الطائفة العلوية: من النشأة والتأسيس الى الأصول الفكرية
الطائفة العلوية الكريمة، هي من الطوائف الإسلامية التي قلَّ الحديث عنها. وقد لاقت هذه الطائفة وعلى مرِّ التاريخ، الكثير من الإضطهاد والحرمان، وهو ما لم تُلاقه طائفة أخرى أبداً. حتى أدى هذا الإضطهاد إلى فصلهم عن المرجعيات الإسلامية الأخرى. ولذلك نحاول في هذا المقال تسليط الضوء على نشأة الطائفة وكيفية تأسيسها، الى جانب الإضاءة على بعض أصولها الفكرية.
النشأة والتأسيس:
الطائفة العلوية والتي يقال لها أيضاً، النصيرية هي في الأصل فرقة أو مذهب من المذاهب الشيعية وتقوم على الإعتقاد بأن الخلافة يجب أن تنحصر في الإمام علي(ع) وذريته بالنص . ويُعتبر مؤسس الطائفة أبو شعيب محمّد بن نصير العبدي البكريّ النميّري التميمي والذي عُرف بـ”النصيري” ولذلك يقال للعلويين النصيرية. عاش أبو شعيب النصيري ونشط في سامرّاء بالعراق. يُذكر دائماً أنه كان أحد أصحاب الإمامين علي الهادي والحسن العسكري(عليهما السلام). يعتقد العلويون أنه أحد كبار العلماء، ويؤمنون أنه “باب” الإمام، والمؤتمن على أسراره. وبالتالي فتعتقد الطائفة العلوية أن أبا شعيب، هو الباب الشرعي للإمام الحسن العسكري(ع).
خلفية تاريخية لدولة العلويين:
بعد رحيل “النصيري”، تولى محمد بن جندب رئاسة الطائفة العلوية، ثم أبو محمد عبد الله بن محمد الجنان الجنبلاني، ثم الحسين بن حمدان الخصيبي. حينها انتقل مركز الطائفة من حلب إلى اللاذقية، وتولى رئاسة المركز أبو سعد الميمون سرور بن القاسم الطبراني. فأصبح للعلويين مركزان، أحدهما في بغداد والآخر في اللاذقية. وقد انتهى مركز بغداد مع دخول المغول إلى بغداد، فيما استمر مركز اللاذقية. وفي عام 1097 إبان الحملة الصليبية، قاتل الصليبيون العلويين في بادئ الأمر، ثم هادنوهم وتحالفوا مع بعض شيوخهم. وفي عام 1120، هزم الإسماعيليون والأكراد العلويين، وبمرور ثلاث سنوات على الهزيمة، تمكنوا من هزيمة الأكراد. وفي عام 1297 حاول الإسماعيليون والعلويون الإندماج، إلا أن الإختلافات المذهبية حالت دون هذا الإندماج، ثم خضعوا لسلطة الدولة العثمانية على بلاد الشام منذ 1516.
وعند احتلال الفرنسيين لسوريا، قام الإنتداب الفرنسي بتقسيمها الى دويلات صغيرة، بناءاً على التنوع المذهبي والطائفي لشعبها. فكما أُسست في الجنوب، دولة الدروز، تم تأسيس دولة العلويين في الشمال الغربي من سوريا، وسُمّيت دولة جبل العلويين وعاشت ما بين عامي 1920 و1936 على الساحل السوري .
وكان سكانها من العلويين في الجبل، ومن السنة في الساحل، ومن المسيحيين كذلك وقليل من الإسماعيلية. وفي 29 أيلول من العام 1923، تم إعلان تلك الدولة واختيرت مدينة اللاذقية كعاصمة لها، وكان عدد سكانها في ذلك الوقت 278 ألف نسمة، وحكمها حينها إقطاعيون من آل الكنج. في يوم 5 ديسمبر 1936 تم ضمها نهائياً إلى سوريا، بعد اتفاق وُقّع في باريس، رغم اعتراض كبار وجهاء العلويين على ذلك. لكن السلطات الفرنسية أجابت حينها، بأن العلويين ليسوا مؤهلين كفاية لتأسيس دولتهم حينها .
الأصول الفكرية للطائفة العلوية:
الإمامة:
تتفق هذه الطائفة مع أغلب الطوائف والفرق الشيعية، في القول بأن الإمامة هي أصل من أصول الدين التي لا تحتمل التأويل. وبالتالي لا تخضع للإجتهاد، والقول بالنص والتعيين، بل إن اختيار الإمام يتم بالتعيين الإلهي، ومن خلال تحديد النص. لذلك يعتقد العلويون أن اللطف الإلهي اقتضى أن يكون تعيين الإمام بالنص القاطع والصريح، وكذلك أن يكون الإمام معصوماً عن السهو والذنب والخطأ، لكي يستطيع المؤمنون الإقتداء به في جميع أقواله وأفعاله. والأئمة عندهم إثنا عشر، نص عليهم النبي، وأكد السابق منهم النص على إمامة اللاحق .
أدلة التشريع:
ومن الأصول الفكرية للطائفة أيضاً أدلة التشريع، وهي عندهم أربعة: القرآن الكريم طبقًا لتفسير الأئمة فقط، والسنة النبوية. كما يعتبرون الإجماع من أدلة التشريع، ويدرجون ضمنه قول الإمام المعصوم، فهو عندهم دليل قطعي ولو خفي عليهم. وأخيراً يُعتبر العقل من الأدلة، وبالتالي فإن الدليل العقلي عندهم حجة إذا وقع في سلسلة العلل، أو كان من المستقلات العقلية. فيما يقتصر استعمال الدليل العقلي في الفقه على المجتهد، وهو من حصلت عنده ملكة تساعده على استنباط الأحكام الفرعية من أدلتها التفصيلية .
الظاهر والباطن:
يعتقد العلويون أن للدين ظاهراً وباطناً، وأن روح العبادات مختلفة عن كونها حركات جسمانية ينفذها الإنسان بعناية وتكرار، ويعتقدون أن بواطن الأمور تورث من الأئمة المعصومين حسب قولهم، ويعطيها الله لمن يشاء من عباده المصطفين بالبصيرة والعقل .
المهدية:
يؤمن العلويون بالإمام المهدي(عج) وينتظرون ظهوره. وقد جاء في عقيدتهم حول الإمام: “فابنه الإمام الثاني عشر صاحب الزمان الحجة المهدي، عجل الله به فرج المؤمنين وسيظهره الله في آخر الزمان فيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلما وجوراً”. وبالتالي فإنهم يتفقون مع أغلب الطوائف والفرق الشيعية في كون الإعتقاد بالمهدية يعتبر أصلًا من أصول الدين .
الجهاد:
يعتبر الجهاد عند العلويين ركناً من أركان الدين. وبحسب إعتقادهم يجب الجهاد من أجل الدعوة إلى الإسلام لكن وجوبه كفائي. ويجب أن يکون الجهاد من أجل الدفاع عن الإسلام وبلاد المسلمين وعن النفس والعرض والمال، ووجوبه عيني على كل من يستطيع أن يقدم نفعاً .
المعرفة:
ينتهج العلويون في مجال المعرفة المنهج العرفاني المقيَد بالنص طبقاً لفهم الأئمة الإثني عشر عليهم السلام.
الخاتمة:
إذاً يتفق العلويون مع الشيعة في أكثر الأمور وقد جاء في خاتمة بيان عقيدة المسلمين العلويين التالي: “هذه هي معتقداتنا نحن المسلمين (العلويين) ومذهبنا هو المذهب الجعفري، الذي هو مذهب من عرفوا بالعلويين والشيعة معاً، وإن التسمية: (الشيعي والعلوي) تشير إلى مدلول واحد، وإلى فئة واحدة هي الفئة الجعفرية الإمامية الأثني عشرية. وإننا لنسأل الله أن يكون في بياننا هذا من الحقائق ما يكفي لإزاحة الضباب عن عيون الجاهلين والمغرضين، وأن يجد فيه القريب والبعيد، والمنصف والمتحامل، منهلاً عذبا ومرجعا مقنعاً.”
المصادر:
بتصرف عن “بيان عقيدة المسلمين العلويين”، إصدار عدد من رجال الدين والثقات من المسلمين العلويين في الجمهورية العربية السورية والجمهورية اللبنانية على الرابط التالي: http://alawi12.tripod.com/wathiqa.htm
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق