التحديث الاخير بتاريخ|الثلاثاء, ديسمبر 24, 2024

حقيقة الزيارة السعودية لروسيا: لأن الرياض تبحث عن حيثية 

أخذت الزيارة الأخيرة للوفد السعودي الى روسياً، كماً هائلاً من التحليلات، لكن حقيقة تقييم الزيارة يجب أن تكون من منطلق تحديد حجم الأطراف وليس جلوسهم سوياً. فالسعودية تُدرك جيداً أن روسيا قطبٌ ندٌ لأمريكا، ومن جهةٍ أخرى، تُدرك موسكو أن السعودية لم تكن إلا أداةً تلعب في الساحة الأمريكية. وبالتالي، فإن التقييم الحقيقي للزيارة، لا يجب أن يقف فقط عند الصور التي جمعت الطرفين. بل يجب أن يقرأ المشهد الحقيقي من وراء الزيارة. فماذا في الزيارة السعودية ونتائجها؟ وما هي دلالاتها الحقيقية؟

أولاً: في الزيارة ونتائجها:

ترأس الأمير محمد بن سلمان وفداً سعودياً في زيارةٍ الى روسيا، ضم وزير الخارجية عادل الجبير ووزير البترول علي النعيمي والعديد من كبار المسؤولين في الجيش والمخابرات السعودية. وقد ناقش الطرفان السعودي والروسي أفق التعاون في قضايا الطاقة والإستثمار وسوق النفط العالمية، واتفقا على التعاون من أجل تحقيق الإستقرار في سوق الطاقة العالمي. كما جرى البحث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المسائل السياسية لا سيما مسألة الحرب على اليمن.

ومن نتائج الزيارة، أن تم الإتفاق على التعاون في مجال التكنولوجيا النووية، حيث جرت مناقشة الخطط السعودية لبناء ١٦ مفاعلاً نووياً في المستقبل. كما وقع صندوق الإستثمارات العامة السعودي والصندوق الروسي للإستثمار المباشر مذكرة تفاهم لإستثمار ١٠ مليارات دولار. وذكرت وكالة الأنباء السعودية واس أن المذكرة وُقع عليها من قبل أمين عام صندوق الإستثمارات العامة، والرئيس التنفيذي للصندوق الروسي للإستثمار المباشر.

يذكر أن الصندوق الروسي للإستثمار المباشر يشارك في استثمارات موازية مع أكبر الصناديق الإستثمارية في العالم، ولديه علاقات إستثمارية مع العديد من الشركاء حول العالم، مثل شركة الإستثمارات الصينية، وشركة الإستثمارات الكورية، والبنك الياباني للتعاون الخارجي، ومع الصندوق الإستراتيجي الإيطالي وغيرها.

قراءة في دلالات الزيارة السعودية:

تُعد زيارة الوفد السعودي الى روسيا، أمراً يحتاج للوقوف عنده، ليس من مُنطلق أهمية الزيارة، بل من منطلق قراءتها بطريقةٍ صحيحة. وهنا نقول التالي:

– أن يترأس الوفد ولي ولي العهد محمد بن سلمان، أمرٌ يجب النظر إليه على أنه محاولة سعودية، لتعويم الشاب، وإظهاره على أنه صاحب أهليةٍ سياسية ودبلوماسية. وهو الأمر الذي يمكن فهمه أيضاً، كمحاولةٍ لإبعاد الأنظار عن أفعال الرجل في اليمن، وإخفاقاته الأخيرة. وهذا لا يمكن أن يحصل إلا من خلال إعطائه دوراً محورياً، سعت السعودية له، من خلال الزيارة. ولا بد من الإشارة الى أن الأمير السعودي، وضع نفسه في موقعٍ أكثر استقلالاً عن الأعضاء الآخرين لفريق الأمن القومي السعودي المقربين من أمريكا بالتحديد. حيث يُنظر إلى الوزير الجبير وولي العهد الأمير محمد بن نايف في السعودية على أنهما مقربان من واشنطن. وبالتالي فقد يكون تَرأُّس بن سلمان للوفد، ترجمة لسياسة تعتمدها السعودية مؤخراً، بتنويع المصالح وعدم الإعتماد على واشنطن فقط، وذلك بهدف إظهار أن الرياض تتمتع بحيثية معينة وقرار مستقل.

– قد تعتبر الزيارة محاولة سعودية للتقرب من روسيا، الى جانب إرسال رسالة لواشنطن، بأن الحراك الدبلوماسي والسياسي للسعودية، لم يعد مقروناً بالرأي الأمريكي فقط. إلا أنه لا بد من الإشارة الى أن المنحى الذي أخذته الزيارة إقتصادي الطابع، وليس سياسياً، وإن كان قد تم النقاش بأمور سياسية لا سيما الملف اليمني، إلا أن الطابع الغالب كان إقتصادياً. فقد سبق للسعوديين أن حاولوا تعزيز العلاقات مع روسيا من قبل لكسب النفوذ في المنطقة. ففي السنوات الأخيرة من عهد الملك عبد الله، زار رئيس مخابراته، الأمير بندر بن سلطان، بوتين عدة مرات في محاولة لإقناع موسكو بإنهاء الدعم لنظام الرئيس السوري بشار الأسد. وعرض بندر خلالها التعاون حول أسعار النفط وصفقات أسلحة مربحة لكسب تأييد بوتين لكنه فشل في المناورة. وما يجب ملاحظته هو أن السعودية ما زالت تعتمد أسلوب الإغراء الإقتصادي والمالي كأساسٍ في حراكها السياسي والدبلوماسي. فالزيارة هدفت للتعاون مع روسيا إقتصادياً، الى جانب محاولة الإستفادة من التكنولوجيا النووية، كرسالة لواشنطن من جهة، ولإيران من جهةٍ أخرى.

– لكن الكثير من المحللين رأووا أن النتائج التي تم التوصل إليها والتي تتعلق، بتوقيع إتفاقات تعاون، إقتصادية ونووية، هي طبيعية للطرفين، ولا يمكن إعتبارها إنجازاً سعودياً. فروسيا لا مشكلة لها في التعامل مع أي بلدٍ تجد في ذلك مصلحة لها. وهي بالتالي قد تكون جمعت بين محاولتها كسب أدوات واشنطن السابقة، وبين إنفتاحها على سياسة التعامل مع الجميع ضمن حدود المصالح القومية. وبالتالي فإن التعاون الإقتصادي قد يكون في مصلحة الطرفين السعودي والروسي، إلا أنه لا يعني توافقاً على الصعيد السياسي. كما أن التعاون النووي بين البلدين، لا يضر بالعلاقات الروسية الإيرانية، التي تعطيها موسكو أولويةً كبرى، لما تشكله إيران من محوريةٍ في الصراع الإقليمي والدولي. وبالتالي فإن الحديث عن التعاون النووي، ليس من الأمور التي تعني بالضبط حاجةً لموسكو على قدر ما هو حاجة للرياض، كما أن ذلك لا يعني الضرر بطهران، التي تعتبر الإستفادة من التكنولوجيا النووية السلمية حقاً مشروعاً للجميع.

– كما أن مجالات التوافق الروسي السعودي تعتبر شبه معدومة. فلا توافق بين موسكو والرياض على أغلب الملفات لا سيما الأزمة السورية ومكافحة الإرهاب. ولا يمكن أن يقبل الرئيس الروسي بما سبق أن رفضته روسيا في مجلس الأمن، أي فيما يتعلق بالحرب على اليمن. ولا شك أن السعودية حاولت كسب المساعدة الروسية بالخصوص بعد فشل محادثات جنيف. لكن موقف روسيا معروف، فموسكو التي تُعتبر قطباً في السياسة العالمية، لا يمكنها ان تستمع لدولةٍ كالسعودية، سبق أن انتقدت سياساتها، الى جانب أن تاريخ التعاون السياسي بين البلدين، يوضح إنعدام الثقة بالتحديد عندما يأتي الحديث عن الدور السعودي في الإرهاب العالمي، وهو ما تدركه موسكو جيداً. لذلك فإن الحديث عن تعاونٍ سعودي روسي، يُعتبر ضرباً من الخيال، إذ أن روسيا لا يمكن أن تتساهل في التعاون مع ملفات الإرهاب العالمي. الى جانب أن موسكو تُدرك جيداً الطريقة السعودية في التعاطي لا سيما في السياسات الخارجية، والتي تعتبرها غير ناضجة.

قد يكون الهدف من جلوس السعودية الى جانب روسيا، إظهار حيثيةٍ للرياض والتي طالما سعت لها. لكن الأهم هو أن السعودية الغارقة في الفشل، لن تكسب من روسيا، إلا ما تجد فيه موسكو مصلحة لها، وهو ما لن يتعدى حدود التعاون الإقتصادي.

الوقت – محمد علي جعفر

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق