لهذه الأسباب فقد أردوغان طموحه ودخلت ترکیا فی مرحلةٍ جدیدة
شكلت الإنتخابات التركية محط إهتمامٍ لدى جميع المراقبين، داخل تركيا وخارجها. فالسياسة الدولية التي تسعى لها الدول، دائماً ما تحكمها مكونات السلطة الداخلية. وقد لعبت تركيا دوراً إقليمياً بارزاً في الصراع القائم إقليمياً، حيث كانت السياسة الدولية لأنقرة ترجمة لطموحات الحزب الحاكم منذ ١٣ عاماً. وهنا يجري الحديث اليوم عن الخسارة التي مُني بها حزب العدالة والتنمية، والذي لا يُعتبر تصدره للإنتخابات فوزاً، على قدر ما يعتبر تراجع ممثليه في البرلمان هزيمة. فكيف يمكن تحديد الأسباب الموضوعية لخسارة حزب العدالة والتنمية طموحاته الإنتخابية؟
لا شك أن مجرد الحديث عن تراجع شعبية الحزب الحاكم في تركيا وبالتالي ضعفه في الإستمرار بنهجه الذي كان يعتمده، يدل بحد ذاته على أن الحزب وطوال فترة حكمه كان يعتمد على احتكاره للسلطة في تحقيق مشاريعه السياسية داخلياً وخارجياً، وهو ما يجب الوقوف عنده. لكن تفصيل الأسباب العملية قد يخلص الى النتائج التالية:
السبب الأول: محاولة الحزب تغيير نظام الحكم في تركيا من برلماني الى رئاسي لم يُخف حزب العدالة والتنمية، بل أعلن عن خططه لتعديل الدستور، بحيث يتحول النظام السياسي في تركيا من نظام برلماني ورئيس ذي صلاحيات شبه منعدمة الى نظام رئاسي، حيث يتم بموجبها منح الرئيس، صلاحيات تنفيذية واسعة يسيطر بها على تركيا. وهو الأمر الذي عبَّرت المعارضة عن رفضها له، في حملاتها الإنتخابية المعادية لأردوغان، تخوفاً من أن يكون مقدمة لديكتاتورية أردوغان، بحيث رفضت المعارضة في شعاراتها الإنتخابية تحويل الرئيس من “الرئيس أردوغان” الى “السلطان اردوغان” بحسب تعبيرها. ولذلك فقد كان الهدف الأساسي الذي سعى الحزب الحاكم لتحقيقه، يُشكل بحد ذاته السبب الرئيسي لخسارة الرئيس التركي طموحه.
السبب الثاني: الإقتصاد التركي المتدهور بحسب نتائج دراسة أجراها مركز “ميتروبول” للأبحاث الإستراتيجية والإجتماعية، في نيسان ٢٠١٥، فإن ٥٧% من الناخبين الأتراك ليسوا راضين عن طريقة إدارة الحكومة للإقتصاد التركي، في حين بلغت نسبة من يوافقون عليها ٣٤%. وهنا وبحسب التحليلات فإن الفشل في إدارة هذا الملف بدأ تحديداً مع دخول الطرف التركي في الملفات الإقليمية، والتي أثرت على علاقته بالعديد من الدول نتيجة تشابك المصالح أو اختلافها. وهو الأمر الذي عكسته بالتحديد الأزمة السورية، بحيث أن تركيا تعودت على سبيل المثال ومنذ العام ١٩٩٨ على التبادل الإقتصادي القوي مع سوريا، والذي سرعان ما ضربته الأزمة السورية. الى جانب أن موقف السياسة الخارجية لتركيا ودعمها الإرهاب، كان من الأمور التي عقدت العلاقات أكثر، مما أدى لإزدياد صعوبة إدراة الملف الإقتصادي. وهنا لا بد من الإشارة الى أن هذا الموضوع جاء إضافةً الى الواقع التركي المعارض لسياسات أردوغان الإقتصادية أصلاً، والتي تتحدث عن فشله في تحقيق العدالة الإجتماعية. فهو على الرغم من ترويجه للأهداف الثقافية والإقتصادية، جرى الإحتجاج على سياساته التنفيذية التي اعتمدها والتي كانت منحازة للطبقة الأرستقراطية في تركيا، مما عمق الفوارق الإجتماعية.
السبب الثالث: سياسة أردوغان القمعية وتقييد الحريات شكلت سياسة أردوغان القمعية مسألةً أثرت على الإنطباع التركي العام تجاه أسلوب وشخصية الرئيس التركي. وهي أحد الأسباب التي دفعت الأكراد للتصويت لحزب الشعوب الديمقراطي بدلاً من حزب العدالة والتنمية هذه المرة. فمن سياسة قمع الإعلام والسياسيين، إلي أحداث ميدان تقسيم وغيرها من الأحداث والصدامات المتكررة مع الأكراد، كلها كانت من الأمور التي أعلن قطاع كبير من الشعب التركي رفضه لطريقة تعامل الحزب الحاكم معها. وبحسب الإعلام التركي، فإن ملاحقة أردوغان وحزب العدالة والتنمية لعبد الله غولن واتباعه، أثار حفيظة جزءٍ كبيرٍ من الشعب التركي خاصة وأن شعبية عبد الله غولن كانت في ازدياد في تركيا مؤخراً، الى جانب أن جماعته متنفّذة في الأوساط الشعبيّة وفي مؤسسات الدولة التركية. وهو الأمر الذي أدى الى التأثير على شعبية الحزب الحاكم. كما أن الشعب التركي عبَّر مراراً ومنذ فترةٍ طويلة عن استيائه من أسلوب القمع الذي يستخدمه الحزب الحاكم. فقد طال القمع الى جانب المعارضة، الصحافة كالصحفي “أكرم دومنلي” رئيس تحرير صحيفة “زمان”، ووسائل الإعلام، الى جانب أسلوب الحزب الحاكم في التعاطي مع شبكة أرجينيكون التركية. وقد أشارت الأوساط الإعلامية بعد قيامها بإستفتاء حول هذا الموضوع، أن أغلب الآراء المُستَطلعة، أجمعت على أنه من المفترض أن تركيا دولة ديمقراطية ترعى الرأي الحر، وهو ما لا يجري اليوم في تركيا كما كان معتاداً. وهو ما قد عكسه قيام منظمة “فريدوم هاوس” الأمريكية الحقوقية، في حزيران ٢٠١٤، بتخفيض مرتبة تركيا من “حرة جزئياً” إلى “ليست حرة”، مؤكدةً أن تركيا شهدت أسوأ تدهور في حرية الصحافة. السبب الرابع: الصراع الأيديولوجي في المنطقة والذي تأثرت به تركيا: كان للأقليات الأثر الواضح في الإنتخابات التركية. لذلك فإن مقاطعة الأقليات لحزب العدالة وقيامها بالتصويت لأحزاب المعارضة، يشكل أحد الأسباب الأساسية التي انعكست في نتائج الإنتخابات. فموقف تركيا من الأزمة السوريّة، وقيام أردوغان بدعم الإرهاب والدفع باتجاه إسقاط النظام، جعل الأقليّة العلوية تبتعد عن تأييد سياسة حزب العدالة والتنمية. كما أن الموقف التركي من الحرب في كوباني جعل الأكراد ينظرون بسلبية إلى سياسة تركيا الإقليميّة، وهو الأمر الذي عبروا عنه من خلال صناديق الإقتراع. يبدو أن الأهداف التي وضعها أردوغان الى جانب الأساليب التي اتبعها، تشكل مجتمعةً الأسباب الرئيسية لتراجع شعبيته التي أثرت على نتائج الإنتخابات وبالتالي أفضت الى تراجع تمثيله في البرلمان. وهو ما يؤكد أن الشعب التركي، يرفض السياسات الحالية داخلياً وخارجياً، مما يضع الجميع في تركيا اليوم، أمام مسؤولية إعادة النظر في سياساتهم. الى جانب أن المعارضة لديها فرصة ثمينة لبناء مشروعها بقوة، وهو ما سنلحظه في الأيام المقبلة. الوقت- محمد على جعفر
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق