التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 22, 2024

بين قوة أمريكا وإرادة إيران: كيف إنتصرت الإرادة؟ 

 قد يكون من الصعب على البعض تقبُّل فكرة أن أمريكا القوة العظمى، أصبحت اليوم ضمن تعبير “لقد كانت”. فالعالم بأسره تعوَّد ولسنواتٍ طوال، أن يكون الأمريكي حتماً المُنتصر، حتى أصبحت سياسة واشنطن، تعني بحد ذاتها الفوز. لكن القراءة الموضوعية اليوم، تُشير الى عكس ذلك تماماً. وهو الأمر الذي أصبح يعترف به خبراء السياسة الأمريكيون، على الرغم من أن بعض المُتعدِّين على السياسة الدولية في منطقتنا، مازالوا يكابرون، ولهم أسبابهم التي لا تعنينا. لكن يعنينا أن نسلط الضوء على حال السياسة الأمريكية اليوم، وبلسان خبراء أمريكيين، اعترفوا بالنتائج السلبية للإستراتيجية الأمريكية دولياً. الى جانب تسليط الضوء على النفوذ الإيراني في المقابل، وكيف نجحت الإستراتيجية الإيرانية. فكيف يمكن المقايسة بين الإستراتيجيتين وبموضوعية؟

أمريكا وفشل استراتيجية القوة:

يمكن القول إن أمريكا حققت نصراً واحداً بمعايير الحرب العسكرية، وذلك في خمس حروب رئيسية، وهي عملية عاصفة الصحراء. إلا أن الحرب الكورية كانت عبارة عن ورطة دموية، فيما شكلت حرب فيتنام هزيمة عسكرية صريحة، لنصل الى حربي أفغانستان والعراق، واللتين إعتُبرتا أطول حربين تخوضهما واشنطن، ويمكن القول انها خسرت فيهم. كلُّ ما مضى عبارة عن رأيٍ لكاتبين أمريكيين تحدثا وبصراحة، عن الفشل الأمريكي. وقد ذكر ذلك الكاتب الأمريكي دومينييك تييريني المحرر المساعد في مجلة ذي أتلانتك وأستاذ العلوم السياسية في جامعة سوارثمور، في كتابه الجديد الذي أطلقه بداية الشهر الحالي تحت عنوان: “The Right Way to Lose a War: America in an Age of Unwinnable Conflicts (June, ٢٠١٥)” . أو “الطريقة الصحيحة لخسارة الحرب: أمريكا في عصر الصراعات التي لا يمكن الإنتصار فيها”. الى جانب أن نعوم تشومسكي الكاتب الأمريكي المعروف، لديه العديد من المقالات حول هذا الموضوع.

وهنا نشير الى التالي، في تقييمٍ لأسباب الفشل الأمريكي مقرونٍ بالأدلة:

في تقييم لحربي أفغانستان والعراق فلقد كان من الواضح أنهما استنزفتا الأمريكيين أكثر من غيرهما، إن على صعيد العديد البشري، أو على صعيد التكلفة. ولعل الكلام الأخير لدونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي في عهد بوش الابن، عن أن أمريكا أخطأت في غزو العراق، يأتي ليؤكد ذلك. كما أن الكاتب دومينييك تييريني الذي أشرنا اليه سابقاً، أشار في كتابه ليقول في تحليله لأسباب الفشل الأمريكي إنها تعود للفجوة بين أمريكا وحلفائها على صعيدٍ أسماه “إرادة الحرب” وهو ما نسميه نحن “العقيدة القتالية”، موضحاً أن أمريكا كانت ومازالت تعتمد على القوة وهو الأمر الخاطئ. وهو ما أشار اليه الكاتب قائلاً: “إنها حرب محدودة بالنسبة إلى الأمريكيين، وهي حرب شاملة بالنسبة لأعدائهم. وإن لدى أمريكا قوة أكبر، أما أعداؤها فلديهم إرادة أقوى”.

  • وببساطة في تحليلنا للنتائج نجد أن الطرف الأمريكي المُخطط تعاطى مع سياسات المنطقة، دون الفهم الحقيقي للواقع الموجود. فالحشد العسكري لم يُجد نفعاً في منطقتنا، وهو الأمر الذي بيَّنته نتائج الصراعات. وإلا فلماذا لم ينفع واشنطن الحشد العسكري في أفغانستان؟ ولماذا حدث مثل ذلك في العراق؟ مع الأخذ بعين الإعتبار الفرق بين الحربين والبلدين.

إذاً تعاطت أمريكا مع الوقائع السياسية من منطلق المُكابر المُعتاد على الفوز، وكانت حروبها عبارة عن مشاريع هدفت للإستيلاء من خلالها على مقدرات الدول، ورفع وتيرة تجارة السلاح. ولم تتعاط أمريكا مع الشعوب من منطلق فهمها للواقع الذي سعت للسيطرة عليه. وبالتالي كانت أمريكا تفتقر لما يسمى العقيدة القتالية لدى جيشها، وهو ما يطلق البعض عليه تسمية الإرادة. فأدخلت قواتها في حروبٍ لا دافع فيها للقتال، مما أسقطها في الميدان وفي السياسة. وهنا يأتي الحديث عن الإستراتيجية الإيرانية.

إيران ونجاح إستراتيجية الإرادة:

قد يكون جديداً طرح هذا الموضوع، لكنه سيكون كالجديد في وصف الواقع. أمريكا تنسحب من المنطقة، وتحل إيران مكانها. ليس لأن الدولتين تتفقان في السياسة، بل لأن إيران كانت اللاعب الخفي، الذي استطاع فرض قواعده، على اللاعب الأخطر أي أمريكا، وكسر معايير القوة، وقلب الموازين. فكيف حدث ذلك؟

  • إن توصيف الواقع يكفي، للوصول الى النتائج. ولعل المشهد العالمي اليوم أوضح من قبل، مما يُسهِّل عملية فهمه. فإيران التي كانت منذ البداية تنادي بالعداء لأمريكا وما زالت، لم تكن تتاجر بنفطها على حساب الشعوب، ولم تسع لإسقاط الأنظمة الشقيقة، ولم تروِّج يوماً لنظامٍ ملكيٍ حاكم. بل حاكت سياساتها ضمن مبادئ يمكن إختصارها بسياسة “تعميم الإرادة”. وهو الأمر الذي يُعتبر وصفاً دقيقاً، لحالة الأمة الإسلامية والعربية بعد إنتصار الثورة الإسلامية في إيران.
  • فالعقيدة القتالية التي حكمت حروب الشعوب في المنطقة لم تأت دون تعب. وهنا فلا بد من القول وبصراحة، إن الإيراني الذي سعى ليكون دولةً ذات نفوذ، رسَّخ واقع نفوذه من خلال مبادئ العداء لأمريكا، والكيان الإسرائيلي. لينجح في جمع كافة شعوب المنطقة تحت عنوانٍ واحد، وعدوٍ مُشترك. وهو الأمر الذي ولَّد حالة القوة التي لازمت كل مقاتلٍ حارب في الميدان.
  • لذلك فإن دعم إيران المالي والعسكري للمقاومات جاء بعد التأسيس العقائدي، على عكس أمريكا التي زجَّت بجيشها في الميادين، ليقاتل تنفيذاً للأوامر فقط. فيما استطاعت إيران تأسيس مقاوماتٍ وحركاتٍ مسلحةٍ تمتد على مساحة دول المنطقة، تذهب للميدان إنطلاقاً من إيمانها بالمعركة والهدف، وتشخيصها السليم للعدو المُشترك. في وقتٍ كانت فيه واشنطن تُحدد أعدائها بحسب المصلحة، لتستخدم القوة العسكرية في سياساتها البراغماتية، لتسقط قوتها مع سقوط سياساتها.

النتيجة:

فشلت أمريكا كقوة عسكرية اعتمدت على فرض الهيبة، وأخطأت تشخيص الواقع. فيما نجحت إيران في تأسيس واقعٍ من قوة الإرادة، جعل الشعوب اليوم، تقف في وجه السياسات الأمريكية. وهو الأمر الذي جعل الأمريكي يقف عند حقائق أصبحت واضحة له ولكل من مشى خلفه. فالزمن اليوم تُحدده شعوب المنطقة، ولا شك أن أمريكا مُحقةٌ في رحيلها عن منطقةٍ، لا مكان لها فيها. في وقتٍ من الواضح فيه أن الشعوب تختار اليوم ماذا تريد، وهو ما لا مشكلة لإيران معه، لأنها هي التي سعت لترسيخه. فسقطت أمريكا بقوتها، ونجحت الشعوب بإرادتها، ونجحت معها الإستراتيجية الإيرانية.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق