التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

التنافس السعودي القطري على أبواب تل أبيب 

 درجت العلاقات السعودية القطرية في العقد الأخير على كثير من التناحر والتوتر والتنافس على الصعد المختلفة، حيث ترى السعودية في الدور القطري تهديداً على نفوذها وتأثيرها في المنطقة، فيما تسعى قطر من خلال تعزيز مكانتها الاقليمية إلى تقديم نفسها بديلاً عن السعودية، من حيث القدرة على حفظ مصالح الغرب في المنطقة والتأثير في كثير من القضايا التي تهم السياسة الأمريكية والغربية، وهو ما يتجلى عملياً باستضافة قطر للقواعد العسكرية الأمريكية على أراضيها، والضلوع بدور مؤثر في ملفات عدة، بدءاً من القضية الفلسطينية، وصولاً إلى ما يسمى “ثورات الربيع العربي”.

 

ويبدو أن التنافس بين الطرفين قد بدأ يدخل اليوم فصولاً جديدة، خاصة بعد سلسلة من المتغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، والتي تضمنت سقوط تجربة الإخوان المسلمين في الحكم في كل من تونس ومصر، واقتراب الحركات الثورية من منطقة الخليج الفارسي، وتحديداً في البحرين واليمن، وصعود الدور الإيراني في المنطقة في ظل الاقتراب من توقيع الاتفاق النووي، وأنباء عن تغيير وشيك في السياسات التركية نتيجة تراجع حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إضافة إلى التهديد الذي بدأ يمثله تنظيم داعش الارهابي على الدول الداعمة له، والأهم من ذلك مشاكل الحكم الداخلية التي بدأت تلقي بظلالها على الأنظمة الخليجية الوراثية، وأنباء عن تغيير في المزاج الأمريكي تجاه أنظمة الحكم في الدول الخليجية بشكل عام.

هذه العوامل دفعت السعودية وقطر للبحث عن ورقة قوة جديدة، تساعدهما على الصمود أمام عاصفة التغييرات هذه التي تجتاح المنطقة، وبالتالي بدأ فصل جديد من التنافس بين الطرفين، ولكن هذه المرة في مجال تعزيز العلاقات مع الكيان الاسرائيلي.

وبالرغم من أن العلاقات السعودية الاسرائيلية، والقطرية الاسرائيلية، ليست بحديثة عهد، إلا أن الأيام القليلة الماضية شهدت تحركاً نشطاً من كلا الدولتين باتجاه الدولة العبرية. حيث كشفت صحيفة المنار المقدسية أن وفدا استخباريا من دولة قطر أجرى بداية الشهر الجاري محادثات مع مسؤولين اسرائيليين، تناولت العلاقات بين البلدين في كافة المجالات ومستوى التنسيق بين تل أبيب والدوحة ازاء ملفات المنطقة، وبشكل خاص الدعم المشترك للجماعات الارهابية في سوريا.

وأضافت المنار نقلاً عن مصدر مطلع، أن الوفد الاستخباري القطري الذي ترأسه مدير استخبارات قطر، سلم المسؤولين الاسرائيليين رسالة من ملك قطر لرئيس وزراء الكيان الاسرائيلي بنيامين نتنياهو. وتناولت المحادثات وفق الصحيفة، زيادة حجم الاستثمارات المشتركة، داخل الكيان الاسرائيلي وخارجه، وتثبيت التهدئة في قطاع غزة وتحويلها الى هدنة طويلة الأمد، مع بعض الأثمان تقدمها تل أبيب لحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، ومنح تسهيلات على المعابر، وعدم ربط أي منها بموافقة السلطة الفلسطينية.

وقد جاء هذا اللقاء القطري الاسرائيلي، في نفس الفترة التي أُعلن فيها عن لقاء آخر سعودي اسرائيلي، جمع مدير عام وزارة خارجية الكيان الاسرائيلي “دوري غولد”، مع “أنور عشقي” المستشار الكبير السابق لحكومة السعودية، حيث تباحثا في صراع الكيان الاسرائيلي والسعودية ضد إيران، أثناء مؤتمر لمجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، وقد أعلنت صحيفة يديعوت أحرنوت فيما بعد، بأن هذا اللقاء لم يكن الأول من نوعه بين الرجلين، بل سبقته أربعة لقاءات أخرى. 

وقد برز التنافس السعودي القطري على التقارب من الكيان الاسرائيلي في عدة ميادين نذكر منها:

القضية الفلسطينية: 

حيث تقدمت السعودية بالمبادرة العربية للسلام، والتي حاولت من خلالها فتح طريق للعلاقات السعودية الاسرائيلية وفق رؤية تحقيق تسوية فلسطينية اسرائيلية بقيادة السلطة الفلسطينية، إلا أن الكيان الاسرائيلي لم يكترث لهذه المبادرة بعد ١٣ سنة من تاريخها، وقد دعمت السعودية رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في مواجهة حماس المدعومة من قطر، وقد بلغت ذروة الغزل السعودي للكيان الاسرائيلي خلال عدوان غزة الأخيرة، حيث كشفت صحيفة “هافنغتون بوست” الأمريكية أن العدوان الإسرائيلي على غزة جاء “بمباركة دولية وإقليمية من دول على رأسها مصر والولايات المتحدة والسعودية والإمارات”. وأضافت الصحيفة أنه “ليس سراً في إسرائيل أنّ الهجوم على غزة أتى بمرسوم ملكي سعودي، وقيادات وزارة الدفاع الإسرائيلية لا يخفون ذلك”.

وبالمقابل تسعى قطر للعب دور بديل للمبادرة العربية من خلال تسويات ضيقة مع الكيان الاسرائيلي، لتحقيق بعض التفاهمات بين حركة حماس والكيان الاسرائيلي، وتقديم نفسها أمام الكيان الاسرائيلي بأنها أحد أهل الحل والربط في الداخل الفلسطيني، وأنه يمكن الاعتماد عليها في تحقيق الاستقرار للأمن الاسرائيلي.

الملف النووي الإيراني:

حيث تدرك الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية وقطر أن المنطقة بعد الاتفاق النووي مع الجمهورية الاسلامية، لن تكون كما قبلها، وأن الدور الإيراني في المنطقة، سيقبل على مزيد من الفاعلية والتأثير في الملفات الاقليمية، وقد عبر القادة الخليجيون في أكثر من مناسبة عن المخاوف التي تساورهم من تخلي أمريکا عنهم، لصالح التوافق مع الجمهورية الاسلامية، الأمر الذي حاول الرئيس الأمريکي أوباما نفيه، خلال قمة كامب ديفيد التي جمعته مع القادة الخليجيين.

ولا يخفى الدور الذي لعبه الكيان الاسرائيلي على إذكاء حالة الرُهاب من الجمهورية الاسلامية لدى الدول الخليجية، الأمر الذي أسهم في دفع هذه الدول وفي مقدمتها قطر والسعودية إلى تعزيز العلاقات مع الكيان الاسرائيلي، ويرى مراقبون أن هناك منافسة وسباقاً لدى وسائل اعلام الطرفين لتعديل صورة الكيان الاسرائيلي لدى المتابع العربي، وفي المقابل تصوير الجمهورية الاسلامية على أنها العدو.

الساحة المصرية:

بعد سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك، والذي كانت تجمعه علاقات وطيدة مع الكيان الاسرائيلي، ومجيء حكومة الإخوان المسلمين بقيادة محمد مرسي، احتدمت المنافسة بين كل من قطر والسعودية على جعل مصالح الكيان الاسرائيلي متقاطعة مع مصالحها لأبعد حد ممكن، وذلك بهدف تحصيل دعم وحماية هذا الكيان، فمن جهتها قامت السعودية بدعم الثورة المضادة للاطاحة بحكم محمد مرسي، بما يمهد لمجيء حكم جديد قريب من النظام السابق بقيادة عبدالفتاح السيسي يضمن مصالح الكيان الاسرائيلي، أما قطر فقد عملت على طمأنة الكيان الاسرائيلي تجاه حكم “الإخوان”، ويروي مراقبون أن لغة الخطاب الودود التي استعملها مرسي مع الكيان الاسرائيلي ومخاطبة رئيس الكيان الاسرائيلي شمعون بيريز بـ “عزيزي وصديقي العظيم”، إنما جاءت باستشارة حلفائه الأتراك والقطريين.

الميدان السوري:

حيث يرى مراقبون أن قطر تعمل على تعزيز نفوذها في الميدان السوري، والذي انحسر لصالح الجماعات المدعومة من السعودية، عبر الاستعانة بالكيان الاسرائيلي من أجل دعم حلفائها من الجماعات الارهابية المسلحة على جبهة الجنوب السورية، حيث ووفقاً لصحيفة المنار المقدسية، يوجد تنسيق مشترك اسرائيلي قطري، لدعم الجماعات الارهابية المسلحة بما فيها جبهة النصرة، سواء على الصعيد اللوجستي، أو من خلال معالجة جرحى المسلحين في مشافي الكيان الاسرائيلي.

الملفت في هذا التنافس القطري السعودي على خطب ود الكيان الاسرائيلي، أنه أصبح أكثر علانية، مما يدل على حجم الانحراف الخطير الذي أصبح يعيشه عالمنا العربي والاسلامي، فالسبيل أمام هذه الدول لتحصين بلدانها، يكون عبر تعزيز الحريات والديمقراطية بين شعوبها، والاهتمام بالتنمية والتعليم والتطوير والتوزيع العادل للثروات، وإقامة علاقات قائمة على حسن الجوار مع الدول المجاورة، ولا يكون من خلال الارتماء بحضن المغتصب للأرض والمقدسات، ففي النهاية لن يكون الحضن الاسرائيلي أكثر وفاء من الحضن الأمريكي الذي تخلى عنهم.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق