التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 22, 2024

هكذا نجح حزب الله! (الجزء الثاني) 

بعد أن قدّمنا في الجزء الأول مختصراً عن اريخ حزب الله والظروف التي أحاطت به، ومن ثم إنتقلنا إلى الحديث عن بعض أسباب النجاح، تسكمل في الجزء الثاني آسباب آحرى ساهمت في نجاح حزي الله داخلياً وخارجياً.

 

فلسفة الميدان

تختلف مدرسة حزب الله عن باقي “المدراس القتالية” في تعاطيها مع الأخطار التي تتربصها، فقد أظهرت مرونة عالية إستطاعة من خلالها الجمع ما بين حرب العصابات والجيوش النظامية. حزب الله الذي كان يهاجم المواقع الإسرائيلية في الجنوب اللبناني على مستوى المجموعات المصغّرة، بدا واضحاً أن يستعمل بعض تكتيكات الجيوش النظامية اذا ما إقتضت الحاجة ذلك على الأراضي السورية والحدود اللبنانية. تشير وقائع الميدان إلى إعتماد الحزب على نطاق السرية/الكتيبة في عمليات الهجوم التي يشنها على الجماعات التكفيرية. 

اذا تعتبر مرونة حزب الله، أو بالأحرى إداركه لفلسفة الميدان من أهم أسباب النجاح، ففي أعقاب حرب تموز مباشرة، عَبَّرَ أحد مراقبي الأمم المتحدة عن ذهوله حين شاهد تعقيد وتحصين إحدى شبكات الأنفاق التي أقامها حزب الله على بعد مائتي متر فقط من الحدود مع فلسطين، حيث تنشط استخبارات الجيش الصهيوني التي تستخدم أكثر أجهزة التجسس تطوراً في العالم، وعلى بعد كيلومترات قليلة من مقر قيادة قوات الأمم المتحدة في الناقورة. الشبكة المعقدة والتي كانت بحجم ملعب كرة قدم، كما وصفها، كانت محصنة جداً ومحمية بـِ سُمْكِ متر من الاسمنت المسلح، ولكن ولعلم هذا المراقب بطبيعة المراقبة المكثفة ولقرب الشبكة الكبير من الحدود علّق مذهولاً حين رآها بعد الحرب: “يبدو أن حزب الله قام بجلب الأسمنت إلى هنا بالملعقة”[٥].

المقاومة وشعبها

أدرك الحزب منذ تأسيسه أن المقاومة بلا الدعم الشعبي كالصلاة بلا وضوء، وبالفعل نجح الحزب الذي ولده من رحم الحرمان الذي تعرّضت له الطائفة الشيعية منذ إستقلال لبنان في بناء علاقة تفاعلية مع مختلف الأطياف المتواجدة على أراضي المعركة. هذه العلاقة الحميمة كانت موضعاً للسهام في كثير من الأحيان لأنها من أقوى أسرار النجاح، إلا أن الحزب وبالتعاون مع الحليف الشيعي “حركة أمل” نجح في تحسين الأوضاع الإجتماعية والإقتصاية عبر مؤسساته الخدماتية التي لم تتوقف حتى في حرب تموز على قاعدة “الفصل بين السلطات”.

أيقنت قيادة المقاومة أن أستمرار العلاقة مع شعبها تتطلب عنصرين أساسيين، الأول الحياة العزيزة وثانياً الحياة الكريمة. حزب يدرك أن أي نكسه يتعرّض لها على غرار نكسة٦٧، ستجعل شعبه يتطلع إلى تنظيمات يسارية ويمينية كما حصل في مصر حينها، لذلك عزّز من بنيته العسكرية خدمةً لشعب المقاومة وبالفعل نجح في إعادتهم إلى بلداتهم المحتلة بعد نصر أيار ٢٠٠٠، وغدى الجنوبي اللبناني يقف مقابل الجنود الإسرائيليين غير أبه بأسلحتهم وحجته “في مقاومة بتحمينا”. أما في النقطة الثانية لم يغفل الحزب عن تأمين أسباب الحياة الكريمة لشعب المقاومة، وقد نجح من خلال مؤسساته الخدمية(جهاد بناء، الهيئة الصحية الإسلامية،المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم، هيئة دعم المقاومة الإسلامية) في رفع المستوى المعيشي والتعليمي والصحي.

لم يكتفي الحزب بإعادة المهجرين إلى بلداتهم بعد نصر أيار، أو بناء البيوت المهدّمة بعد نصر تموز، بل كلّل وصف أمينه العام لشعب المقاومة “بأشرف الناس وأطهر الناس”، بإعادة الضاحية بعد حرب تموز “أجمل مما كانت”، وتكفيك زيارة واحدة للجنوب اللبناني تقف في نهايتها عزيزاً على مرتفع حديقة “إيران” في مارون الرأس وفي مقابلك جنود صهاينة مدجّجين بالسلاح على الأراضي الفلسطينية المحتلة، عندها تدرك سر العلاقة بين المقاومة وشعبها!

اذاً، العلاقة الثنائية بين المقاومة وشعبها والتي تتعرّض حالياً بعد دخول الحزب في الحرب السورية للكثير من هجهات الحرب الناعمة أثبتت مدى فعاليتها في إستمرار الحزب ونجاحة إقليمياً وليس محلياً فقط، ولو لم تكن هذه المقاومة في مصلحة شعبها لما “ترجّى” أهل المجاهدون السيد نصرالله في السماح لإبنهم الوحيد بالذهاب للقتال في سوريا بعد قرار صدر من الحزب يمنع ذلك، بإختصار العلاقة الثنائية بين الجانبين عنوانها الأوحد “وطن يحمي مقاومة تحمي وطن”.

البصيرة والعزم

ذكرنا في المقدمة صوابية قرار حزب الله – باعتراف الأعداء – في تعزيز بنيته العسكرية بعد نصر أيار٢٠٠٠، وهذا ما شهدناه في تموز ٢٠٠٦ وما بعدها، وبالفعل نجح الحزب من خلال البصيرة في الإستراتيجية والتكتيك من ناحية، والعزم على مواجهة الصعوبات والتحديات من ناحية آخرى في تحقيق الإنتصارات على الجبهتين اللبنانية والسورية. ماذا لو لم يدخل حزب الله في سوريا؟ ألم يكن البقاع حالياً “موصلاً ثانياً”؟ ألم يكن تنظيم داعش الإرهابي على مشارف الضاحية (بغداد)، والجنوب (كربلاء)؟

يبدو واضحاً تنظيم “حزب الله” يقوم على المعرفة، والإعتماد على النفس. فهو يدرس خصومه ويستخلص النتائج من عملياته القتالية، ويراكم خبراته القتالية للأجيال الآتية، ولعل المطالعة الدقيقة لمواقف حزب الله تؤكد لنا إعتماده كما في بنيته العسكرية على العلوم الحالية، فلا يستطيع أي فرد يمتلك حظاً في علم التحليل الإستراتيجي إلا أن يتّخذ نفس موقف حزب الله إذا ما إعتمد على نظرية تحليل سووت(SWOT ANALYSIS)- تحليل القوة و الضعف و الفرص و التهديدات-، وهذا بالفعل ما لمسناه في خطابات الأمين العام للحزب عن “تحويل التهديد إلى فرصة”[٦].

على سبيل المثال عند مطالعة حادثة القنيطر الأخيرة والرد الذي قام به حزب الله في مزارع شبعا المحتلة، نرى أن رد الحزب وبالإستناد إلى الظروف المحيطة آنذاك( الحديث عن ضعف حزب الله لدخوله في سوريا، عدّة ضربات جوية إسرائيلية لشاحنات صواريخ للحزب داخل الأراضي السورية، قرار ١٧٠١)  كان في منتهى الدقّة في المكان والزمان والسلاح. عندما نطالع هذه الحادثة وفق نظرية الألعاب((GAME THEORY والتي إستخدمها الأمريكي إثر أزمة الصواريخ الروسية في كوبا [٧]، نكتشف أن رد حزب الله سيكون قطعياً إلا أنه سيراعي القرارات الدولية حتى لا يدان كونه يحارب في سوريا لذلك إختار مناطق شبعا اللبنانية المحتلة.

خلاصة

تعتبر هذه الأسباب من أبرز نقاط القوّة لدى حزب الله إلا أنك عندما تسأل أي مقاتل في الحزب عن أسباب النجاح يجيبك بكلمتين فقط “توفيق إلهي”. لعل كلمة “إستقامة” هي العنوان الوحيد الذي يمكن أن يلخص لنا مسيرة حزب الله منذ نشأته عام ١٩٨٢ حتى يومنا هذا. المرحلة الآن تتطلب بصيرة وعزم بدرجة أكبر حتى تصل المقاومة إلى مرحلة “الإقتدار الصلب”، لأن مخططات الأعداء ستسعى حالياً لحرف البصيرة وتثبيط العزم عبر الحروب “الناعمة” و”الخشنة”. ولكن السيد نصرالله وبخلاف رؤية أعدائه أعلن في الفترة الأخيرة عنوان المواجهة للمرحلة المقبلة تحت شعار” سنكون حيث يجب أن نكون لأنها معركة وجودية”.

 

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق