خيوط اللعبة: لوبي السلاح الأمريكي وصراعات الشرق الأوسط
تعتبر تجارة السلاح من أقوى التجارات عالمياً، وتشير أغلب التقديرات إلى إنفاق سنوي يتأرجح ما بين التريليون ونصف والاثنين تريليون دولار، ما يساوي تقريباً ٣% من كامل الناتج المحلي العالمي ]١[. تحتل أمريكا المركز الأول عالمي بفارق شاسع عن أقرب منافسيها( الصين وروسيا والهند)، وذلك بفضل تربّع شركات صناعة الأسلحة الامريكية على رأس قائمة الشركات العالمية المنتجة والمصدّرة للسلاح.
عندما سئل جوش شوغرمان المدير التنفيذي لمركز سياسات العنف، عن مدى تحكّم “لوبي السلاح” في صنع القرارات الأمريكية، أجاب قائلاً: إن قادة لوبي السلاح ينجحون دائما في تمرير ما يريدونه من قرارات وقوانين، وعندما يريد لوبي السلاح تمرير تشريعات لمصلحته يبدأ بإرسال الرسائل وإجراء المكالمات الهاتفية مع النواب في الكونغرس أو في مجلس الشيوخ. وبما أن النواب ينتابهم الخوف من أن يخسروا مقاعدهم لا يترددون في أن يعملوا على إبداء موافقتهم على التشريعات ويصوتون عليها بنعم أو لا، حسب رغبة قادة اللوبي.، فما هو واقع نفوذ لوبي السلاح في دوائر القرار الأمريكية؟ وما هو دوره من مجريات الشرق الأوسط؟
الشرق الأوسط وشركات السلاح
حقّقت شركات السلاح الأمريكية أرباحاً طائلة بسبب الحروب الدائرة حاليا في منطقة الشرق الأوسط وسط سباق التسليح يسمح لأمريكا بلعب دور إستراتيجي في صناعة وبيع الأسلحة للمنطقة، وبالتالي “باتت الصراعات والحروب في مختلف أنحاء المنطقة “نعمة” اقتصادية لأولئك الذين يمسحون دموع التماسيح بيد واحدة ويوقعون عقود التسليح باليد الأخرى”، كما يوضح أحد المحللين لموقع “جلوبال ريسيرش” البحثي.
ساهمت الاحداث التي هوت بالشرق الأوسط في آتون الحروب بالوكالة والصراعات الطائفية والقتال ضد الإرهاب، برفع حجم الإنفاق العسكري لدول المنطقة، فقد أصبحت السعودية رابع أكبر سوق للسلاح في العالم وفقا للأرقام الصادرة من قبل معهد أبحاث السلام الدولي في ستوكهولم، حيث أنفقت الرياض أكثر من ٨٠ مليار دولار على الأسلحة في العام الماضي، وهو أكثر من أي وقت مضى، وأنفقت الإمارات نحو ٢٣ مليار دولار العام الماضي، أي أكثر من ثلاثة أضعاف ما تم إنفاقه في عام ٢٠٠٦، كما وقعت قطر صفقة بقيمة ١١ مليار دولار أمريكي مع وزارة الدفاع الأمريكية ]٢[، فضلاً عن العديد من الدول الآخرى في المنطقة، والتنظيمات التي تشتري أسلحتها من “السوق السوداء”.
ما يمكن قراءته من خلال صفقات السلاح هذه والدور الأمريكي في تأجيج الصراعات، هو تطبيقٌ لمبدأين أساسيين في تجارة السلاح، الأول أن السلاح خلق ليستعمل؛ فكلما زادت الحروب زاد الربح وراجت الصناعة، لذلك لا بد أن يحتوي عالمنا على بؤر معينة مشتعلة باستمرار ولا تنطفئ أو تهدأ لضمان استمرار الأرباح المليارية. اما الثاني فلا بد من تجربة السلاح، وهنا تأتي ضرورة وجود بؤر يستخدم السلاح من خلالها لمعرفة خصائصه وسبل تطويره، لذلك وجدت أمريكا في منطقة الشرق الاوسط مرتعاً مناسبة لبيع وإستخدام الأسلحة التي ستعود بأرباح طائلة على الداخل الأمريكي، فكيف تتحكم شركات السلاح الأمريكية بمراكز القرار في البلاد؟
شركات السلاح الأمريكية
أصدر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام نهاية العام الماضي تقريراً تطرق فيه إلى أفضل شركات صناعة الأسلحة في العالم حيث تصدّرت الشركات الأمريكية قائمة التقرير. تأتي لوكهيد مارتن (Lockheed Martin) الأمريكية على رأس قائمة الشركات العالمية بمبيعات سنوية تتجاوز الـ ٣٦ مليار دولار، تتبعها عملاق صناعة الطائرات (Boeing) بـ ٣٢ مليار دولار تقريباً وهي أمريكية أيضاً، ثم الشركة البريطانية للصناعات الدفاعية والطيران(BAE Systems) وهي المنافس الأوروبي الأقوى للولايات المتحدة بما يزيد عن ٢٩ ملياراً، ثم جنرال داينامكس (General Dynamics) بـ ٢٤ ملياراً تقريباً فـ(رايثيون Raytheon ) بـ ٢٢.٥ مليار دولار ]٣[.
النفوذ وصناعة القرار
تَعتبر صحيفة” كريستيان ساينس مونتير” أن “المال يجري في سياسات البيت الأبيض كما يجري الدم في الجسم”، ففي عام ٢٠٠٠ أكدت نتائج انتخابات مجلس الشيوخ صحّة هذه المقولة، حين فاز بمقاعد المجلس أكثر من ٨٠ ممن أنفقوا أموالا كثيرا، أي أن الأكثر إنفاقا كانوا الأكثر حظا للفوز بالمقاعد. كما أنه في الانتخابات التي تلت سنة ٢٠٠٠ فقد شهدت انتخابات الكونغرس ارتفاعا كبيرا في نسبة الناجحين من أصحاب الأموال الكثيرة، حيث أشارت الأرقام، التي تناولتها وسائل الإعلام الأمريكية، إلى أن أكثر من ٩٠ في المائة ممن كانوا أكثر إنفاقا هم من تمكنوا من الفوز بمقاعد في الكونغرس ]٤[. اذاً، المال يحدد هوية الرئيس القادم للبيت الأبيض، والمال يحدد من يدخل مجلس الشيوخ والكونغرس الأمريكيين (تشير تقارير غير رسمية إلى أن كلفة مقعد في الكونغرس تصل إلى أكثر من ٨٠٠ ألف دولار أمريكي، أما كلفة مقعد في مجلس الشيوخ فتبلغ حوالي ٥ ملايين دولار(.
دفعت التكلفة الباهظة للوصول إلى السلطة بالشركات الكبرى، وعلى رأسها شركات السلاح إلى إنتهاز “الفرصة” عبر تمويل الحملات الانتخابية للمرشحين لرئاسة البيت الأبيض، أو عضوية الكونغرس ومجلس الشيوخ، فكل مرشح يحتاج لصرف مبالغ باهظه على الحملة الانتخابية، وتمويل تنقلاته بين الولايات، وطبع المنشورات التي توزع على المواطنين الناخبين، وتمويل ظهوره في عدد من البرامج التلفزية.
في المقابل تفرض هذه الشركات التي تعد أهم وأبرز مصادر تمويل الحملات الانتخابية شروطها على أي مرشح، الذي بدوره يلبي أوامرها حتى لو تطلب الأمر تحريك الجيش الأمريكي إلى بلدان أخرى، لأن أي تخلّف نهاية حياته السياسية في الانتخابات، ونهاية مساره بفضيحة تبصم صورته في ذاكرة الأمريكيين.
اذاً، يُحسب لشركات السلاح الأمريكية ألف حساب على الساحة السياسية، بسبب القدرة الإقتصادية الضخمة التي تملكها على حساب دماء وشعوب العالم. لا يقتصر دورهذه الشركات على دعم كافة الأحزاب السياسية المتنافسة على قيادة البيت الأبيض فحسب، بل تسعى لمحاربة مفردة “السلام” ومنع إستصدار أي قوانين تفرض قيود على صناعة وبيع السلاح لفتح الأسواق أمامها وتسهيل تصريف منتجاتها العسكرية.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق