التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

الحرب الإلكترونية بين واشنطن وبكين تُدخل أمريكا بين مأزق السياسة والإقتصاد 

 تختلف الحروب وعلى أنواعها بين الدول وبالتحديد الكبرى. كما تسعى أغلب الدول لإستبعاد الخيارات العسكرية في الحروب، بسبب كلفتها الباهظة، لتعمل على خياراتٍ أخرى كالعمل الأمني أو القرصنة. وفيما يتشابه العملان بالطابع السري الذي يسودهم، فإن لكل واحدةٍ أهدافها وأساليبها. وهنا يأتي الحديث عن القرصنة، كأداةٍ تُستخدم في الحروب الباردة، وهو ما يجري اليوم بين أمريكا من جهة والصين من جهةٍ أخرى. فماذا في مجريات هذه الحرب المشتدة بين الطرفين اليوم؟ وما هو تاريخها؟

 

أولاً: عودة الحرب الباردة بين الصين وأمريكا وبقوة:

أشارت الصحف العالمية ومن ضمنها الأمريكية، عن أن قراصنة يُرجََّح أنهم من الصين، قاموا بإختراق بيانات موظفين داخل الحكومة الأمريكية، مكنتهم من التوصل إلى معلومات “حساسة” خاصة بسجلات مكتب إدراة شؤون الموظفين الأمريكي. ومن جانبه، أصدر المتحدث باسم مكتب الموظفين الأمريكي، سامويل شوماخ، بياناً أكد فيه أن المخترقين تمكنوا من السطو على معلومات أمنية تتعلق بموظفين فيدراليين، يحملون تصاريح تسمح لهم بالعمل مع الوكالات الفيدرالية، بحسب ما نشرت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية. وأضاف شوماخ أن إدراة شؤون الموظفين الأمريكية ستتعاون مع مكتب التحقيقات الفيدرالي “AFB” للعمل على تحديد البيانات التي حصل عليها المخترقون، خاصةً أن تلك المعلومات يمكن استخدامها للضغط على هؤلاء الأفراد وتجنيدهم كـ “جواسيس” لصالح بلدان أخرى.

كما نشرت جريدة سنداي تايمز Sunday Times الأحد الماضي، معلوماتٍ نسبتها لمصدر حكومي بريطاني، تُفيد بأن روسيا والصين قد تمكنتا من فك شيفرات المعلومات التي سرّبها “إدوارد سنوْدن” (لم يذكر المصدر الحكومي البريطاني ما إذا كان ذلك قد تم من جانب واحد أو بالتعاون بين روسيا و الصين). وهو الأمر الذي يعني أن حرب المعلومات قد بدأت بين الأقطاب العالمية. وبالتالي فإن الحرب الباردة قد عادت وبشكل أقوى وأكثر خطورة. والمعروف أن سنودن سرّب معلومات منذ سنتين لوسائل الإعلام العالمية وأثار ضجة كبرى حينها. ليتصدر وسائل الإعلام في شهر تموز ٢٠١٣، الى جانب الصحف العالمية. 

ثانياً: الحرب الإلكترونية بين البلدين ليست جديدة:

عام ٢٠١٣ كشفت شركة “مانديانت” الأمريكية للحماية الإلكترونية، عن أدلة على تورط الوحدة التابعة للجيش الصيني في سرقة كميات كبيرة من البيانات من مؤسسات أمريكية مما دفع الإدارة الأمريكية إلى نقل رسائل إلى الصين بضرورة وقف هجمات التجسس الالكترونية على مؤسساتها. وبحسب التقريرحينها، فقد تفاوتت المعلومات المسروقة من تفاصيل عن عمليات اندماج واستحواذ إلى رسائل بريد الكتروني تخص موظفين كباراً وضمت قائمة الضحايا شركة أبل للكمبيوتر والبرمجيات وشركتي “فيسبوك” و”تويتر” وصحيفة نيويورك تايمز. في المقابل ردت حينها وزارة الدفاع الصينية، بأن موقعين رئيسيين، أحدهما تابع للجيش والآخر تابع لها، تعرض لنحو ١٤٤ ألف هجوم الكتروني في الشهرخلال العام ٢٠١٢. وأن ثلثي هذه الهجمات جاء من أمريكا وقال المتحدث باسم الوزارة إن بكين لديها تقارير عن اعتزام واشنطن توسيع قدراتها في الحرب الإلكترونية. محذراً من أن هذه الخطوة ستنعكس سلباً على التعاون الدولي المتزايد لمحاربة الهجمات الإلكترونية. كما أشارت الصحيفة الأمريكية حينها، الى أن هذه المسألة تُبرز مدى اختلاف الحرب الإلكترونية الباردة المتفاقمة بين أكبر اقتصاديين في العالم، عن الصراعات الأخرى المعروفة بين القوى العظمى خلال العقود الماضية. فهذه الحرب تبدو أحياناً أقل خطورة وفي أوقات أخرى، تبدو أكثر تعقيداً وضرراً على العلاقات الأمريكية الصينية.

وفي حديثها عن أسباب تزايد هذه الهجمات الإلكترونية، قالت الصحيفة أن ضعف الرادع بين الصين وأمريكا هو أحد أهم الأسباب، بخلاف ما كانت عليه الحرب الباردة بين الإتحاد السوفيتي وواشنطن. فشنُّ أي هجوم حينها، كان سيقابله هجومٌ مدمر ذو ثمن بشري باهظ. ولكن الغالبية العظمى للهجمات الإلكترونية بين الصين وأمريكا، تتخذ شكل السرقة الجنائية. وغالباً يأخذ الأمر أسابيع أو أشهراً لتحديد مصدر هذه الهجمات نظراً لأن التسلل الإلكتروني بطبيعته ظاهرة عابرة للحدود ومخادعة ويتم توجيهها عبر أنظمة كمبيوتر من مكان آخر لإخفاء مصدرها. وفي حديثها عن الأهداف، فسرت صحيفة “نيويورك تايمز” حينها، أن هذه الهجمات تسعى لسرقة أسرار المؤسسات الأمريكية الى جانب تخريب شبكة الكهرباء والمؤسسات المالية ونُظم مراقبة الحركة الجوية الخاصة بواشنطن. 

بالنتيجة، لا يمكن القول أن عداء أمريكا مع الصين، هو من الأمور السهلة على واشنطن. فإعلان العداء تجاه بكين، يُعد بنتائجه أخطر من العداء لروسيا. فالصين ليست عدواً صريحاً لأمريكا، على نفس النحو الذي كان تمثله موسكو. فهي منافس إقتصادي لكنها في نفس الوقت مستهلك ومورد هام، حيث يبلغ معدل حجم تبادل السلع بين البلدين ما يقارب ٤٢٥ مليار دولار شهرياً، مما يجعل الصين وعلى الرغم من التوترات الدبلوماسية، ممولاً مهما للدين الأمريكي. وهو الأمر الذي سيجعل واشنطن تقف بين نارين، نار دخول منطقة شرق آسيا، وهو الأمر المُكلف لها، ونار إعلان العداء للصين، مما سيُزعزع وضعها الإقتصادي. وما علينا إلا انتظار الأيام المقبلة لإدراك حجم المأزق الأمريكي.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق