بنية المجتمع العلوي وانتشار العلويين في الخارج
على الرغم من أن سوريا تعتبر محطةً في تاريخ العلويين، فإن الحقائق تتحدث عن انتشارهم في العديد من دول الشرق الأوسط الأخرى، الى جانب تواجدهم في أوروبا وأمريكا. فكيف يمكن وصف بنية المجتمع العلوي؟ وكيف انتشر العلويون في الخارج؟
بنية المجتمع العلوي:
لقد أصبح المذهب العلوي اليوم، مقتصراً على عشائر معينة، منها ما يرجع نسبه إلى فرع القبائل الشاميّة والعراقية من غسّان وبهرا وتنوخ، الذين اعتنقوا المذهب الشيعي الإثني عشري في وقت مبكر، ثم تحولوا إلى المذهب الشيعي العلوي. وبعض قبائلهم كالمحارزة والتي يرجع نسبها إلى الهاشميين، وبعضهم ازداد عددهم بهجرة قبائل طيء (نهاية القرن الثالث الهجري)، وقبيلة غسّان الذين دفعتهم الحروب الصليبية من جبل سنجار في العراق إلى منطقة الشام. وبالتالي فإن العلويين ينقسمون بذلك إلى عشائر كثيرة كالنواصرة والجهنية والرسالنة، ومنهم الحيدرية الغيبية وهم العلويون شمال نهر الكبير حالياً، في منطقة بسنادا وما حولها من الضيع .
إن حالة الجمود الذاتي والإستعمار الموضوعي، التي رافقت تطور المجتمعات العربية، أدت إلى توقف التقدم الحضاري للمجتمعات العربية بصورة عامة، والطائفة العلوية بصورة خاصة. وظهر الشكل الذاتي للتباطئ الحضاري ممثلاً في شيوع التفكير البدعي المتضمن للتفكير شبه الخرافي والأسطوري لدى المجتمعات العربية عامة والتي كانت الطائفة العلوية أحد أطيافها. وهو ما دعا بعض أعلام الطائفة العلوية إلى الدعوة لمحاربة التفكير البدعي حينها.
فبين العلويين مثقفون وفنانون وكتاب وأكاديميون يعيشون ضمن النسيج السوري العام، وهناك الكثير من العلماء الذين كانوا ينتشرون في جبال الساحل السوري ودخلوا تاريخ الطائفة، أمثال الشيخ أحمد سليمان الأحمد وابنه فيما بعد بدوي الجيل، والشيخ أحمد حيدر المؤلف الكبير، وكذلك الشيخ محمد علي إسبر .
كما أن من أشهر العلويين في منطقة الشرق الأوسط، قائد ثورة جبال الساحل السوري ضد الفرنسيين الشيخ صالح العلي، والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وحالياً ابنه الرئيس بشار الأسد. بالإضافة إلى عدد من الكتاب والمفكرين كالشاعر أدونيس والشاعر بدوي الجبل والشاعر سليمان العيسى والشاعر والمسرحي الراحل ممدوح عدوان، والمرشح لجائزة نوبل سعد الله ونوس وغيرهم الكثير من المفكرين السوريين.
تقسيم العلويين عشائرياً:
ويقسم العلويون عشائرياً إلى أربعة اتحادات: الخياطين والحدادين والمتاورة والكلبية. جميعها موزعة على منطقة اللاذقية بأكملها، والمناطق المحيطة بها، والكثير من القرى والأراضي التابعة لها موزعة بين عائلات من عشائر مختلفة، وأحياناً يكون للإتحادات العشائرية أكثر من قائد، حيث تنقسم هذه الإتحادات إلى عشائر .
وبحسب المؤرخين فإن من أهم الأسس البنيوية التركيبية للمجتمع العلوي، والتي يتميزون بها، هو أن العلويين لا يقبلون بسهولة المتحوّلين إليهم من الأديان الأخرى، ولا يسمحون بنشر كتبهم المقدّسة، فيما عدا فئة محدودة تتمتع بالثقة، لذلك فإنّ معظم أبناء الطائفة لا يعرفون الكثير عن مضامين تلك الكتابات أو عن العقيدة العلويّة .
التوزيع الجغرافي للعلويين:
يشكّل العلويّون نحو ١٢% من مجموع سكّان سوريا، أي أكثر من مليون ونصف المليون شخص. ويتجمّع معظمهم (أكثر من ٧٠%) في “جبال العلويّين”، وهي سلسلة جبال تقابل الساحل السوري ومعروفة أيضاً باسم جبال النصيريّة. وهناك تجمّعات علويّة أخرى تقطن مناطق وقرى حول المدن كحماة وحمص، ويعيش نحو ربع مليون علويّ، وربّما أكثر، في دمشق بل وفي حلب .
إضافة إلى سوريا، فإن هناك تجمّعات علويّة في تركيا أيضاً، وهم بضع مئات من الآلاف في الإسكندرونة (هتاي) وفي كيليكيا، وفي لبنان بضع عشرات الآلاف، يتمركزون بشكل أساسيّ في عكار وطرابلس. كما أن هناك أيضاً علويين في الأردن، الى جانب وجود جاليات منهم في كل من العراق وفلسطين وإيران، وكذلك في اليونان وبلغاريا حتى ألبانيا، وفي أمريكا وحدها يوجد أكثر من ربع مليون علوي .
العلويون في الخارج:
وتشير بعض الأرقام إلى أن مجموع عدد العلويين في العالم يبلغ ٨٠ مليوناً . ووفق التقديرات يعيش في أوروبا أكثر من مليوني علوي، ويقطن العدد الأكبر منهم ألمانيا حيث يبلغ عددهم ٦٠٠ ألف شخص، وهناك نحو ١٥٠ ألفًا آخرين في فرنسا. وقد اعترفت السلطات في النمسا رسمياً منذ أعوام بهم كطائفة دينية مستقلة، ويبلغ عدد العلويين هناك نحو ٦٠ ألف شخص .
وتجدر الإشارة الى ان الطائفة العلوية في سوريا تعتبر ثاني أكبر طائفة، حيث يأتي أهل السنة في المرتبة الأولى، ثم يأتي العلويون، فالمسيحيون والشيعة فالدروز، ويكفل الدستور السوري في المادة ٣٥ حق المعتقد وحرية العبادة، لمختلف الطوائف والفرق الفقهية من سنة وشيعة .
إذاً تتميز الطائفة العلوية بإنتشارها في الخارج، الى جانب تمركزها في سوريا وتركيا. ولذلك فإن للعلويين ثقلاً سياسياً في دولهم، إن على صعيد المشاركة السياسية أو الدينية، ولا سيما في سوريا وتركيا، وهو ما سنشير اليه لاحقاً.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق