داعش والسعودية … ثقافة تدمير الحضارات ومحاربة التاريخ
لم يتفاجئ العالم كثيرا عندما شاهد وحشية تنظيم داعش الإرهابي تصل باعتداءاتها حتى إلى مستوى الإعتداء على الحضارات التاريخية، عبر تدمير ونهب المناطق الأثرية والإتجار بقطعها الأثرية عبر السمسار التركي. إذ يمكن فهم الأمر عند قراءتنا لفكر هذه المجموعة الإرهابية، فمن يقتل ويدمر البشر والحجر بوحشية لا نظير لها، لن يقف عند قبر أو أثر تاريخي مهما بلغت قداسته أو قيمته المعنوية والمادية. أما وأن يشهد الأمر ذاته من دولة روجت لنفسها لسنين على أنها متحضرة وعالية الثقافة وتهتم كثيرا بالقضايا الإنسانية، فهذا إنما يكشف عن الوجه الفكري والثقافي الحقيقي له.
فمن ناحية نجد أن تنظيم داعش الإرهابي يقوم بتدمير القبور والآثار والمعالم الدينية في سوريا ومن ثم في العراق، ولا يتورع عن الإقدام على أي فعل غير إنساني، من منطلق ما أسسوا عليه وغسلت به أدمغتهم من فكر متطرف مبني على إلغاء الآخر أيا كان هذا الآخر، وتحليل دمه وعرضه وملكه وإزالة وجوده بأي أسلوب ووسيلة ممكنة، مهما بلغت وحشية ولا إنسانية هذا الأسلوب. لكن توضع علامة استفهام كبرى حين نرى أن هذا التنظيم الذي يقاتل في وقت واحد على عدة جبهات ويشغل كل همه ووقته ساحات القتال وإحتلال مناطق جديدة هنا والدفاع عن أخرى هناك، كيف يستطيع أن يجد الوقت اللازم لهذا الكم الهائل من التدمير للمناطق الأثرية خاصة وينتج هذا الكم الهائل من الترويج الإعلامي له. فعليا لا يمكن فهم الأمر جيدا إلا من زاوية سياسات مشغلي داعش وحاجات التنظيم المادية، والواقع أن ما ينهب أكبر وأثمن وأكثر بأضعاف مضاعفة من ما يعرض في مسرحيات التدمير الداعشة، تلبية لحاجاتهم العسكرية في تمويل شراء السلاح والغذاء، أما مشغلوهم والمستفيدون منهم دوليا فيعرفون القيمة الحقيقية لهذة الآثار ويستغلون حاجة الإرهابيين ليحصلوا عليها بثمن بخس.
وقد صدرت تحذيرات عدة من العالم حول خطورة دخول داعش للمناطق التاريخية في العراق وسوريا ليس آخرها تحذير المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» إيرينا بوكوفا، من أنه إن حصل وتم تدمير مدينة تدمر الأثرية السورية، التي سيطر عليها تنظيم داعش مؤخراً فهو أخطر من أن يكون مجرد جريمة حرب بل سيشكّل خسارة هائلة للبشرية، وأضافت بوكوفا أن تدمر مهد الحضارة البشرية، وأنها ملك للبشرية جمعاء، وأن الجميع اليوم يجب أن يكونوا قلقين لما يحصل. وكانت المنظمة أيضا في تعليق لها على تدمير داعش لمدينة حضر التاريخية شمال العراق أدانت الأمر وقد علقت إيرينا بوكوفا، أن “تدمير الحضر يشكل نقطة تحول في الاستراتيجية المروعة للتطهير الثقافي التي تجري حالياً في العراق”، وفعيا لو أردنا التعمق والتفصيل في تاريخ وقيمة ما يدمر وينهب لما كفتنا كتابة كتب عن هذه الحضارات العريقة.
لكن الملفت أيضا كانت التعليقات المشابهة للمديرة العامة لليونسكو في بيان صحفي لها، والتي ذكرت فيه أنها قلقة للغاية إزاء الأنباء القادمة من اليمن حول مواصلة التدمير والإضرار بتراثها الثقافي الثمين، حيث تضرر سد مأرب العظيم، أحد أهم المعالم التاريخية اليمنية وكذلك في شبه الجزيرة العربية، فهو شاهدٌ على التاريخ والقيم المشتركة للبشرية. كما وأضافت أن اليونسكو تلقت تقارير عن الأضرار الجسيمة التي لحقت بمواقع التراث الثقافي البارزة في اليمن، ووفقا للعديد من التقارير الواردة من وسائل الإعلام والمصادر الرسمية فإن المدينة القديمة في العاصمة اليمنية صنعاء، تعرضت لقصف بشكل كبير أثناء ليلة ١١ مايو ٢٠١٥، الأمر الذي أدى إلى وقوع خسائر كبيرة في العديد من الأبنية التاريخية، بالإضافة إلى ذلك فإن مدينة صعدة القديمة، المدرجة في قائمة اليمن للتراث العالمي، وكذلك الموقع الأثري لمدينة براقش المحصنة، التي يعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام، لحق بهما أضرار جسيمة، وجددت بوكوفا إدانتها لممارسات تدمير الآثار من قبل النظام السعودي في عدوانه الحالي على اليمن.
ومن المثير للسخرية أن السعودية والتي تقوم بوقاحة بالضربات الجوية للمناطق الأثرية في اليمن، كانت نفسها وعبر مجلس وزرائها قد أدانت إعتداءات داعش على آثار مدينة الموصل العراقية. فمن يراجع أصول الفكر الداعشي فلن يستغرب الأمر فعليا، فالنظام في السعودية ليس سوى غلاف مزيف لأناس يحملون ذات الفكر والنهج، بل هم من أسسوه مع مجموعات المخابرات الإنكليزية والأمريكية، ونشروه في مناطق تعاني من بعض الجهل والتخلف والفقر في العالم، وكل ما يجري في الحرب الدائرة اليوم على اليمن ليس إلا إظهاراً فعلياً للوجه الحقيقي لهذا النظام الفاسد.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق