سياسة واشنطن تجاه دول شرق آسيا: إذكاء للصراعات، لخلق سوقٍ للتسليح
تعيش أمريكا حالةً من الضياع، بين المستجدات السياسية في الشرق الأوسط، تجعلها تشعر بصعوبة فرض قواعد اللعبة السياسية كالمُعتاد. وهو الأمر الذي جعل واشنطن، تنقل إهتماماتها الى منطقة شرق آسيا، لتتفاجئ بقوة التنين الصيني، الذي اغتنم غرق أمريكا في صراعاتها، وبنى ركيزةً قويةً له في محيطه، مستنداً لقوته الإقتصادية. وهنا يسعى المراقبون لتحليل تكتيكات واشنطن واستراتيجياتها، في ظل وضوح المشهد الذي يصف الخروج المُذل لأمريكا من الشرق الأوسط، ومحاولاتها الصعبة دخول ساحة اللاعب الصيني، على الرغم من تركيزها على تسليح بعض الدول كاليابان وكوريا. وهنا يجري الحديث اليوم عن مغزى واشنطن من تسليح دول شرق آسيا. لذلك يقدم هذا المقال، قراءةً حول الأهداف الحقيقية للتسليح، والذي بدأ في منطقة الشرق الأوسط، ليتحول اليوم الى شرق آسيا.
أولاً: أمريكا بين نقل أصولٍ عسكرية لليابان وتسليح كوريا:
تحاول واشنطن ومن خلال سياسة التسليح العسكري، إرسال العديد من الرسائل للصين بالتحديد، الى جانب الهدف الحقيقي الذي أصبح معلوماً، وهو محاولة الإدارة الأمريكية، توجيه اهتماماتها الى منطقة شرق آسيا. فقد أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية الأسبوع الماضي، أنها وافقت على بيع محتمل لأسلحة بقيمة ١.٩١ مليار دولار إلى كوريا الجنوبية، تتضمن ثلاثة من نظام إيجيس المضاد للصواريخ الباليستية وملحقاتها ومعدات للدعم والتدريب. مشيرةً الى أن نظام إيجيس سيحسن قدرة سفن سلاح البحرية التابع لكوريا الجنوبية على الدفاع عن نفسها. والنظام مكون رئيسي في مسعى القوات البحرية الكورية الجنوبية لتطوير القدرات القتالية لسفنها الحربية وقدرات الدفاع ضد الصواريخ الباليستية. ولعل وقائع الميدان العسكرية والتي قد تُخفى على غير المتابعين، تؤكد أن أمريكا بدأت ومنذ فترة، نقل ما يسمى “أصولاً عسكرية” الى منطقة شرق آسيا وبالتحديد الى اليابان، بالتوازي مع زيادة الإهتمام الدبلوماسي لإدارة أوباما بدول المنطقة هناك. ولذلك قامت أمريكا مؤخراً بنشر طائرات الدورية البحرية “بي ٨” في قاعدة كادينا الجوية، وطائرات الإستطلاع بدون طيار “جلوبال هوك” الى قاعدة “ميساوان الجوية”، الى جانب ارسال سفينة النقل البرمائية “سابيو”. كما تخطط أمريكا لنشر مقاتلات “أف ٣٥ بي” في اليابان في عام ٢٠١٧. وهنا يجب تسليط الضوء على مسألةٍ مشابهة ظلت بعيدة عن الأذهان، وهي أن أمريكا اليوم تسعى لإيجاد سوقٍ للسلاح جديدة لها، تعوضها عن السوق التي استمرت عقوداً من الزمن في الشرق الأوسط.
ثانياً: دول شرق آسيا، سوق السلاح الجديدة لواشنطن:
بيع السلاح كان أحد أهداف السياسة الأمريكية
من ينظر إلى مسألة بيع السلاح لدول منطقة شرق آسيا اليوم، عليه أن يعود لقراءة السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، ليدرك أن أمريكا التي استخدمت التسليح كورقة سياسية، كانت تسعى أيضاً لجعل دول العالم العربي سوقاً رائجة لبيع السلاح، حتى ولو أدى الأمر حينها – وهو ما يحصل اليوم – لإقتتال الشعوب فيما بينها. بل وخلال مراجعة تاريخ المنطقة، نجد أن الأهداف السياسية لأمريكا كانت متعددة، ليكون من بينها ترسيخ واقعٍ من العلاقة الدائرية والتكاملية بين التسليح، وتأجيج الصراعات.
فقد أشار التقرير السنوي لمعهد ستوكهولم الدولي (سيبري للنفقات العسكرية SIPRI) وفي تقريره الأخير إلى أن زيادة طرأت على الإنفاق العسكري الكلي في الشرق الأوسط بمقدار ٥٧% خلال السنوات العشر الأخيرة. ومن خلال تحليل الأرقام والدول يتبين أن الزيادة الطارئة تعود لسببين. الأول سعي واشنطن لتأجيج الصراعات عبر ترسيخ واقع القوة لدى بعض الدول. كما أن السبب الثاني يتعلق بإرتفاع أسعار النفط العالمية، وهو الأمر الذي ساهم في تزايد الطلب على السلاح من عارضي الصناعة العسكرية الأمريكية، والتي أعلنت تلقيها طلبات لشراء آلاف الصواريخ والقنابل وغيرها من الأسلحة أمريكية الصنع خلال أيامٍ قليلة حينها.
الحرب بالوكالة كانت ومازالت السياسة العملية لتأمين استمرارية التسليح:
تعتقد واشنطن أن ترسيخ واقع الحروب بالوكالة في أي منطقة سيرسخ واقعاً من الإستمرارية لسوق سلاحها. وهو الأمر الذي يبدو أنها تسعى له اليوم في منطقة شرق آسيا، بعد أن سعت له في منطقة الشرق الأوسط. فإستمرار الإقتتال بين الدول والشعوب هو الأمر الذي يجعل الدول المعنية أكثر حرصاً على شراء أحدث ما تنتجه الترسانة العسكرية الأمريكية. كما أن محللي الصناعة وخبراء الشرق الأوسط يقولون إن الاضطرابات والتنافس المستمر على السيادة الإقليمية في المنطقة سيؤدي إلى المزيد من الطلبيات على آخر الأسلحة المتطورة وأحدث الأجهزة ذات التقنية العالية المتوافرة في الصناعات العسكرية بمختلف أنواعها، مما يصب في سباق تسلح خطير ستشهده المنطقة التي تُعيد رسم خريطة تحالفاتها بشكل حاد اليوم.
لذلك فإن أمريكا والتي على ما يبدو ليس لديها سوى سياسة الإقتتال، تسعى اليوم لإذكاء الصراعات بين دول شرق آسيا والصين، كما فعلت في منطقة الشرق الأوسط سابقاً. وهو الأمر الذي تستغل فيه واشنطن، حالة الخصومة السياسية بين اليابان وكوريا الجنوبية من جهة، والصين من جهةٍ أخرى. هذه الخصومة التي من الواضح أنها وبتدخل الأمريكي، ستصبح عداوة، خصوصاً أنه يحاول تقديم نفسه دوماً على أنه الحكم النبيل. فأمريكا وبعد إنتهاء الحرب الباردة مع الإتحاد السوفيتي، سعت لعدم الوصول إلى عالم يسوده السلام أي لا إقتتال فيه. كما قامت بتقديم نفسها لدول منطقة الشرق الأوسط، على أنها الحكم. فكانت تصنع المشكلة وتسعى لحلها. وهو ما تقوم به اليوم في شرق آسيا. فالعالم المضطرب المليء بالتقاتل، هو ما يصب في مصلحة المجمع العسكري الأمريكي للتسليح، والذي يحكمه اللوبي الصهيوني، ويسعى دوماً لإيجاد سوقٍ للسلاح، عبر التخطيط لتأجيج الصراعات.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق