لماذا تغيرت الاستراتيجية الامريكية في العراق؟
تحول النفط الى سبب يعرقل التنمية في منطقة الشرق الاوسط المضطربة أكثر من ان يكون سببا لاحداث تغييرات ايجابية في هذه المنطقة، وعلى الدوام أدى اتساع دائرة التدخلات الخارجية والتنافس الدولي للاستيلاء على نفط الشرق الاوسط الى حدوث تطورات تركت تأثيرات سلبية مثل عدم الاستقرار السياسي والعسكرة وبروز ظاهرة الارهاب في هذه المنطقة.
وهنا تحتل مصادر الطاقة النفطية مكانة خاصة لامريكا التي تعتبر من اكبر مستهلكي النفط في العالم، وفي الحقيقة فإن سبب عدول الامريكيين عن سياسة العزلة التقليدية التي اتبعوها في القرن التاسع عشر واتباعهم سياسة التدخل السياسي والعسكري في الشرق الاوسط هو الاهمية التي يمثلها النفط منذ البداية حتى اليوم بالنسبة للاقتصاد الامريكي.
وعبر اخضاع السياسة الامريكية للدراسة في السنوات الماضية يمكن الاشارة الى ٣ اهداف رئيسية رسمتها امريكا لنفسها في هذا المجال وهكذا يمكن تحليل الاستراتيجية التي تتبعها هذا البلد حسبما يلي:
ضرورة التوصل الى سعر منطقي للنفط
ضرورة التأكد من عدم تحكم القوى المعادية بالمنطقة وسيطرتهم على نفطها أو قيام هذه القوى بتهديد الدول المنتجة للنفط لكي تتخذ قرارات معادية للشعوب المستهلكة للنفط
الالتزام باستخدام القوة العسكرية في حال لزم الأمر وذلك من أجل حفظ المصالح وازدياد مصادر النفط
وفي هذا السياق يمكن الاشارة الى العناصر الرئيسية لهذه المنظومة الامنية الامريكية وهي اتخاذ الطابع الهجومي من قبل القوات الامريكية المتورطة في العمليات العسكرية والاستيلاء على امكانيات الشعوب التي تستضيف دولهم القوات الامريكية في المنطقة وكذلك بيع الاسلحة والعتاد العسكري لحلفاء امريكا والزام الجيوش المحلية باجراء مناورات اختبارية اثناء الدورات التدريبية المشتركة مع القوات الامريكية.
امريكا وعصر الاضطرابات في البلدان العربية
وقد سعت امريكا طوال العقود الماضية الى التحكم باسعار النفط والمحافظة على خطوط انتقاله لكي تستطيع تأمين حاجات اقتصادها الملحة من النفط، ومع اندلاع الاضطرابات والثورات في العالم العربي وعدم الاستقرار في الدول العربية ظنت الحكومة الامريكية انها تستطيع ان تحصن نفسها من هذه الاحداث عبر زيادة انتاج النفط في داخل امريكا نظرا لرفع انتاج النفط الصخري الامريكي كما ظنت واشنطن ايضا انها لا تحتاج بعد الآن للاستمرار في اتباع الاستراتيجية المرتكزة على قضية النفط، وحسب هذه الرؤية ومع هبوط اسعار النفط في الاسواق الدولية عمدت امريكا الى بسط نفوذها ودائرة تواجدها في العراق دون ان يكون لذلك علاقة بمكافحة تنظيم داعش الارهابي أو قضية الحفاظ على امدادات النفط ولذلك سعت امريكا الى اتباع استراتيجية اضعاف قوة المكون الشيعي واحداث شرخ بين الشيعة والسنة والاكراد، لكن هذه الاستراتيجية الامريكية قد تغيرت مرة اخرى بعد التحذير الذي اطلقته الوكالة الدولية للطاقة والذي قالت فيه ان اسعار النفط ستحددها زيادة انتاج النفط العراقي وليس النفط الصخري في امريكا.
وهنا يمكن لنا ان نلمس بوادر هذا التغيير في السياسة الامريكية عندما اعلن الامريكيون قبل ايام نيتهم عن زيادة عدد قواعدهم العسكرية في العراق.
وفي الحقيقة يمكن اعتبار التحذير الذي اطلقته الوكالة الدولية للطاقة حول اسعار النفط واهمية ان يرفع العراق انتاجه من النفط احد الاسباب الرئيسية لتغيير الاولويات الامريكية في العراق، ومن اجل القبول بهذه النظرية او رفضها يجب الانتظار لنرى كيف سيتصرف الامريكيون في العراق وما الذي سيقومون به.
وفي النهاية هناك سؤال يطرح نفسه وهو هل ان تنفيذ هذه السياسة الامريكية وزيادة عدد القواعد العسكرية الامريكية في العراق سيعود بالنفع على منطقة الشرق الاوسط ؟ وللاجابة يمكن القول ان هذه الزيادة في التواجد العسكري الامريكي يمكنها ان تؤثر في المدى القريب على ترجيح كفة الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي لكن يجب الانتباه ان افعال امريكا وسياساتها في الشرق الاوسط هي على علاقة مباشرة بالنفط.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق