الوكالة الدولية والمهمة المستحيلة
لا شك ان الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تأسست كاحدى المؤسسات التابعة للامم المتحدة تشرف على كل النشاطات المتعلقة بالشأن النووي للدول الاعضاء في هذه المؤسسة.
احد فروع الوكالة الذي يشرف على سير عمل دول الاعضاء هو مجلس الحكام الذي يتبع مباشرة مدير عام الوكالة الدولية ويحكم وفق تقارير المدير العام بشان نشاطات الدول.
ويتكون مجلس الحكام من ٣٥ عضوا ويصدر قرارات بين حين واخر بعد دراسة تقرير المدير العام وتعتبر هذه القرارات بطبيعة الحال نافذة شأنها شأن باقي القرارات الدولية. ولكن السؤال المطروح هو هل ان مجلس الحكام هيئة مستقلة ويصدر القرارات وفق الاليات المتبعة بعيدا عن املاءات الدول الكبرى في الوكالة الدولية؟
فالتجارب الماضية اثبتت ان مجلس الحكام لا يستطيع النظر الى تقارير المدير العام بنظرة حيادية وكل قراراته مسيسة وتابعة لارادة الدول الكبرى. وخلال السنوات العشر الماضية أصدر مجلس الحكام قرارات بحق الجمهورية الاسلامية كانت جلها خاضعة لإرادة بعض الدول الغربية ومنها أمريکا رغم ان ايران تعتبر ضمن الدول التي وقعت على اتفاقية الحد من انتشار الاسلحة النووية.
صحيح ان مجلس الحكام يتكون من عدة دول تعتبر ضمن الدول التابعة لكتلة دول عدم الانحياز ولكن القرار النهائي في يد عدة دول تتحكم في قرارات المجلس. والدليل على ذلك هو ان الكيان الإسرائيلي الذي يمتلك اكثر من ٣٠٠ راس حرب نووي ويشكل خطرا على امن العالم غير ملزم باتفاقية الحد من انتشار الاسلحة الفتاكة لانه اصلا لا ينضم الى هذه الاتفاقية.
الوكالة الدولية لا تستطيع منع الكيان الإسرائيلي من انتاج البلوتونيوم وهذا الكيان يمتلك اكثر من ١١ منشأة نووية منتشرة في رقعة ارضية صغيرة في الاراضي الفلسطينية المحتلة. وينتج سنويا اكثر من ٣٠ طنا من النفايات النووية السامة ويقوم بكبها في البحر الابيض المتوسط بحيث تسبب هذه النفايات كارثة بيئية على المنطقة.
فعندما قام مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية انذاك السيد محمد البرادعي بزيارة الاراضي المحتلة عام ٢٠٠٦ طلب من قادة الكيان الإسرائيلي ان يزور موقع ديمونا النووية في صحراء نقب. فكان رد قادة الكيان بالنفي القاطع ولم يستطع مدير عام الوكالة الدولية السابق الاقتراب من منشأة ديمونا التي تعتبر اخطر منشأة نووية في العالم.
ولكن في الجانب الاخر كل منشآت ايران النووية كانت ومازالت خاضعة للتفتيشات المفاجئة بحيث انه حتى بداية عام ٢٠١٥ قام المفتشون الدوليون بتفتيش اكثر من ٦ الاف ساعة لكل منشآت ايران النووية. وتشير كل تقارير مدير عام الوكالة انذاك الى ان المفتشين الدوليين لم يعثروا على اي اثبات يدل على ان ايران تستخدم الطاقة الذرية لاغراض غير سلمية.
ولكن رغم ذلك فان مجلس الحكام اصدر عدة قرارات مسيسة ضد ايران وهذا يدل على ان مجلس الحكام يخضع لإرادة بعض الدول الغربية.
الجانب الاخر هو موضوع مهمة الوكالة الدولية التي تندرج في اطار مساعدة دول الاعضاء للحصول على الطاقة النووية السلمية. فوفق المادة الثامنة من ميثاق الوكالة الدولية ان على هذه الوكالة ان تقدم الدعم والمساعدات اللازمة لكل الدول الاعضاء في الوكالة للحصول على التقنية النووية دون اي تمييز.
الوكالة تخلفت عن التزاماتها بشان تقديم الدعم اللازم للدول النامية وفيما يتعلق بايران فانها وضعت شتى العراقيل لمنع ايران من الحصول على الطاقة النووية السلمية وهذا يتنافى ومهمة الوكالة الدولية. فالوكالة الدولية لا تستطيع فرض رقابة دولية على الدول الكبرى التي تمتلك اسلحة نووية وهذا الامر يجعل الوكالة هشة وضعيفة امام تلك الدول.
ايران كانت الدولة الوحيدة التي قدمت عدة مشاريع الى الجمعية العامة للامم المتحدة لجعل العالم خال من الاسلحة النووية ولكن كل هذه المساعي باءت بالفشل نتيجة تعنت الدول الكبرى لانه لا توجد ارادة جادة لنزع الاسلحة الفتاكة من العالم. فمن هذا المنطلق تعتبر الوكالة الدولية مؤسسة فاشلة فيما يتعلق بأداء مهامها المناطة اليها لانها كباقي المؤسسات الدولية لا تستطيع اتخاذ اي قرار خارج ارادة الدول الكبرى. وهذا الامر بحد ذاته يجعل الدول النامية بألا تثق بالمؤسسات الدولية، وسباق التسلح في ظل هشاشة الوضع الدولي وضعف المؤسسات المعنية يصبح السمة الغالبة في التعاملات الدولية.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق