التحديث الاخير بتاريخ|الثلاثاء, ديسمبر 24, 2024

“ويكيليكس” وحقيقة آل سعود 

نزلت الوثائق التي سرّبها موقع ويكيليكس مساء الجمعة تحت مسمى “سري جدا”، ناراً وشناراً على السلطات السعودية. الوثائق الجديدة أماطت اللثام عن الكثير من الحقائق المخفيّة إن من حيث الكم، أو من حيث النوع؛ بل من حيث الأهداف، لترسم بذلك صورة جديدة تتضح معالمها على ضفاف “ويكيليكس السعودية”.

لا شك في أن الكشف عن 70 ألف وثيقة إبتداءاً، حيث من المقرّر أن يصل هذا العدد إلى حوالي نصف مليون، تتناول ملفات عدّة، بدءاً من الأمن والسياسة مروراً بالإعلام والاقتصاد وصولاً إلى العلاقات الخارجية، أدخلت سلطات الرياض في نفق مظلم لن تخرج منه حتى يلج الجمل في سمّ الخيط.

ولادة “ويكيليكس السعودية” للمراسلات السرية بين وزارة الخارجية ومختلف السفارات السعودية حول العالم، في ظل الأجواء الضبابية للسعودية داخلياً وخارجيا تشي بالبحث عن الأسئلة التالي: ما هو جوهر الهالة السعودية في المنطقة والعالم، أو بالأحرى ما هي الحقيقة التي تقوم عليها الدبلوماسية السعودية أو آل سعود؟ وما هي تداعيات وثائق “جوليان أسانج” على “مملكة الرمال”؟

حقيقة السعودية

تظهر الوثائق مدى إهتمام السعودية بالمظهر بعيداً عن الجوهر، فضلاً عن مقدار السطوة على الإعلام، ليس على مستوى الإقليم فحسب بل على مستوى العالم. فقد نقلت هذه الوثائق الحديث الإعلامي عن “الهيمنة السعودية” من عالم الشائعات والإتهامات إلى عالم الحقائق والأرقام.

إعلامياً، ينقسم الهمّ الدبلوماسي السعودي إلى فصلين رئيسيين، الأول ركني يختص بالدول التي تحظى فيها الرياض بنفوذ سياسي، والآخر خلفي أو هامشي في تلك الدول التي لا تستحوذ على الخصوصية السابقة. الهوس السعودي بصورته الخارجية جعل التحويلات المالية تتكدّس في أرشيف سفاراته في دول “ميّتة” سياسياً بالنسبة للرياض، فما هو إنتفاع آل سعود مما ينشر في بعض الدول النائية من مالي إلى التشاد، ومن النيجر إلى بوروندي، وهل ستتأثر الإستراتيجية السعودية بما ينشر في الإعلام الإندونيسي أو الأسترالي أو حتى الكندي؟

ولكن عندما تختلط القدرة المالية بالنفوذ السياسي، تختلف المعادلة في مقاربة الأمور، فتصبح السفارة وسيطاً بين الإعلام المحلي ومراكز القرار في السعودية، وهناك يصبح الاستثمار المادي بملايين الدولارات لأصحاب الأيادي البيضاء لدى آل سعود، معتمدةً أسلوب العصا والجزرة في التعاطي مع الوسائل الإعلاميّة لاسيّما الفاعلة منها. من لا تنجح السعودية في “شراء ذمّته”، تحاول تحييده وتهديده إذا لزم الامر، فتلاحق الحكومة السعودية “الإعلام المعادي” ومن ينتقدها في كلّ مكان، بدءاً من محاربة الأفلام السينمائية التي تتعرض للسعودية عموماً وآل سعود على وجه الخصوص، كما أظهرت الوثائق حول فيلم “ملك الرمال” الذي يتعرّض الى حياة جدّهم الأكبر، الملك المؤسس عبد العزيز، أو منع قطر من محاولة ترجمة وثائق بريطانية تسيء لتاريخ آل سعود مروراً بتهديد وسائل الإعلام بالمحاصرة وقطع العائدات الإعلانية، وصولاً إلى تنسيق حملات إعلامية لمنع البث الفضائي كمل حصل مع القنوات الإيرانية.

السعودية تسعى لرسم صورة ناصعة البياض عن واقع قاتم السواد عبر وسائل إعلام “مدفوعة سلفاً”، بالتزامن مع مواجهة أي نوع من النقد خصوصاً لآل سعود بصرف النظر عن الأسباب والنتائج والحدود الجغرافية. “الكرم السعودي” على المئات من المؤسسات والأشخاص الناشطين سياسياً وإعلامياً يكشف سذاجة العقل الدبلوماسي السعودي، سواءً عبر الإبتزاز العلني من لا شيء، أو الفبركة العلنية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فالمهم أن تسمع السعودية تملقاً يناسبها. 

تتضح حقيقة السعودية من خلال طائرة وقودها المال بجناحي إعلام “زوار السفارة” والنفوذ السياسي، لا يتوارى عن المحرمات التي تستخدم في غالب الأحيان قاعدة طائفية ومذهبية مقيتة تحت شعار “الغاية تبرّر الوسيلة”. ولكن في ظل هذه “الفضائح الإستراتيجية” ما هي التداعيات المفترضة على سلطات آل سعود؟

تداعيات مفترضة

لا ريب في أن التسريب يعتبر ضربة قوية للدبلوماسيّة السعودية، الأمر الذي قد يتسبب في مشاكل مع دول عديدة، خاصةً أن الوثائق تطال العديد من الدول الحليفة، لاسيّما في العالم العربي، وبعض دول مجلس التعاون على وجه الخصوص.

السعودية حاولت أن تقطع الطريق على أي إرتداد داخلي عبر تهديد المواطنين في حال تصفحوا وثائق تضر بالأمن القومي السعودي، إلا أن سلطات الرياض ماذا ستفعل على الصعيد الخارجي؟ هل ستمنع الدول الحليفة من الإطلاع على هذه الوثائق، أم أنها ستسعى لشراء ذمم ويكيليكس حتى تقطع الطريق على أي فضائح جديدة؟

قد يخدم التطرف الوهابي في المؤسسة الدينية السعودية والذي إنتقلت عدواه إلى المؤسسة الدبلوماسية السلطات في هذا الظرف، فالسعودية عرّابة التطرف في المواقف السياسية لن تجد نفسها محرجة في تقديم إعتذارات للدول التي تتسم العلاقة معها بالتوتر، كما أنها ستعود إلى أسلوب المال والنار عند صدور أي إعتراض من أصحاب الذمم الرخيصة، ولكن ماذا ستفعل السعودية في علاقاتها مع الدول الحليفة؟ ماذا لو ظهرت وثائق جديدة تخص تركيا كما هو حال قطر؟ ألا يعني ذلك ترك السعودية وحيدةً بعد إبتعادها عن مصر؟

 فيما يخص مصر، كيف سيتعامل السيسي مع التسريبات التي تتحدث عن تنسيق سعودي مع عدوّه الأكبر جماعة الإخوان المسلمين؟ هل ستبتعد مصر عن الفلك السعودي تحت شعار “صديق عدوّي عدوي”، أم سيقترب الرئيس السيسي من الرئيس الأسد تحت شعار “عدو عدوي صديقي”؟

تكثر الأسئلة التي ستكون السعودية مضطرةً للإجابة عليها في الفترة المقبلة، وفي حين ستكون الإجابة على أغلبها غير شافية، وقد يبقى العديد منها دون إجابة أصلاً، إلا أن الثابت الوحيد في “ويكيليكس السعودية” أن حقيقة “مملكة الرمال” تقوم على المال والنار.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق