نصائح ذهبيّة لصحّة حديديّة في رمضان
ليس المرضى الذين يصابون بمشاكل القلب والسكّري والضغط هم فقط من عليهم الانتباه إلى صحّتهم خلال شهر رمضان المبارك، تفادياً للانعكاسات الصحيّة السلبيّة.
لكنّ الوقائع الغذائية والطبيّة تُظهر بشكل واضح أنّ أيّ شخص معرّض للإصابة بتعقيدات معيّنة خلال الصوم، تتراوح أنواعها وحدّتها وفق العادات المتّبعة. فما أبرزها وكيف يمكن تفاديها، أو على الأقلّ تخفيف وطأتها؟
“يحصل الجسم عادةً على مصدر الطاقة من خلال الغلوكوز، أمّا خلال الصوم فيتّجه نحو سكّر مُخزّن في الكبد يُعرف بالـ”Glycogen”. لكن في حال انتهاء مخزونه، يلجأ الجسم عندها إلى الدهون والعضلات لتحويلها إلى غلوكوز والاستفادة منها كطاقة.
غير أنّ هذه الخطوات تختلف بحسب وقت امتداد الصوم، وبالتالي فإنّ عدم حذف السحور وتنظيم الإفطار بشكل جيّد يمنعان تأثير الصوم بهذه الطريقة”، حسب ما أوضحت اختصاصية التغذية، كريستال بدروسيان في بداية حديثها لـ”الجمهورية”، ومن ثمّ تطرّقت إلى “أهم المتغيّرات التي تحدث في جسم الإنسان خلال فترة الصوم، وأبرز العوامل التي تتأثّر بشكل ملحوظ خلال شهر رمضان المبارك، ومنها:
– عملية الأيض: يسبّب الحرمان من الأكل والشرب لوقت طويل نوعاً من الصدمة للجسم، ما يعدّل سرعة الجسم على حرق الأكل أو تحويله إلى طاقة كي يحمي نفسه، فيحرق الطعام ببطء أكبر ويكدّس الدهون أكثر. لذلك من المهمّ القيام ببعض الخطوات خلال رمضان للحفاظ على سرعة الأيض، كممارسة الرياضة وزيادة عدد الوجبات الغذائية وتناول السحور.
– الوزن: يواجه الصائم غالباً زيادة في وزنه بسبب ارتفاع الوحدات الحرارية المستهلَكة وانخفاض الحركة وتناول وجبات كبيرة ودسمة على الإفطار، بالإضافة إلى حذف السحور وبطء الأيض. لذلك، من المهمّ جدّاً عدم إهمال الوزن خلال هذا الشهر ومتابعة النصائح الموصى بها عادةً.
كذلك، يمكن للبعض المحافظة على أوزانهم خلال رمضان بفضل انتباههم الدقيق إلى أكلهم وحصولهم على الفطور، وعدم إجراء أيّ تغييرات جذرية في عادات أكلهم. أمّا البعض الآخر فقد يخسر نحو كيلوغرام، ومن ثم يسترجعه عادةً بعد الصوم.
– ترطيب الجسم: الكِليَتان تحافظان على المياه والصوديوم والبوتاسيوم، لكن من خلال التعرّق وارتفاع حرارة الطقس والإستعمال المكثّف لمكيّف الهواء، تَبطؤ عملية الترطيب خصوصاً في ظلّ عدم شرب المياه، الأمر الذي يؤدّي إلى خلل بين كميّة السوائل المستهلَكة وتلك التي يتمّ خسارتها في حال عدم الانتباه إلى التعويض. وعليه، يجب ترطيب الجسم بانتظام منذ موعد الإفطار إلى حين انتهاء السحور.
– نمط الحياة: عادةً، يزداد التعب خلال رمضان وينخفض النشاط البدني والعقلي، كما تكثر القيلولة وتتقلّص نوعيّة النوم نتيجة التغيّرات وضرورة الإستيقاظ للحصول على السحور، وأحياناً نتيجة تناول إفطار ثقيل يُعرقل النوم السليم”.
مشاكل وحلول
ولفتت بدروسيان إلى أنّ “هذه التأثيرات ليست وحدها التي تطرأ خلال رمضان، إنما من الشائع جداً أن يواجه الصائم مجموعة مشاكل نتيجة عدم تناول طعام صحّي أو الأكل بكميّة كبيرة أو عدم النوم بشكل صحيح، لعلّ أبرزها مشاكل في الجهاز الهضمي (إمساك، عسر هضم، نفخة، ارتجاع المريء (Reflux)، حرقة، ارتفاع حموضة المعدة)، أوجاع الرأس، جفاف الجسم، انخفاض معدّل السكر والضغط في الدم، تشنّجات العضل، حصى الكِلى، انخفاض الكولسترول الجيّد (HDL) وارتفاع نظيره السيّئ (LDL) بسبب تناول الأكل غير الصحّي”.
لكنها أكّدت أنه “يمكن تفادي معظم هذه المشاكل ببساطة من خلال اتّباع التدابير الصحّية التالية:
– أوجاع الرأس: عادةً، تكون بداية رمضان قويّة وتقلّ تدريجاً. وقد تبيّن أنها مرتبطة خصوصاً بتوقيف الكافيين والتدخين. لذلك «نوصي دائماً بتخفيف هاتَين المادَتَين تفادياً للتوقّف الفُجائي عنهما الذي يحفّز أوجاع الرأس. ولكنّ هذه المشاكل تحدث أيضاً نتيجة قلّة الأكل والنوم، وكثرة العمل، وعدم شرب جرعة كافية من المياه وبالتالي تعرّض الجسم للجفاف خصوصاً خلال الأيام الحارّة، ما قد يؤدّي إلى فقدان الوعي خصوصاً إذا ترافق مع انخفاض الضغط”.
وشرحت بدروسيان أنه بهدف تفادي هذه الآلام، “يجب خفض الكافيين تدريجاً وأحياناً شرب قهوة قويّة على السحور كي يستمرّ مفعولها لأطول وقت ممكن خلال النهار، ولكن يُستحسن اللجوء إلى المشروبات الخالية من الكافيين (يانسون وبابونج).
ولتفادي الجوع، يجب تناول أطعمة بطيئة الهضم كالحبوب الكاملة والألياف، والحصول على كميّة كبيرة من السوائل على السحور، من خلال المياه والشوربة والعصير الخالي من السكّر والفاكهة والخضار، بالإضافة إلى المشي قليلاً أو القيام بتمارين اليوغا لتهدئة التوتّر وتحسين النوم.
– مشاكل الجهاز الهضمي: أبرزها الإمساك الذي يسبّب الإنزعاج والنفخة. يمكن أن يحدث نتيجة تناول أطعمة مكرّرة جداً أو شرب كمية قليلة من المياه أو عدم تناول نسبة كافية من الألياف.
كذلك، قد تظهر مشاكل الحرقة وارتجاع المريء نتيجة ارتفاع حموضة المعدة وتناول أطعمة غنيّة بالدهون والبهارات الحارّة، وشرب الكافيين (القهوة والمشروبات الغازية)، وتناول أطعمة مرتبطة بزيادة غازات الجسم كالبيض والقرنبيط والبقوليات. إذاً، يجب تفادي هذه المأكولات، وعدم التدخين والإفراط في الأكل، والحرص على تعدّد الوجبات والأكل ببطء، وعدم النوم مباشرة بعد الأكل، وتخفيف التوتّر الذي يرتبط بدوره بالحرقة، وعدم ارتداء ملابس ضيّقة جداً.
– هبوط ضغط الدم: يحصل تحديداً في حال عدم شرب كمية جيدة من المياه، وبعد تخفيف الملح كثيراً، أو عدم تنظيم الأدوية مع الطبيب. من أهمّ أعراضه التعرّق، التعب، الدوخة، إصفرار الوجه، والشعور بفقدان الوعي. وللتمييز بين انخفاض ضغط الدم ومستوى السكّر في الدم، يجب قياس الضغط.
وللوقاية من هذه المشكلة، يجب أن يتحدّث مرضى الضغط إلى طبيبهم لتنظيم أدويتهم ووضع مواعيد مخصّصة لها، وعدم خسارة كميّة كبيرة من المياه خلال اليوم من خلال تفادي الأماكن التي تتمتع بحرارة مرتفعة وشرب كمية جيدة من السوائل على الإفطار والسحور، والتأكّد من زيادة جرعة قليلة من الملح على الإفطار وليس السحور تفادياً للعطش الشديد، كذلك يمكن شرب كوبين من المياه مع القليل من الملح في حال الشعور بانخفاض الضغط مع قدوم موعد الإفطار”.
ولتجنّب تشنّجات العضل التي تحدث بكثرة خلال رمضان، أوصَت بدروسيان بـ”استهلاك كميّة كافية من الكالسيوم (حليب ومشتقاته)، والماغنيزيوم (مكسّرات)، والبوتاسيوم (خضار وفاكهة). كما أنه لا غنى عن شرب كميات جيدة من المياه لتفادي حصى الكلى”.
وأخيراً، دعت أخصائية التغذية إلى “التزام هذه التعليمات حرفيّاً للإستفادة من هذا الشهر المبارك دينيّاً وصحّياً ومعنويّاً من دون مواجهة أدنى مشاكل أو تعقيدات صحيّة. فمن خلال هذه التفاصيل الذهبية بمضمونها والبسيطة بتطبيقها، يمكن للإنسان أن يعيش شهر رمضان بسلاسة مُطلقة”.