التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

نشر القوات في شرق أوروبا: رسالة أمريكية لموسكو، بلسانٍ أوروبي 

تتغير التكتيكات المُعتمدة بين موسكو وواشنطن، فالحرب الباردة بين الطرفين تزداد حماوةً مع تقدم الأيام، والتي كان المنعطف الأساسي فيها الأزمة الأوكرانية. لكن ما يجري اليوم من قيام البنتاغون بتنفيذ خططٍ لوزارة الدفاع الأمريكية من نشر صواريخ وتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في دول شرق أوروبا، يُشكل بحد ذاته تطوراً خطيراً في مجريات الأحداث هناك. فماذا في آخر الأخبار المتعلقة بهذا الموضوع؟ وكيف يمكن قراءة ذلك؟

 

التوتر الروسي الأمريكي الجديد: 

سلسلة من التقارير الصحافية تحدثت خلال الأسابيع الماضية عن خطط لدى وزارة الدفاع الأمريكية لنشر صواريخ مجنحة وبالستية في أوروبا، وأسلحة نووية في بريطانيا، وتزويد ٥ آلاف جندي أمريكي في شرق أوروبا بدبابات وعربات مصفحة وغيرها من المعدات العسكرية الثقيلة. هذه التقارير دفعت الجنرال يوري ياكوبوف، منسق مديرية المفتشين العامين لدى وزارة الدفاع الروسية للتصريح بالقول: “إذا ظهرت الأسلحة الأمريكية الثقيلة فعلاً في دول أوروبا الشرقية والبلطيق، فسيُعد ذلك الخطوة الأكثر عدوانية من قبل البنتاغون والناتو منذ انتهاء الحرب الباردة في القرن الماضي… وفي هذه الحال، لن يبقى أمام روسيا خيار سوى تعزيز قواتها ووسائلها العسكرية على الاتجاه الغربي الاستراتيجي”، بحسب ما نقلت وكالة إنترفاكس.

ورجح ياكوبوف أن تكون الخطوة الروسية الأولى في سياق الرد على التصعيد العسكري الأطلسي، من خلال تعزيز القوات الروسية المنتشرة على الحدود الغربية للبلاد، بما في ذلك الدبابات والمدفعية والطائرات. وأضاف ياكوبوف أن روسيا ستعمل أيضاً على تسريع وتيرة تسليح لواء الصواريخ المرابط في مقاطعة كالينينغراد، المطلة على بحر البلطيق، بمنظومات صواريخ “اسكندر” الحديثة، القادرة على إصابة أهداف أرضية بدقة عالية. ونقلت “روسيا اليوم” عن ياكوبوف قوله إن روسيا “خرجت نهائياً” من معاهدة القوات التقليدية في أوروبا، “علماً بأن العديد من الدول الأوروبية لم تكن ملتزمة (بالمعاهدة)، ولم تعد أيدينا مكتوفة لدى اتخاذ إجراءات جوابية ترمي إلى تعزيز أمن حدودنا الغربية”.

في المقابل، امتنع حلف الأطلسي عن التعليق على التقارير الصحفية المذكورة، مبرراً موقفه بأن مبادرة واشنطن إلى نشر أسلحتها الثقيلة في شرق أوروبا غير مرتبطة بالحلف. من جهتها، أكدت وارسو أول من أمس إجراءها محادثات مع أمريكا لبحث إمكانية تخزين أسلحة ثقيلة على الأراضي البولندية. وأعلن وزير الدفاع البولندي، توماس شيمونياك، أن هذه المحادثات جزء من مناقشات حول زيادة التواجد العسكري الأمريكي في بولندا وغيرها من الدول الأعضاء في حلف الأطلسي في شرق أوروبا، موضحاً أنه ناقش هذه المسألة مع نظيره الأمريكي، آشتون كارتر، خلال زيارته لواشنطن في أيار الماضي.

قراءة تحليلية:

– تشير خطط واشنطن الجديدة، الى أن الخطوات التي اتخذها حلف الناتو بالتنسيق مع البنتاغون، تتعلق بشكل كبير بالأزمة الأوكرانية وتهدف لإعادة تنظيم القوات بطريقة أكثر إستقراراً وعلى المدى الطويل. ولذلك فقد باشر أكثر من ألفين من القوات، ومن تسع دول تابعة للناتو وبمشاركة أمريكا، تدريبات ما يسمى بـ”القفزة النبيلة” في بولندا في الأيام الأخيرة كجزء من مخطط رأس الحربة الجديد.

– لذلك فإن هذه الإستراتيجية تُسمى عسكرياً بإستراتيجية الإنتشار السريع للقوات، والتي تهدف لتأمين القدرة على التناوب المستمر للقوات الأمريكية وقوات أوروبا الغربية في دول البلطيق وبولندا مما يجعل القواعد دائمة التواجد. وقد نصت الخطط على “التموضع المسبق” للأسلحة والمعدات في الشرق ليتم استخدامها من قبل القوات القادمة.

– يُعتبر ما قامت به واشنطن خرقاً لإتفاق التعاون الإستراتيجي، والذي تم التوقيع عليه بعد الحرب الباردة مع روسيا في عام ١٩٩٧. والذي تعهد فيه حلف الناتو بعدم تمركز أي قوات برية بشكل دائم في أوروبا الشرقية “في البيئة الأمنية الحالية والمستقبلية المرتقبة”. لكن وبحسب واشنطن فإن تلك البيئة تغيرت بسبب قرار روسيا ضم أجزاء من أوكرانيا، وهو الأمر الذي يبرر لأمريكا بحسب إعتقادها القيام بنقض الإتفاقية، لسبب أن اتفاق عام ١٩٩٧ قد عفا عليه الزمن.

– إن تخطيط واشنطن بنشر هذه الأسلحة الثقيلة، جاء تلبية لطلب هذه الدول، بحسب ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز. فإن نشر الدبابات الحربية، والعربات والمعدات الثقيلة سوف تكون خطوة، تهدف لتقوية لواء يصل قوامه الى خمسة آلاف من القوات المنتشرة بين الدول التي تعتبر مكوكية بالنسبة لروسيا. وتمتد من دول البلطيق إلى البحر الأسود ويصل عددها إلى نحو ألف ومئتي مركبة من بينها مئتان وخمسون دبابة من طراز ٢٥٠ M١A٢.

لا يمكن لأحدٍ أن يتنبأ الى أين تسير الأمور، لكن المؤكد أنه تتجه للتصعيد. ولعل الأمر الخطير هو إنحدار بعض الدول الأوروبية للتماشي مع التصعيد الأمريكي عملياً. وهو الأمر الذي يُوجب وبحسب المحللين، رد فعلٍ مختلف من موسكو. فالتهديد السياسي عبر التصريحات، يختلف عن تحريك الواقع العسكري. وهو الأمر الذي لا شك أن روسيا فهمته من فحوى الرسالة الأمريكية، ويبقى علينا أن ننتظر فحوى الرسالة الروسية.

 

الوقت- محمد علي جعفر

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق