التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

جولة فابيوس: بين البحث عن دورٍ إقليمي لباريس والتغطية 

في جولةٍ مكوكية، حاول وزير الخارجية الفرنسي تقديم نفسه، كعرَّاب الحلول في المنطقة، وسعى لذلك عبر طرح قضية السلام بين الفلسطينيين والكيان الإسرائيلي. لكن في الحقيقة، تحاول فرنسا القيام بإثبات مكانتها على الصعيدين الإقليمي والعالمي. في وقتٍ يؤمن فيه الشعب الفلسطيني أن لا حل لقضيته إلا بالمقاومة، وإزالة الكيان الإسرائيلي. فماذا في مجريات الجولة الفرنسية ومعارضة تل أبيب؟ وكيف يمكن قراءة دلالات الخطة الفرنسية المطروحة؟

تصريحات فابيوس ورفض الكيان الإسرائيلي:

قبيل استقباله وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، إنتقد رئيس حكومة الکيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشدة نية باريس تقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي قريباً، واعتبر ذلك “محاولة لحشرنا في حدود غير قابلة للدفاع عنها” بحسب تعبيره. فقد أعرب نتنياهو من خلال ذلك عن عدم ارتياحه من الموقف الفرنسي، والنية لتقديم مشروع قرار يرسم حدود الدولة الفلسطينية في إطار حل الدولتين مع الكيان الإسرائيلي . كما وصف نتنياهو خطة فابيوس بأنها “إملاء”، معتبراً أنها تضر بتل أبيب. وفي مستهل جلسة الحكومة الإسرائيلية الأسبوعية، قال نتنياهو إن السبيل الوحيد للتوصل إلى اتفاق هو المفاوضات. وأضاف “ليس في الإقتراحات الدولية أية إشارة حقيقية لمتطلبات دولة (إسرائيل) الأمنية. إنهم يحاولون حشرنا في حدود غير قابلة للدفاع عنها، عبر تجاهل تام لما سيكون عليه الجانب الآخر من الحدود. وقد خبرنا النتائج، لأسفنا أيضاً من قطاع غزة ومن لبنان. وسوف نرفض بشدة محاولات فرض إملاءات دولية علينا، سواء من أجل الأمن أو من أجل السلام”.

وكان فابيوس قد وصل، في زيارة خاطفة إلى تل أبيب ورام الله، كي يعرض على الطرفين خطته لإقرار مبادئ التسوية في قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي. في وقتٍ يعارض فيه الكيان الإسرائيلي بشدة كل مشروع قرارٍ في مجلس الأمن يتعلق بالتسوية، وهذا ما أبلغه الكيان الإسرائيلي لفابيوس، عبر مستشار الأمن القومي يوسي كوهين الذي اجتمع لهذا الغرض مع فابيوس قبل بضعة أسابيع .

قراءة في خطة فابيوس وتحليلها:

تقضي خطة فابيوس التي عرضها على قيادتي الكيان الإسرائيلي وفلسطين بتحديد جدول زمني لعام ونصف العام من المفاوضات، والتي بعدها إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام فإن الأمم المتحدة تعترف بفلسطين دولة مستقلة في حدود العام ١٩٦٧ مع تبادل أراض، على أن تكون القدس عاصمة للدولتين. ويدعو مشروع القرار الفرنسي إلى إنشاء دولة فلسطينية “تستند إلى خطوط ٤ حزيران العام ١٩٦٧ مع تبادل أراض متساوية، وبموافقة الطرفين”.

وكان فابيوس قد دعا، في القاهرة، إلى استئناف المفاوضات وحذر من إستمرار الإستيطان، مؤكداً أهمية حماية أمن الكيان الإسرائيلي، والاعتراف بالحقوق الفلسطينية، كما أدار في القاهرة محادثات مكثفة مع مسؤولين مصريين حول السلام الإسرائيلي – الفلسطيني .

بناءاً لما تقدم يمكن قول التالي:

– تحاول فرنسا الظهور بمظهر الدولة القادرة على لعب دورٍ إقليمي، مُستغلةً بذلك، الفراغ السياسي الحاصل في الشرق الأوسط نتيجة إنشغال الدول بأحداثها وأزماتها الخاصة ومنها واشنطن المُنشغلة بالإتفاق النووي مع طهران. وبالتالي فقد وجدت باريس بالحديث عن مشروع السلام بوابةً لها من أجل إظهار نفسها كلاعبٍ إقليميٍ ودولي.

– إن السعي الفرنسي ليس بجديد بل هو تكرار لمحاولات قديمة، تم إبطالها بطلب واشنطن، وذلك بسبب إنشغال الأخيرة بالمفاوضات مع إيران. فالفرنسيون حاولوا قبيل الإنتخابات الإسرائيلية تقديم مشروع مشابه، لكنهم فشلوا بسبب إصرار الفلسطينيين على تقديم صيغتهم الخاصة. كما سعى الفرنسيون لعرض مشروع قرار جديد أمام مجلس الأمن في حزيران وتموز، إلا أنهم أجلوا ذلك بسبب طلب أمريكي. وقد طلب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري من نظيره الفرنسي حينها، تأجيل عرض المقترح إلى ما بعد انتهاء المفاوضات النووية مع إيران. وهناك اعتقاد بأن باريس ستعرض مشروعها على مجلس الأمن الدولي في أيلول المقبل أثناء الجمعية العمومية للأمم المتحدة .

– تنطلق فرنسا في مشروعها من خلال قراءةٍ تؤمن بها، مفادها بأن المفاوضات بين الفلسطينيين والكيان الإسرائيلي بلغت الطريق المسدود، وبالتالي بحسب رأيها، بات على الأسرة الدولية، خصوصا دول أوروبا، أن تتدخل تدخلاً أشد فعالية من أجل تحريك العملية السلمية. وهي من خلال جولتها الأخيرة، تحاول جمع التأييد لمشروعها، من بعض الدول العربية، بعد حصولها على ذلك من قبل دول في الإتحاد الأوروبي. 

– لكن الحراك الفرنسي تشوبه عقباتٌ عديدة، إذ أن الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني لا يزالون يعارضونه من زوايا مختلفة. فتل أبيب تعارض المشروع الفرنسي من حيث المبدأ وقد سبق لنائبة وزير الخارجية تسيبي حوتبولي أن أبلغت صحيفة «لوفيغارو» بأن “المبادرة الفرنسية لا تساعد بل تضر بالجهود، لأنها تخلق وهماً في صفوف الفلسطينيين بأنهم ربما ينالون من الأسرة الدولية، من دون أن يطلب منهم تقديم تنازلات”. أما الفلسطينيون فقد يقبلون بالمشروع من جهتهم، إذا تضمن شروطهم التي سبق للرئيس الفلسطيني محمود عباس أن أعلنها، وبينها الدولة وعاصمتها القدس الشرقية على خطوط ١٩٦٧. ولكن الفلسطينيين مازالوا يرفضون الخطة إذا اشترطت الإعتراف بما يسمى بـ”يهودية إسرائيل”.

خلاصة ونتيجة:

تحاول باريس أخذ دور البلد الذي يتمتع بحيثيةٍ ما في المنطقة، محاولةً من خلال طرح قضية المفاوضات، كسب تأييد الدول العربية، مما يجعلها دولةً نافذة في المنطقة. وسعياً منها لتعزيز ذلك، تقوم بطرح مسألة القضية الفلسطينية التي تعتبر المُستنهض الأساس للشعوب العربية. لكن فرنسا لا تستطيع تعمية الحقائق التي كرسها التاريخ المعاصر، والتي تتعلق بدعم الإرهاب في العالم لا سيما في المنطقة وسوريا تحديداً. ولذلك يُشير بعض المحللين الى أن فرنسا هدفت من خلال حراك وزير خارجيتها، التغطية على أعمالها الإرهابية من دعمٍ وتمويلٍ ومناداةٍ بإسقاط أنظمة. ففرنسا كانت ومنذ بداية الأزمة السورية بالتحديد، تعمل ضمن إستراتيجية العواصم الغربية وفي مقدمتها باريس وواشنطن، من سياسة عدائية للشعوب العربية، عبر دعم الإرهابيين ورفع معنوياتهم وتقديم كل أشكال الدعم العسكري واللوجستي لهم في سوريا تحديداً. 

إذاً تتاجر باريس بالقضية الفلسطينية، على الرغم من تاريخها الأسود. فيما يجب على العالم أن يدرك تماماً، أن فرنسا، ليست الدولة التي تحمل هم العرب أو الفلسطينيين، ولو أن تصريحات وزير خارجيتها لقيت رفضاً من قبل الكيان الإسرائيلي، فهذا لا يعني أن باريس ستعارض تل أبيب، بل إن كل ما تسعى له فرنسا هو البحث عن دورٍ إقليمي .

محمد علي جعفر

 

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق