لماذا تدعم إسلام آباد “طالبان الأفغانية” وتحارب “طالبان الباكستانية”؟!
من الامور الملفتة للنظر التعامل المزدوج الذي تنتهجه الحكومة الباكستانية ازاء حركة طالبان، فهي من جانب تحارب “طالبان الباكستانية،” ولكنها في الوقت نفسه تدعم “طالبان الأفغانية”؟
والسؤال المطروح هنا: ما هو سبب هذا التعاطي المزدوج مع الحركتين، وما الذي تروم اسلام آباد تحقيقه من وراء هذا التعامل؟
للاجابة عن هذا التساؤل نرى من الضروري الاشارة إلى أنه من المعلوم والثابت لدى المراقبين ان كلتا الحركتين “طالبان الافغانية والباكستانية” نشأتا بدعم وتمويل من اجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية والسعودية، ولكن الاختلاف بين الحركتين في هذا المجال يكمن في أن “طالبان الأفغانية” حصلت وتحصل على دعم اسلام آباد في حين لا تحصل “طالبان الباكستانية” على مثل هذا الدعم.
ومن خلال معرفة هذه الحقيقة يمكن اكتشاف سر دعم اسلام آباد حكومةً وجيشاً لـ “طالبان الأفغانية” وعدم دعمهما لـ “طالبان الباكستانية”. بمعنى آخر هناك سبب جوهري يقف وراء ذلك يمكن بيانه من خلال ذكر أمرين رئيسيين ومهمين هما:
١ – تسعى “طالبان الباكستانية” – وهذا ثابت من خلال وقائع ومؤشرات ميدانية كثيرة – إلى إسقاط حكومة إسلام آباد بينما تسعى “طالبان الأفغانية” لإسقاط حكومة الوحدة الوطنية في كابل لأنها تعتبرها غير شرعية كونها تشكلت عبر توافقات أشرفت عليها القوات الاجنبية التي تتزعمها أمريكا والتي غزت البلاد عام ٢٠٠١ واطاحت بحكومة طالبان التي كانت في حينها على رأس السلطة.
٢- تسعى حكومة اسلام آباد إلى دعم “طالبان الأفغانية” لتحقيق أهداف تعتقد أنها استراتيجية إلى درجة أنها تصر على أن تشارك هذه الحركة في أي حكومة يتم تشكيلها في أفغانستان، خلافاً لنظرتها لـ”طالبان الباكستانية” التي ترى فيها منافساً غيرَ مرحبٍ به، ليس هذا فحسب؛ بل ترى أنها تسعى إلى إسقاطها وتشكيل حكومة بديلة عنها في اسلام آباد كالتي تسعى “طالبان الأفغانية” تشكيلها في كابل.
من هنا يمكن استنتاج سبب دعم اسلام آباد لـ “طالبان الأفغانية” ومحاربتها لـ “طالبان الباكسانية”، فالاولى تعد بالنسبة لها صديقاً بينما تعد الثانية عدوا.
لكن الملاحظ – وهذا أمر جدير بالاهتمام – ان حكومة اسلام آباد التي يترأسها نواز شريف أخذت تتعامل مع “طالبان الباكستانية” بنوع من المرونة في الآونة الاخيرة ومحاولة استمالتها للمشاركة في الحكومة بعد أن أيقنت أن القضاء عليها كلياً غير ممكن في الواقع بسبب ما تتلقاه هذه الحركة من دعم امريكي وبريطاني وسعودي كبير كما أسلفنا، والذي مكنها من تنفيذ عمليات مسلحة كثيرة أدت إلى مقتل وجرح الآلاف من الباكستانيين وإلحاق أضرار جسيمة بالمنشآت والمؤسسات الحكومية والمدنية الباكستانية.
وفي مقابل ذلك يلاحظ ان “طالبان الأفغانية” نفذت أيضاً الكثير من العمليات المسلحة وتمكنت كذلك من السيطرة على العديد من المناطق الأفغانية لاسيما في شمال البلاد، وهذا الأمر ما كان ليتم لولا الدعم العسكري واللوجستي الباكستاني بإعتقاد أغلب المراقبين.
وبالنتيجة يمكن القول ان سبب دعم الحكومة الباكستانية لحركة “طالبان الافغانية” يكمن في أنه يصب في مصلحتها على المدى المنظور على أقل التقادير في حين تخشى اسلام آباد من الدعم الامريكي والبريطاني والسعودي لحركة “طالبان الباكستانية” لأنها ترى فيه خطراً حقيقياً على وجودها ومصالحها على المديين القريب والبعيد ولهذا تعتقد بضرورة ترجيح كفة “طالبان الافغانية” وإضعاف “الباكستانية”، وإن بدا في الظاهر أن الحركتين تسعيان لتحقيق هدف واحد ولكن بأسلوبين مختلفين خصوصاً وانهما تنتميان لمنطقة جغرافية واحدة وإلى نفس القومية وتربطهما أواصر اجتماعية ومذهبية عميقة.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق