التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

سقوط الإستراتيجية الأمريكية بين فشل رهانات واشنطن وقدرة العراق على النهوض 

يعيش العراق حالةً من الصراع مع الإرهاب، في ظل سعيٍ أمريكي للعمل على إعادة بسط نفوذٍ، من الواضح أنه أصبح أصعب من قبل. فالسياسة الخارجية الأمريكية تجاه العراق تعيش حالةً من التَخبُّط، وهو الأمر الذي سنوضحه في هذا المقال. فماذا في تحليل واقع الإستراتيجية الأمريكية تجاه العراق؟

 

أمريكا وإقامة المزيد من القواعد العسكرية:

 

قال الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة يوم الخميس الماضي، إن أمريكا تبحث إقامة المزيد من القواعد العسكرية الأمريكية في العراق للتصدي لتنظيم داعش الإرهابي في خطوة قد تتطلب نشر المزيد من القوات الأمريكية. تأتي هذه التصريحات بعد يوم من إصدار الرئيس الأمريكي باراك أوباما أوامر بإرسال ٤٥٠ جندياً أمريكياً إضافياً إلى العراق بحيث ستُقام قاعدة عسكرية جديدة داخل قاعدة التقدم العسكرية والتي تبعد نحو ٢٥ كيلومترا فقط عن مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار والتي سيطر عليها تنظيم داعش الشهر الماضي. ووصف ديمبسي قاعدة التقدم بأنها “منصة” للجيش الأمريكي حتى يتوسع أكثر في العراق بهدف تشجيع وتمكين القوات العراقية في قتالها للتنظيم. وتمثل خطة تعزيز القوات الأمريكية في العراق البالغ قوامها ٣١٠٠ جندي وإقامة مركز عمليات جديد في الأنبار، تغييراً في استراتيجية أوباما الذي يتعرض لضغوط متزايدة لبذل المزيد من الجهود للحد من تقدم الإرهاب. وهنا نعالج الوقائع بغض النظر عن النوايا، فكيف يتبيَّن التخبط الأمريكي في العراق؟

 

تخبط الإستراتيجية الأمريكية في العراق:

 

شكلت أمريكا تحالفاً عسكرياً من ستين دولة من بينها دول عربية، شنت طائراته أكثر من ٣٧٠٠ غارة منذ الصيف الماضي، وأخذ يتباهى المتحدثون باسم التحالف، بأنهم نجحوا في لجم تنظيم داعش ومنع توسع الإرهاب. وقامت السياسة الأمريكية للتحالف على القصف الجوي والغارات المُكثفة، فيما تُرك الميدان للجيش العراقي. لكن سير الأحداث وتطورات الميدان قلبت الموازين وجعلت الأمريكي يشعر لفترةٍ أن قوةً حقيقية بدأت بالظهور قد تجعل العراق يستغني عنه. وهي القوة التي حاربتها أمريكا في البداية بشتى الوسائل، لكنها عادت لتفرض نفسها، وقد عنيت بها قوات الحشد الشعبي. فدخلت واشنطن في أزمة إدارة الملف العراقي من جديد، فالطرف العراقي وبعد الدعم الإستشاري الإيراني له، أصبح قادراً على النهوض والإستغناء عن أمريكا. وهو الأمر الذي جعل واشنطن تُحيك مؤامراتٍ تكتيكية، لتقف مع الإرهاب في الميدان أكثر من مرة. فعلى ماذا يدل ذلك؟

 

إن تغيُّر الإستراتيجيات الأمريكية بين الحين والآخر يطرح العديد من التساؤلات، الى جانب كونه مؤشراً خطيراً على حالة التخبط الأمريكية. فسقوط الرمادي وتدمر، دفع واشنطن الى الدعوة لعقد مؤتمر في باريس لوزراء خارجية دول التحالف، بهدف التعرف على مواطن الخلل والفشل، وتعديل الإستراتيجية التي كانت موضوعة، أو اعتماد إستراتيجية بديلة حينها، في ظل تساؤلاتٍ كثيرة حول حقيقة النوايا الأمريكية، بسبب براغماتيتها المعهودة، ولعبها على حبل السياسات بناءاً علی الوقائع المُتغيرة، وهنا نشير إلى التالي:

 

– إن إدعاء واشنطن محاربة الإرهاب، يضع الكثير من علامات الإستفهام، حول تغير الأولويات في الإستراتيجية الأمريكية. فمنذ بداية الأزمة السورية التي لا يمكن فصلها عن أزمات المنطقة وبالتحديد العراق ولبنان، كان إسقاط النظام السوري أولويتها مما دفعها لدعم الإرهاب وتقويته. لتتراجع عن هدفها(أي إسقاط النظام وليس دعم الإرهاب) بعد نجاح محور المقاومة في فرض شروط الميدان لفترةٍ طويلة، حتى قررت السعودية وقطر ومعهما تركيا، توحيد صفوف الإرهاب في سوريا والضغط بإتجاه ضرب قوة النظام من جديد. وكل هذه التغيرات في الإستراتيجية الأمريكية كان خلال عامين لا أكثر.

 

– بنت أمريكا استراتيجيتها في التعاطي مع الملف العراقي، مراهنة على فشل العراقيين في توحيد صفوفهم. الى جانب رهانها على زيادة الشرخ بين الطبقة السياسية الحاكمة في البلاد. وعلى الرغم من أنه لا يمكن القول إن هذه الطبقة متجانسة في كل شيءٍ اليوم، إلا أنها متفقة على أن الإرهاب خطٌ أحمر، ومصلحة العراق أولى من كل شيء. وهو الأمر الذي جعل الأمريكي يُغير من تكتيكاته السياسية، ويعمل على دعم أطرافٍ ضد أخرى، وإستغلال وضع من يطالبون بالتقسيم حُلماً بالإنفصال، وصولاً الى سعي الأمريكي ضرب قوات الحشد الشعبي التي أثبتت وعبر الميدان فعاليتها في قتال الإرهاب وبالتحديد في معركة تكريت، الأمر الذي دفع واشنطن للتراجع مؤخراً، والعودة الى مغازلته من جديد، إلا أنها بقيت تنادي بتسليح العشائر كمحاولةٍ لإسترضائهم. مما يعني أن التغيُرات المتسارعة في المشهد العراقي، دلَّت على عدم قدرة الأمريكي على التنبؤ بها، لعدم تمكنه من الإمساك بخيوط اللعبة من جديد، مما عمَّق تخبطه بالسياسات.

 

بناءاً على ما تقدم:

 

يُشير محللون اليوم الى أنه على الأمريكيين أن يعترفوا بأخطائهم في العراق بالتحديد. فهم الذين وبحسب الحقائق قاموا بضرب بنية الجيش العراقي. وهم أيضاً الذين دفعوا بجنرالاتٍ كبار كانوا ينتمون الى قوات الحرس الجمهوري والجيش العراقي السابق، الى إحتضان الإرهاب في العراق عندما كانت أولويات واشنطن عكس ما هي عليه اليوم. فالتاريخ لم ينس الجنرال بول بريمر الحاكم العسكري للعراق في أيام الإحتلال الأمريكي، والذي كان له الدور الكبير في حل الجيش العراقي وضربه. وبالتالي فإن العراق اليوم يعيش أزمة لا تقل عن أزمة جاره السوري. والسبب الرئيسي في كل ذلك هو الطرف الأمريكي بالتحديد. فالإستراتيجية الأمريكية قامت ومنذ البداية على سياسات التقسيم الطائفية والعرقية، فمزقت المنطقة وفتتت أوصالها وأغرقتها في حروب اهلية، وكان العراق أحد الضحايا.

 

النتيجة:

 

إن هذا التقلب في الأولويات الامريكية، والتخبط في الإختيار بين الحلفاء والخصوم، الى جانب غياب التركيز السياسي والعسكري، انصب كله في خدمة الإرهاب، وأظهر من جهةٍ أخرى ضعف الطرف الأمريكي أمام العالم بأسره. وهو الأمر الجديد الذي حل اليوم كمشكلةٍ على إستراتيجيات واشنطن، والتي عادةً ما تضع المخططات وتمشي بها دون إضطراباتٍ تُذكر. لكن الواقع اليوم لم يعد كالماضي. فالميدان هو من يحدد نقاط القوة، وقد أثبتت واشنطن أنها أضعف ما يكون في تجارب الميدان. وتكمن قوتها في التعاطي ضمن إستراتيجية السياسة المخادعة التي تستفيد من الجميع، وإن اختلفوا. وهو الأمر الذي لم يعد سهلاً مثل ذي قبل.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق