تفاصيل الإستراتيجية السعودية في مواجهة التوافق اليمني
أعلن المبعوث الدولي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد إنتهاء مشاورات جنيف بشأن الأزمة اليمنية، دون التوقيع على ورقة تفاهم واحدة، الا أن هناك أرضية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار مشدداً على ان الباب مفتوح أمام اليمنيين للتشاور والحوار.
كلام ولد الشيخ لم يكن بعيداً عما أدلى به رئيس الوفد اليمني القادم من صنعاء حمزة الحوثي خلال مؤتمر صحفي، أوضح خلاله “أنّ مفاوضات جنيف لم تفشل، بل اسست لمرحلة مقبلة، متهماً السعودية بالسعي لافشال وعرقلة المفاوضات التي لم تكن بين طرفين بل بين المكونات السياسية اليمنية”.
لم تكن هذه المرّة الأولى التي توجّه فيها أصابع الإتهام إلى السعودية في عرقلة أي إتفاق يمني- يمني، بل تعرّضت السعودية منذ بدء الثورة عام 2011 لوابل من الإتهامات في السعي للإلتفاف عليها عبر المبادرة الخليجية، إلا أنه وبعد الثورة التصحيحية ويأس السعودية من القدرة على لعب دورها السابق في اليمن، بدأت بإستخدام أسلوب التعطيل عبر أدواتها في الداخل اليمني.
التعطيل السعودي بدأ منذ توقيع إتفاق السلم والشراكة بين المكونات اليمنية، حيث حاولت تمرير مشاريع التقسيم (الأقاليم الست)، بعدها أعلنت إغلاق السفارات الخليجية في صنعاء، ومن ثم ساهمت في فرار هادي إلى عدن الذي بدوره أعلنها عاصمة مؤقتة. السعودية إنتقلت مجدداً إلى فتح السفارات في عدن، وبعد فشل هادي رغم الدعم السعودي في الحفاظ على مدينة عدن امام اللجان الشعبية، فرّ إلى الرياض التي أعلنت بدء عدوانها العسكري على الشعب اليمني. لم تكتف السعودية بذلك بل ذهبت إلى الأوراق الدولية ونجحت في إستصدار القرار الأممي 2216 بحق اليمنيين.
يبدو واضحاً رفض السعودية لأي إتفاق بين اليمنيين، ما يدفعنا لطرح السؤال التالي: ما هي إستراتيجيات السعودية في منع أي توافق قائم على أساس يمني – يمني؟
أولاً: تخشى السعودية من أي توافق بين المكونات السياسية اليمنية، تنفيذاً لمقولة المؤسس عبد العزيز آل سعود “عزكم في فقر اليمن وفقركم في عز اليمن”، إذ ترى السلطات السعودية أن أي توافق يمني، يعني إزدهار الوضعين الداخلي والخارجي. كذلك يصعب على الرياض التي كانت تعتبر اليمن حديقتها الخلفية منذ الوحدة إلى العام 2011، أن ترى زمام الأمور تفلت من أيديها في الساحة اليمنية.
ثانياً: تعتبر السعودية أن أي عملية ديمقراطية في اليمن، قد تنتقل عدواها إلى الداخل السعودي وبالتحديد سكان المنطقتين الشرقية والجنوبية من ناحية، أو إلى بقية الدول الخليجية وهذا ما ترفضه جملةً وتفصيلاً.
ثالثاً: تسعى السعودية لبسط نفوذها في المنطقة عموماً ومنطقة الخليج الفارسي على وجه الخصوص، لذلك ترى أنه لا بد من السيطرة على اليمن أولاً لطبيعة الشعب اليمني التي ترفض الخضوع وثانياً بسبب حجم السكان والتركيبة الطائفية التي تختلف عن بقية الدول المجاورة.
رابعاً: تسعى السعودية لقيادة العالم الإسلامي، وبالتالي تحكم المنطقة تحت شعار الدين، إلا أن طبيعة اليمنيين وكما وصفهم النبي الرحمة محمد (ص) “الإيمان يماني، والحكمة يمانية”، “جاءكم أهل اليمن أرق قلوباً”، لا تستهوي الوهابية السعودية، والتطرف السعودي.
خامساً: السعودية التي تسبح في الفلكين الأمريكي والإسرائيلي، بل باتت ممثلاً رسمياً لأجنداتهم الهادفة إلى تقسيم المنطقة وإضعاف حكوماتها، تخشى من أي توافق بين المكونات اليمنية يفضي إلى دولة قوية تقف أمام الاطماع السعودية.
سادساً: يقوم فكر آل سعود على إلغاء الآخر، وتجد سلطات الرياض كما الكيان الإسرائيلي ديمومةً في إختلاق الأعداء. لذلك هاجمت اليمن، ولا نستغرب في حال نجحت السعودية في مشروعها اليمني أن تظهر العداء لدول خليجية أو غير خليجية أخرى.
يتضح من خلال الأسباب المذكورة أعلاه أن المشروع السعودي في المنطقة يتقاطع بشكل كبير مع نظيره الإسرائيلي، وهذا ما ظهرت بوادره في اللقاء الأخير الذي حصل ضمن ندوة مغلقة لمجلس العلاقات الخارجية في واشنطن شارك فيها أنور عشقي ضابط الاستخبارات السعودي السابق وأحد أبرز معاوني قائد الإستخبارات السعودي الأسبق تركي الفيصل، ودوري غولد أحد كبار مساعدي نتنياهو.
في الخلاصة، ترى السعودية أن مصلحة بلادها تكمن في فضّ أي توافق بين المكونات السياسية اليمنية تحت شعار “فرّق تسد”، إلا أن إنتقالها من سياسة العرقلة إلى سياسة المواجهة لم يكن في صالحها، فعندما تستعدي أي دولة شعباً مسلماً بأكمله يعني أنها تطوي الصفحة الاخيرة لفصلها في هذا البلد. بتنا قاب قوسين أو أدنى من ولادة جديدة ليمن سعيد وقوي في آن واحد.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق