الطائفة الدرزية.. من المنشأ إلى المصير(الجزء الثاني)
قدّمنا في الجزء الأول نبذة عامّة عن نشأة الدروز وأهم عقائدهم، إضافةً إلى طبيعة المجتمع الدرزي، وسنتطرق في هذا الجزء إلى التوزيع الديموغرافي للطائفة الدرزية، ومن ثم نبذة قصيرة عن أبرز الشخصيات الدرزية في العصر الحديث .
التوزع الديموغرافي
يقدّر عدد الدروز في المنطقة بحوالي مليون شخص يتوزعون على سوريا، لبنان وفلسطين المحتلة، وفيما يلي عرض تفصيلي لوضع الدروز.
دروز سوريا
تعتبر سوريا أكبر تجمّع للدروز في المنطقة، حيث يقدّر عددهم هناك وفق تقرير المكتب المركزي للإحصاء [١] الصادر في ٣١ كانون أول/ديسمبر بحوالي ٧٠٠ ألف نسمة موزعين على حوالي ٧٣ قرية أهمّها محافظة السويداء حيث يعيش معظمهم على الزراعة، ومعظم الدروز اليوم في سوريا(حوالي ٩٠% من دروز سوريا يعيشون في جنوبها، وبالأخص في محافظة السويداء)، كانوا قد هاجروا من لبنان وفلسطين وحلب خلال القرنين السابع عشر، والتاسع عشر .
دروز لبنان
يقدّر عدد دروز لبنان وفقاً إلى الإحصائية التي أعدها الباحث يوسف شهيد دويهي لصحيفة النهار اللبنانية في العام ٢٠٠٦ [٢] بحوالي ٢٦٠ الف نسمة تقريبا يعيشون في عدة مناطق أبرزها الشوف، المتن، كسروان، عبيّة، الشويفات وبعقلين.
تدير شؤون الطائفة في لبنان مشيخة العقل وهي مؤسسة قديمة العهد إلا أنها حصلت على صبغة رسمية عندما سن قانون مشيخة العقل عام ١٩٦٢. وقد بنى الدروز عددا من المؤسسات الخيرية والتعليمية والصحية التي تقوم على أموال الأوقاف وتبرعات المحسنين من دروز لبنان والمهجر .
دروز فلسطين المحتلة
ينقسم الدروز في فلسطين المحتلة إلى قسمين رئيسيين: دروز عام ١٩٤٨، ودروز عام ١٩٦٧ أو دروز الجولان السوري المحتل.
بلغ عدد الدروز وفقاً لدائرة الإحصاءات المركزية الإسرائيلية [٣] بنهاية ٢٠٠٨ في الكيان الإسرائيلي نحو ١٠٥ آلاف درزي، أي ٨.٣% من مجمل المواطنين العرب، و ١.٦% من عدد سكان الكيان الإسرائيلي البالغ ٧.٢ ملايين نسمة، يضاف إليهم الطائفة الدرزية القاطنة في هضبة الجولان التي احتلها الكيان الإسرائيلي في عام ١٩٦٧ من سوريا وضمّها في عام ١٩٨١، وهم من المقيمين الدائمين بموجب قانون مرتفعات الجولان، وقد رفضت الأغلبية الساحقة قبول الجنسية الإسرائيلية الكاملة، واختاروا الاحتفاظ بجنسيتهم السورية والهوية السورية .
يقطن الدروز في ١٧ بلدة، منها ٧ بلدات درزية بالكامل، بينما يعيش بقيتهم في عشر بلدات عربية تتراوح نسبة العرب الدروز فيها ما بين ١٥-٦٠%.
والبلدات الدرزية الخالصة هي: يركا، جولس، يانوح، كسرى، جت، بيت جن، ساجور، وعين الأسد، وكافتها في منطقة الجليل. وهناك أيضاً بلدات أخرى مختلطة وهي: حرفيش، البقيعة، كفر سميع، المغار، أبو سنان، شفا عمرو، الرامة، عسفيا، ودالية الكرمل.
أبرز الشخصيات الدرزية:
سلطان باشا الأطرش: زعيم شعبي، وقائد الثورة السورية الكبرى عام ١٩٢٥ على الاستعمار الفرنسي، ولد عام ١٨٨٨ في القربا بمحافظة السويداء.
لبّى نداء الثورة العربية الكبرى، مع مجموعة من المجاهدين استظلت بالعلم العربي وسيطرت على قلعة بصرى الشام سنة ١٩١٨. كما قاد معركة تلال المانع على مشارف دمشق في وجه المحتلين العثمانيين والألمان. ودخل إلى دمشق في ٢٩ أيلول ١٩١٨ ورفع العلم العربي على دار البلدية فيها، وكان ذلك العلم الذي نسجه أهل بيته، أول علم عربي يرفرف في سماء دمشق، بعد الحكم العثماني الذي دام نحو أربعمئة عام .
توفي عام ١٩٨٢ في مسقط رأسه، ونعاه رئيس الجمهورية العربية السورية الرئيس الراحل حافظ الأسد.
آل ارسلان
تعتبر عائلة آل ارسلان من أعرق العائلات الدرزية في لبنان، حيث كانت هي التي تعيّن شيخ عقل الطائفة الدرزية حتى نهاية سبعينيات القرن الماضي. يتزعّم العائلة حالياً النائب اللبناني طلال ارسلان الذي يرأس أيضا الحزب الديمقراطي اللبناني الذي أسسه سنة ٢٠٠١. والده مجيد ارسلان أحد أبرز رجالات الاستقلال وأحد أهم رجال الدولة، شغل مناصب وزارية ابتداء من العام ١٩٣٧ إلى العام ١٩٧٥، كما انتخب نائباً منذ العام ١٩٣٢ إلى العام ١٩٧٢.
ويعتبر مجيد ارسلان من أبرز مؤسسي الجيش اللبناني بالتعاون مع اللواء فؤاد شهاب، كونه تسلّم وزارة الدفاع في أول حكومة لبنانية بعد الإستقلال في العام ١٩٤٣، كما قاد الأمير مجيد أرسلان حملة في فلسطين في حزيران ١٩٤٨، واستطاع استرداد قرية المالكية، قرية فلسطينية، من الصهاينة.
آل جنبلاط
عائلة درزية لبنانية عريقة أثرت في الحياة السياسية للبنان على مدى قرنين، تتخذ من منطقة الشوف بجبل لبنان مقرا رئيسيا لها، وتحديدا في بلدة المختارة . وترجع أصول آل جنبلاط في لبنان إلى أصول كردية سنية، واسمهم الأصلي جان بولاد وتعني بالكردية ذو الروح الفولاذية.
كمال جنبلاط من الزعماء المعاصرين، وهو زعيم سياسي لبناني، أسس الحزب التقدمي الاشتراكي، قتل في عام ١٩٧٧م. أما وليد جنبلاط (ابن كمال جنبلاط) فهو الزعيم الحالي للحزب التقدمي الاشتراكي وأحد أبرز الزعامات الدرزية في لبنان، ووالدته هي “مي أرسلان” ابنة “شكيب أرسلان” أحد زعماء الدروز.
عميد الأسرى
يعتبر عميد الأسرى سمير القنطار من أبرز الشخصيات الدرزية المقاومة التي حاربت الكيان الإسرائيلي منذ نعومة أظفارها. اعتقل سمير القنطار لأول مرة بتاريخ ٣١ يناير ١٩٧٨ على يد جهاز المخابرات الأردنية عندما حاول تجاوز الحدود الأردنية الإسرائيلية في مزج بيسان مع عضوين آخرين في جبهة التحرير الفلسطينية، وقضى ١١ شهرا في السجن الأردني، ثم أفرج عنه في ٢٥ ديسمبر ١٩٧٨ بشرط أنه لن يدخل الأردن ثانية . إلا أن إصرار سمير على دعم القضية الفلسطينية أوقعه في الأسر مرّة ثانية بعد عملية بطولية في مدينة نهاريا الساحلية. عميد الأسرى بقي في السجن حوالي الـ٣٠ عاماً إلى أن تم الإفراج عنه يوم الأربعاء ١٦ تموز/يوليو ٢٠٠٨ في صفقة تبادل بين حزب الله والكيان الإسرائيلي.
لم تثنِ سنوات الأسر سمير عن العودة إلى المقاومة، بل أكد في أول خطاب له أنه لم يعد من فلسطين إلا ليعود إلى فلسطين، وقد حاول الكيان الإسرائيلي اغتياله في عملية القنيطرة الأخيرة.
خلاصة
قدّمنا لكم في الجزء الثاني نبذة قصيرة عن التوزع الديموغرافي للدروز في المنطقة، ومن ثم عرضنا سيرة أبرز الشخصيات الدرزية. في الجزء الثالث والأخير سنتطرق إلى الوضعين السياسي والإجتماعي للدروز في المنطقة بدءاً من سورياً مروراً بلبنان ووصولاً إلى الكيان الإسرائيلي.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق