من النشأة والأسلوب حتى الأهداف، كيف تُشبه داعش الكيان الإسرائيلي؟
إن من أهم المشاكل التي تعاني منها الأمة العربية والإسلامية، تتعلق بذاكرة الشعوب وكيفية إحيائها، فشعوب المنطقة تقع ضحية الإعلام الموجَّه الذي لا يتوانى عن تشويه الحقائق ومحو الذاكرة، فعلى الرغم من إختلاف الزمن المتعلق بظهورها، يشترك تنظيم داعش الإرهابي مع الكيان الإسرائيلي في كثيرٍ من الأمور، ولعل المُتابع لتاريخ الصراع السياسي المعاصر، يُدرك أن وضع السياسات الإستراتيجية من قِبَل المُخطط، يتزامن مع بناء أرضيةٍ يمكن التعويل عليها، قبل إطلاق المشاريع. وهو الأمر الذي يمكن استنتاجه من خلال دراسة وتحليل ظهور تنظيم داعش الإرهابي والكيان الإسرائيلي. فما هي أوجه التشابه بين الكيانيين؟ وكيف يمكن إثبات ذلك؟
تمهيد:
إن المتابع وعن كثب لتطور الصراعات وأسباب ظهورها، ينظر للواقع بطريقةٍ تتميَّز بربط الأحداث من خلال رؤية الماضي والتعلم منه، لفهم الحاضر واستشراف المستقبل، لذلك وعلى الرغم من إختلاف الزمان والمكان، إلا أن الظروف التاريخية التي رافقت إحتلال الصهاينة لدولة فلسطين لم تكن تختلف كثيراً مع وضع الفوضى والإضطراب التي يمر بها العالم العربي في زماننا الحالي. فبالعودة لتأسيس الكيان الصهيوني، فإن ما يُسمى بـ “إسرائيل” اليوم، جاء نتيجة مشروعٍ تبنَّته الصهيونية العالمية، إنطلاقاً مما ورد في مقولاتٍ دينية حول أسطورة “أرض الميعاد” والتي تؤمن بأن للصهيونية الحق في الأرض العربية، والعودة الى ميراث الأجداد، وهو الأمر الذي يؤمن بني “صهيون”، بأنه يجب على كل يهودي في العالم الحفاظ عليه، وإلا فإن التفريط بذلك يوجب غضب الرب. فبحسب معتقدهم، فإن الرب قد خاطب إبراهيم ونسله في هذه الأرض قائلاً: ” أعطي هذه الأرض، لك أعطيتها ولنسلك إلى الأبد”. وهنا كيف تشبه داعش الكيان الصهيوني؟
التشابه في النشأة:
في الحديث عن النشأة وظروف الولادة يمكن ملاحظة التشابه الى حد التطابق، في مضمون الإستراتيجية التي أدت لولادة الكيان الإسرائيلي والتي تقوم على التوحش، والتي بذاتها أدت اليوم إلى ولادة نظيرتها ما يُعرف بـ”الدولة الإسلامية”. لقد قام الكيان الإسرائيلي، على أساس إستراتيجية التوحش، أي ممارسة أقصى درجات العنف، والذي يبلغ ذروته مع وقوع مجازر مروعة ضد المدنيين العزل بواسطة التطهير الديني والعرقي. وهو ما يقوم به اليوم تنظيم داعش مرة أخرى من خلال التعامل بوحشية، مع كل من يختلف معه من الأعراق والأديان والمذاهب من دون تمييز، وتحت حُججٍ دينية شديدة.
كما أنه من الأمور التي لا بد أنها ليست صدفةً، فإن مجرد مراجعة التاريخ، تُبيِّن أن إنسحاب البريطانيين من فلسطين أدى إلى ولادة ما يسمى بـ “إسرائيل”، وهو ما يُشبه ما جرى في العراق. إذ أن الإنسحاب الأميركي من العراق، أدى إلى ولادة داعش في الموصل والرقة قبل أن تتمدد بسرعة إلى غرب العراق وشمال سوريا وتصل الى ما وصلت اليه الآن.
ولعل فكرة الإصطفاء، هي الفكرة التي يمكن وببساطة الإستنتاج أنها الجوهر الذي يقوم عليه فكر الكيانين. فالكيان الإسرائيلي يقوم على ما يُسمى بـ”الإصطفاء اليهودي” ويقابله لدى داعش “الإصطفاء الإسلامي”. وبينما نجد أن مشروع الكيان الإسرائيلي هو “أرض الميعاد”، فإن مشروع داعش هو “أرض الخلافة”. إذاً إننا أمام أصولية يهودية متطرفة تقابلها سلفية إسلامية متطرفة.
التشابه في الأهداف:
إن المشروع الإسرائيلي مشروعٌ توسعي معروف الأهداف، عنصريٌ في السياسات، استيطانيٌ في الأسلوب. والأهم من ذلك هو أنه لا يعرف حدوداً للجغرافيا لا الدولية أو السياسية. فدولته التي يؤمن بها يجب أن تكون من النيل الى الفرات. وهو ما يؤمن به تنظيم داعش على طريقته، وعلى الرغم من أنه وضع لدولته جغرافيا “مؤقتة” تمتد من الأراضي العراقية الى الأراضي السورية، فالتنظيم يؤمن أن أرض الله هي حدوده، ويجب تطهيرها من كل الذين يقعون ضمن خانة “الكفار والطواغيت”. وهو الأمر المشابه لما اعتبره ثيودور هرتزل مُنظر ما يُسمى “دولة إسرائيل”، أن إقامة الوطن القومي لليهود يستوجب زيادة عدد المهاجرين، بما يساهم في زيادة رقعة الأرض وإتساعها، فقد دعا بالأمس القريب خليفة داعش “أبو بكر البغدادي” جميع المسلمين إلى ضرورة الهجرة لأرض الخلافة.
التشابه في الأسلوب:
كما يتفق الطرفان في المنبع الأيديولوجي، والأهداف، فإنهم يتفقون في الأسلوب المُتبع. وهو أسلوب قائمٌ على التطهير العرقي والديني بحق السكان والجماعات المخالفة لهما. وهنا لا يجب أن ننسى أن عصابة الموت الصهيوني “الهاغانا” والتي أُسِّست في القدس العام ١٩٢٠، وقبيل إعلان قيام ما يُسمى “دولة إسرائيل”، قامت بقمع إنتفاضة العرب الفلسطينيين، وهاجمت المساكن والممتلكات، وإفتعلت المذابح الى جانب المستوطنين الصهاينة بين عامي ١٩٤٨ و١٩٦٧، (مذبحة الدوايمة ١٩٤٨ – مذبحة يازور ١٩٤٨ – مذبحة خان يونس ١٩٥٥). بنفس الأسلوب عمل تنظيم داعش مع الأخذ بعين الإعتبار الفارق الزمني. فقام بالسعي الى تطهير الأرض التي استولى عليها تحت ذرائع دينية، فقتل من قتل وشرد المئات، مدعياً أنه يطبق الشريعة الإسلامية. لكن التنظيم استفاد من الفارق الزمني، حيث إستغل الإعلام ومواقع التواصل الإلكتروني والشبكة العنكبوتية، تنفيذاً لأساليب خطَّها منظّرو السلفية الجهادية، وقد نُشر بعضها في كتاب “إدارة التوحّش: أخطر مرحلة ستمرّ بها الأمة”، والذي صدر بعد أحداث ١١ أيلول ٢٠٠١.
النتيجة:
كما سعى الكيان الصهيوني للإعلان عن يهودية الدولة، بعدما سوَّق لعقود أنها ستكون الدولة الديموقراطية الوحيدة بين دول المنطقة التي تقع في محيطٍ إسلاميٍ عربي إستبدادي، ومشت معه العديد من الأنظمة العربية مما رسخ واقعاً من الخنوع والخضوع، سعت داعش مرةً أخرى لذلك. فلو كانت العناوين مختلفة، والشعارات جديدة، فإن للصهيونية العالمية والتي تدير كثيراً من الصراعات في العالم، الدور الأساسي في ذلك. ولم يعد من المُستغرب القول أن السياسة الأمريكية التي قامت على تأجيج الصراعات وبثِّ النزاعات، لها مصلحةٌ في تقوية هذه الجماعات، مما يُعزَّز نشوء النزاعات والنَزَعات الدينية والمذهبية والتفكيكية.
إن أهم ما يجب أن نقف عنده، هو أن لا ننسى أن تنظيم داعش الإرهابي، والكيان الصهيوني وجهان لعملةٍ واحدة، ولا يمكن للأمة الخلاص، إلا بإقتلاعهم من الوجود.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق