب الأرض الأصلي، مهجَّرٌ ولاجئ. مما أوجد في المنطقة واقعاً يشكل بحد ذاته خطراً على الجميع، كيانٌ يقوم على قوة قدرات جيشه الفائقة عسكرياً، في مقابل أنظمة منهارة وشعوبٍ محكومة لسياساتٍ خاطئة، وجيوشٍ منشغلةٍ في صراعات الداخل أو حربها على الأشقاء، فكان نمو الكيان الغاصب، وتراجعت بالتزامن مع ذلك قدرة الأنظمة وقوتها، ثم أطلت من خلف توقعات السياسات الظرفية والإستراتيجية للمخطط الصهيوني، بعد أن أرسى واقع الرضوخ العربي، حركةٌ جديدة على الصراع، كانت وليدة التمرُّد على الواقع الخاطئ، بدأت بإنتفاضةٍ في فلسطين، ومقاومةٍ مسلحةٍ في لبنان، جمعتها شعارات نصرة المستضعفين التي أسستها الثورة الإسلامية في إيران، لتشكِّل منعطفاً جديداً في الصراع.

حينها أدرك المخططون الصهاينة أن الأمور لم تعد تسير على ما يُرام ، ولا بد من إيجاد حالةٍ جديدة في المنطقة، تكون سنداً للكيان الإسرائيلي، والذي أصبح بحسب التقييم عاجزاً بالخصوص بعد إنتصار لبنان ٢٠٠٠، فعاد دور مراكز أبحاث واشنطن المتخصصة في العلاقات الدولية وكيفية إبداع الأفكار (International Relations Policy and Idea Innovations)، لتقوم بدراساتٍ كان هدفها ضرورة إيجاد حالةٍ مؤهلةٍ تستطيع أن تُكمِّل ما رسمته سياسات يينون في ١٩٨٢ وبرنارد لويس في ١٩٩٢ ورالف بيترز في ٢٠٠٦ ثم جيفري جولدبرج في ٢٠٠٨، فجاء الوقت المناسب لسطوع الدور الأساسي للتنظيمات التكفيرية الإرهابية. نتيجةً لذلك، كيف يمكن وصف مشهد بعض الدول اليوم؟

بعضٌ من المشهد العربي على حقيقته اليوم، مفصلاً وبصورةٍ مواكبة لكل جديد:

أولاً:فلسطين

دولةٌ تعاني من أزماتٍ داخلية نتيجة قيام الكيان الصهيوني بإحتلالها، مما شرد شعبها، وأدخلها في سياسات الإستنزاف تاريخياً فيما:

شعبها مقاومٌ رافضٌ للإحتلال، يعيش المعاناة بين اللجوء في الخارج، وقهر النظام في الداخل، في ظل دولةٍ ساهمت على مرِّ الزمن بتدويل الأزمات سياسياً.

بين المعاناة والإحتلال يمكن القول اليوم أن المقاومة الفلسطينية أصبحت أساساً في الواقع الجديد بعد أن قدمت الكثير من التضحيات، من حروبٍ كانت آخرها الحرب على غزة.

ثانياً: العراق

دولةٌ تعيش اليوم حالةً من الصراع القومي والمذهبي والذي:

أرسته السياسة الأمريكية التي احتلت العراق، وضربت مكوناته لا سيما الجيش، وعززت المذهبية قبل دخول تنظيم داعش الإرهابي على الخط. لينتقل من حالة الصراع المحلية الى حالة الصراع الدولي، بعد أن رسّخت السياسة الأمريكية واقعاً يمهِّد لتدويل الأزمة وهو ما عبرت عنه مؤخراً بالتحالف الدولي.

مع وجود طبقةٍ سياسيةٍ عاشت في ظل نظام ديكتاتوري، قليلة الخبرة والتجربة سياسياً، وجد بعضها في الأمريكي مخلِّصاً، والبعض الآخر انتمى لمحور المقاومة اليوم، ليعود ويصبح هو الأقوى حالياً، بعد إمساكه بالميدان.

الى جانب أن هذا النظام السياسي الذي طغى لفترةٍ على العراق، خدعته السياسة الأمريكية لمدةٍ من الزمن، قبل أن يدخل الطرف الإيراني الصاعد على الخط، ويقلب المعادلات.

ثالثاً: سوريا:

دولةٌ تعيش حالةً من التقاتل الذي يعتبر جديداً في التاريخ البشري، فالجميع يصف ما يجري في سوريا بالحرب الكونية، في مساحةٍ جغرافية أصغر من الحرب، وفي بلدٍ يتميز بموقعه السياسي المهم:

بدأت الأزمة بمشهدٍ كان المبرِّر للحرب، لكنه لم يكن السبب الحقيقي، فالمبرر الذي رُوِّج له كان تحقيق العدالة وإسقاط النظام الحاكم ضمن مسلسل إسقاط الأنظمة في مشروع الربيع العربي، ليتبين فيما بعد أن الهدف ضرب محور المقاومة.

وهو ما سعت أمريكا للتمهيد له، من خلال التحضير لحربٍ دولية، أفضت اليوم الى تغيير الجغرافيا السياسية لبلاد الشام. فسقطت الحدود السورية الشمالية الى حدٍ كبير نتيجة الدور التركي، بينما بقيت الحدود الجنوبية ضمن الصراع الإسرائيلي بمشهده الجديد، في ظل دورٍ أردنيٍ تاريخيٍ كمركزٍ لتخزين السلاح الإسرائيلي والتدريب، أما الجبهة الغربية فقط تقاطعت مع لبنان شرقاً، في مشهدٍ يغيّر اليوم معالمه مقاتلوا حزب الله اللبناني. ومن جهة الحدود الشرقية، تتداخل جغرافيا الصراع العراقي السوري.

رابعاً: لبنان:

بلد اللادولة، صغير الحجم، أدخلته مقاومته للكيان الإسرائيلي ضمن المخططات:

يعتبر الأفضل حالاً نتيجة تخطيه خطر الأزمة السورية بعد أن تنبأ حزب الله اللبناني للمخاطر واستبق الأحداث. فقام بهجومٍ إستباقيٍ على الإرهاب، وأمّن أغلب مدن لبنان الشعبية، وأسس لجغرافيا عسكرية تبعِّد المعركة عن القرى. واليوم يكمل انجازاته الميدانية في جرود عرسال.

من جهةٍ أخرى يبقى المشهد السياسي الداخلي المنقسم نموذجاً للصراع الإقليمي والدولي القائم.

النتيجة

يعتبر ما تقدم، وصفاً للمشهد العربي بشكلٍ عام منذ ما قبل الثمانينات حتى بداية الخطر الداعشي المُقلق. ثم قدمنا وصفاً لبعض الدول المركزية في الصراع، والتي تشكل محور المقاومة عملياً بين الدول العربية، ليكون هذا المقال عبارة عن وصفٍ تحليليٍ لواقع هذه الدول اليوم، إنطلاقاً من ضرورة تقديم الوصف الصحيح والدقيق قبل قراءة المستقبل. وهو ما سنعالجه لاحقا .

محمد علي جعفر

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق