جديد التوتر الأمريكي الروسي: نزولٌ أمريكي الى الميدان وطيٌ لصفحة الحرب الباردة
يبدو أن الأمور بين القطبين العالميين روسيا وأمريكا، تتجه نحو مزيدٍ من التوتر. فمقولة الحرب الباردة بين الطرفين، يبدو أنه تتجه لتكون حرباً ساخنة، لا يعرف أحد متى تبدأ وكيف تنتهي، لكن الجميع يؤمن بأن النتائج ستكون كارثية. فتزايد الحضور العسكري الأمريكي في أوروبا، يجعل المحللين الإستراتيجيين، يتوجهون للحديث عن أن مقولة الحرب الباردة قد انتهت، وأن احتمالات الحرب العسكرية ترتفع. ولعل المُستجد اليوم، هو جولة وزير الدفاع الأمريكي الأوروبية، والتي كلَّلها بتصريحاتٍ نارية تجاه موسكو. فماذا في آخر أخبار الحراك الأمريكي؟ وما هو مستقبل التوتر بين موسكو وواشنطن؟
تصريحات كارتر والتوجه الأمريكي:
قال وزير الدفاع الأمريكي اشتون كارتر خلال زيارة له إلى برلين الاثنين، إن مساعي واشنطن لنشر معدات عسكرية ثقيلة في دول أوروبا الشرقية هي خطوة “مهمة” في مواجهة أي تهديد روسي. ووسط تزايد المخاوف بشان تحركات روسيا ونواياها في الدول التي كانت تابعة للإتحاد السوفياتي السابق، أعلنت واشنطن عن استعدادها لنقل معدات ثقيلة الى المنطقة لدعم جهود التدريب، ما دفع موسكو الى التهديد بتعزيز ترسانتها النووية. وحول خطط نشر المعدات العسكرية قال كارتر إن “هذه مسالة قيد الدرس، وسنناقشها مع زملائنا”. كلامه جاء خلال جولته التي تستمر أسبوعاً يزور خلالها استونيا ويشارك في اجتماع وزراء دفاع حلف شمال الاطلسي (الناتو) في بروكسل. وأضاف كارتر الذي تولى منصبه في شباط الماضي “الفكرة هي نشر طواقم من المعدات، ومن بينها معدات ثقيلة، مبدئياً لدعم عمليات التدريب حتى تكون موجودة” في المنطقة.وتابع هناك أيضاً إمكانية لنشر مزيد من المعدات لحالات الطوارئ مؤكداً على أن واشنطن تهدف الى طمأنة شركائها في الحلف الأطلسي على الجهة الشرقية من أوروبا، دون أن يكشف عن تفاصيل.
من جهةٍ أخرى ذكرت صحيفة نيويورك تايمز هذا الشهر، أن البنتاغون سيقوم بتخزين دبابات وعربات مشاة قتالية وغيرها من المعدات الثقيلة بالإضافة الى ٥٠٠٠ جندي في العديد من دول البلطيق وأوروبا الشرقية. ووصفت الصحيفة هذه المسألة، بأنها “خطوة مهمة لردع أي عدوان روسي محتمل في أوروبا” وقالت إنه في حال الموافقة على الخطة فإنها ستكون المرة الأولى منذ الحرب الباردة التي تنشر فيها واشنطن، مثل هذه المعدات في دول أعضاء في الحلف الأطلسي كانت جزءاً من الإتحاد السوفياتي.
التوجه الأمريكي: دلالات وتحليل
لا شك أن التوجه الأمريكي يعكس خياراتٍ هي الأولى منذ بداية الحرب الباردة، لجهة أن التوجه الجديد، لا يدخل في نطاق التحرك السياسي أو التهديدات فقط، وإنما يتجاوزه ليكون محاولةً لفرض واقعٍ عسكريٍ جديد. لذلك نقول التالي:
– تسعى أمريكا ومنذ سنوات طوال لكسر قوة روسيا المتنامية. لكن محاولات واشنطن، كانت دائماً ضمن قواعد الإشتباك المعتمدة في الحرب الباردة، إذا صح التعبير. فالحرب الباردة بين الطرفين، تنوَّعت بين الحرب الإعلامية والسياسية، الى الحرب الإلكترونية والتجسس. فالطرفان الأمريكي والروسي، سعيا الى فرض ما يسمى بـ”نظرية إنتقال القوة” كلٌ على طريقته. لكن التحول في النظام العالمي، والذي تزامن مع إنهيار الرهانات الأمريكية، وقدرة روسيا على الحضور في الشرق الأوسط غيَّر الحسابات بأسرها.
– فالحرب بين موسكو وواشنطن، كانت دوماً حرباً غير مباشرة، أي أنها تُقاد من خلال دولٍ تابعة لكل طرف. وبالتالي فإن التوجه اليوم للحرب المُباشرة وبالطريقة المطروحة، يعني سقوط كل أوراق الحرب الباردة المُعتمدة على الحلفاء والأدوات. فقد ظلت أمريكا تنازع روسيا محاولةً الإستمرار في قيادة منظومة القطب الواحد عالمياً.
– لكن تزايد التوترات في المنطقة والتي سعت إليها واشنطن، كانت أكبر من قدرتها على ضبطها، فخسرت في أكثر من مكان، مما أدى لإنهيار منظومتها أي القطب الواحد، ولا شك أن للروسي دوراً في ذلك. فبعد الإنسحاب الأمريكي من العراق، والفشل في أفغانستان، وعدم تحقيق ما سُمِّي بالربيع العربي الطموح الأمريكي، وتراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، في مقابل تنامي النفوذ الروسي، الى جانب تعاظم الدور الإيراني وهو الحليف الإستراتيجي للدب الروسي في المنطقة، كل ذلك جعل أمريكا تسقط، لتسقط معها أدواتها من دولٍ عربية وخليجية.
– لذلك قامت واشنطن بخلق أزماتٍ لروسيا، فسعت لضرب استقرارها الجيوسياسي عبر الأزمة الأوكرانية، لكن روسيا كانت أقوى. ثم قامت بإستخدام ورقة الإتحاد الأوروبي، من خلال إستخدام الدول التي تنطوي تحت السياسة الأمريكية، محاولةً الضغط سياسياً وإقتصادياً على موسكو. لكن موسكو ظلت صامدة، وأثبتت قدرتها على إحتواء الأزمات بمختلف أنواعها، وإن كانت قد تضررت.
– لكن الواضح أن سياسة أمريكا لكسر موسكو لم تنجح. لينتقل الأمريكي الى التهديد عسكرياً عبر الحضور في الازمة الأوكرانية بالسلاح والدعم العلني، الى جانب زيادة الحضور العسكري في أوروبا. فواشنطن الخاسرة في الشرق الأوسط، والتي تعاني من صعوبة في الدخول الى شرق آسيا بسبب التنين الصيني، أصبحت عاجزة على الصعيد الذي يسمح لها بالبقاء بعيدةً عن التدخل المباشر، وهنا نقطة التحول الجديدة اليوم. لذلك فإن تصريحات كارتر وجولته، تدخل في خانة ما يسمى بـ”نزول الأمريكي الى ساحة الميدان” من أجل فرض الوجود. وهو ما لم يلجأ له الأمريكي منذ زمنٍ بعيد.
النتيجة:
إن التهديد الأمريكي لروسيا، عبر دعم الناتو، ليس فقط سياسةً تهدف لإثبات وتقوية دولٍ أوروبية لتواجه القطب الروسي، بل محاولةٌ لفرض قواعد جديدة في الحرب التي لم تعد باردة بين الطرفين الأمريكي والروسي. فأمريكا اليوم وبعد خروجها من الشرق الأوسط، وصعوبة دخولها لشرق آسيا، وإضطرارها للجلوس مع إيران، أصبحت ضعيفة الدور الإقليمي والعالمي، أمام تنامي الدور الروسي والصيني كما الإيراني. وهو الأمر الذي يجعل واشنطن، مضطرةً لتحويل المواجهة مع روسيا، الى مواجهةٍ تُدخل موسكو في صراع الوجود. مما يعني أن الأمور تنزلق الى مرحلةٍ خطيرة، لأن روسيا التي تتقن فن اللعب سياسياً وعسكرياً، لا بد أنها ستنتقل مع هذا التغيُّر من مرحلة مواجهة واشنطن ونفوذها، الى مرحلة الدفاع عن دورها ووجودها، وهو الأمر الذي يعني الكثير. وما علينا إلا أن ننتظر الأيام المقبلة، لنعرف إلى ما تتجه اليه الأمور.
امحمد علي جعفر
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق